أقام مركز «عبدالرحمن كانو الثقافي» في برنامجه للربع الأوَّل من عام 2023م أُمسيةً بعنوان: «الفنَّان عبدالله دشتي: عدسة الروح والقلب»، قدَّمها وأدار الحوار خلالها الشاعر علي عبدالله خليفة، وكانت أُمسية غير عاديَّة احتفاءً بشخصيَّة استثنائيَّة لم تسعَ لصُنع تاريخها، بل رحَّب بها تاريخ فن التصوير الضوئي وأفسحَ لها مكانًا واسعًا في ذاكرته عن طيب خاطِر.
الأبعاد المؤثرة في شخصية الفنان «عبدالله دشتي» أكبر من الاكتفاء بكتابة «مقالٍ خبري» يصف أحداث الأمسية والحديث الدائر فيها، فتلك الأحداثُ وذاك الحديث كانا من أحب المواد الإخباريَّة لبعض مواقع الأخبار الثقافية البحرينية فضلاً عن حسابات وسائط التواصل الاجتماعي لكثير من مُحِبي هذا الفنان، ولم يتأخر «مركز عبدالرحمن كانو الثقافي» عن إتاحة الأمسية المُسجلة صوتًا وصورة للراغبين في مشاهدتها من أي مكان عبر «يوتيوب»، لكن ما وراء كواليس نجوميَّة تلك الشخصيَّة يعجز جمود «الخبر الثقافي» المُجرَّد عن تقديمه لأنه مُفعمٌ برحلة شغفٍ ولُغة مشاعِريَّة لا يستطيع ترجمتها إلا من تعاملوا مع تلك الشخصيَّة فنالوا حظ استكشاف بعض أسرار نجوميتها المُتألِّقة.
إن لهُ شخصية فريدة من نوعها من دون شك، وذاك التفرُّد هو الذي صعد به إلى سماء النجومية بين المصورين في البحرين، فهو عاشقٌ لآلة التصوير عشقًا لا حدود له ولا سواحِل، إلى درجةٍ تجعل من التقاط الصورة بالنسبة إليه هدفًا باعثًا على نشوة الرُّوح دون أن يرتبط ذلك بأي تطلُّعاتٍ ماديَّة أخرى، وإذا أحبَّ روح الشيء أو الشخص الذي يلتقط له الصورة فلا يُمكن أن تولدَ تلك الصورة إلا محبوبةً للناظرين! وهو طيبٌ جدًا ومع هذا فائق الذكاء، مُتواضعٌ لم تتدنس أخلاقه بأوحال الغرور رغم شُهرته التي بسببها نال قُربًا من علية القوم وأرفع طبقات سُلَّم المُجتمع، يمتاز بقدرةٍ عجيبةٍ على قراءة روح الشخص الذي يتعامل معه، فلا يُخدع بمظهرٍ أو وهم، يُحب الكلام بآلة التصوير بين يديه أكثر من الكلام بصوته، لا يُهدر وقتًا أمام محطة أحقادٍ أو ضغائن، ويعيش مُمتنًا لـ«المُمكن» على أمل تحقق «غير المُمكن».
اكتشف هذا الفنان ولعه بالتصور منذ أن كان في الثانية عشرة من عمره، عندما كان يجتاز استوديو تصوير في المنامة اسمه «زوجوا بناتكم» يملكه المصور «عبدالله مبارك»، دفعه التوق إلى اقتحام هذا العالم الساحر باقتناء آلة تصوير «كوداك» والاستمتاع بالتقاط الصور هنا وهناك. عام 1972م كان في زيارة لأحد أصدقائه المصورين فأرشده إلى اقتناء آلة تصور أكثر احترافًا، وبدأ بارتياد معارض الفنون التشكيلية لتخليد لحظات الفعالية بآلة تصويره، عام 1998م صوَّر أول فعالية في «النادي الأهلي للإعلامي» «علي سيَّار»، ومنذ ذاك الوقت واظب على حضور تلك الفعاليات الثقافية وتخليد لحظاتها، واستمر مصورًا داعمًا في النادي الأهلي الذي أصبح اسمه «مركز عبدالرحمن كانو الثقافي» منذ عام 1998م حتى اليوم، ومصورًا لفعاليات مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، وأمسيات جمعية تاريخ وآثار البحرين، ومعارض الفنون التشكيلية المُقامة في البحرين، كما كان مصورًا رسميًا للمكتب الإعلامي لسمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة من عام2000م إلى عام 2010م.
خلال أي فعالية فنية أو ثقافية في البحرين يتحرك المصورون بآلات تصويرهم، قد يعرف الحاضرون من المُنتمين إلى تلك الأوساط بعضهم أحيانًا، وقد لا يعرفون أكثرهم غالبًا، لكن ثمة نجمٌ أوحدٌ لا يكاد أحدنا لا يعرفه، ولا يمكن إلا أن تبتسم أرواحنا وتُرفرف بهجة وتفاؤلاً عند رؤية آلة تصويره بين يديه، نجمٌ يملك في أرشيفه مئات الصور المُقرَّبة لوجوه شخصيات فنية وثقافية وعلمية وسياسية معروفة في البحرين، وأكثر من ثلاثة آلاف صورة متنوعة، إنه النجم الفنان «عبدالله دشتي».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك