بقلم: باتريك كوكبرن
تكشف الضجة حول تصريحات الأمير هاري والتي أثارت انتقادات شديدة حول دوره كطيار هليكوبتر في الحرب على أفغانستان عام 2012 عن منتقديه أكثر مما تكشف عن الأمير نفسه.
لا شك أن كثيرا من هذه الانتقادات هستيرية أو لافتة للانتباه، لكنها تنبع أيضًا من فقدان الذاكرة البريطانية بشأن الحروب الفاشلة في أفغانستان والعراق.
كتب هاري يقول في كتابه: إن «أفغانستان كانت حرب أخطاء، حرب ذات أضرار جانبية هائلة - قتل وتشوه فيها آلاف الأبرياء وهذا ما ظل يطاردنا دائمًا».
في الواقع، كان من المفترض أن تؤدي هذه الأخطاء إلى المزيد من القلق في بريطانيا حيث بدأ التدخل العسكري البريطاني غير المجدي في أفغانستان، ومعظمه في إقليم هلمند، يتلاشى سريعًا من الذاكرة العامة.
لا توجد دولة تحب التفكير في إخفاقاتها وفشلها، لكن رفض بريطانيا الاعتراف بأخطاء الماضي والتعلم منها أصبح مرضًا قوميًّا أكثر تدميرًا للذات.
أسوأ أعراض هذا التدمير الذاتي هو النفخ في المعنويات والتظاهر بأن بريطانيا تحمل الأوراق الرابحة في يديها وتعرف كيف تلعبها، وقد بلغت ذروتها في عهد بوريس جونسون وليز تراس العام الماضي.
لكن الانتقادات السامة التي جاءت ردا على تعليقات هاري المعقولة إلى حد ما حول حربه في أفغانستان تظهر قوة المحظورات العامة ضد أي تقييم واقعي لقدرة بريطانيا على شن الحرب.
هناك لمسة من السذاجة في رواية هاري عن قيادة مروحية أباتشي في مهام قتالية، لكن لديه بعض الأفكار المثيرة للاهتمام حول ما كان يفعله.
كتب هاري يقول: «لم يكن في نيتي من يوم وصولي أبدًا أن أخلد إلى الفراش متشككًا في أنني قد فعلت الشيء الصحيح، أو أن أهدافي كانت صحيحة، وأنني كنت أطلق النار على طالبان وعلى طالبان فقط، وأنه لا يوجد مدنيون في الجوار».
لكن التجربة في أفغانستان والعراق أظهرت مرارًا وتكرارًا أن الأشخاص الذين استهدفتهم القوات الجوية الغربية على شكل طائرات ثابتة الجناحين وطائرات هليكوبتر وطائرات من دون طيار وصواريخ أرض - أرض لم يكونوا في الغالب أولئك الذين اعتقدهم الطيارون والمراقبون الجويون.
فبدلاً من استهداف مقاتلي طالبان أو تنظيم «داعش»، فقد يكون الأمر يتعلق بأبناء القبائل المعادين لحاكم الإقليم أو أنهم مزارعون يحاولون محاربة المسلحين الذين أرسلهم قائد الشرطة المحلية. لقد كانت المسألة الأهم تتعلق بالخسائر في الأرواح بين المدنيين بسبب الضربات الجوية الخاطئة.
يقول هاري إنه قتل خمسا وعشرين من مقاتلي طالبان، لكنني أشك في ذلك كثيرًا. عندما تم التحقيق من التأثير الحقيقي للقوة الجوية على المدنيين على الأرض في شمال العراق - حيث كانت الحرب الجوية شبيهة بتلك التي حدثت في أفغانستان - من قبل عزمت خان وأناند جوبال ما بين سنتي 2016 و2017، وجدا تباينًا كبيرًا بين الادعاءات العسكرية والحقيقة على أرض الواقع.
في دراسة شملت 150 غارة جوية بعنوان «الضحايا غير المحسوبين» ونُشرت في صحيفة نيويورك تايمز في 16 نوفمبر 2017 وجد هذان المحققان أن واحدة من كل خمس ضربات نفذتها قوات التحالف التي حددناها أدت إلى مقتل مدنيين، وهو معدل يزيد على 31 ضعفًا عن ذلك عما هو معترف به من قبل قوات التحالف الغربي.
أما بالنسبة إلى جميع ادعاءاتهم بامتلاك القدرة اللازمة للتمييز بين الجنود والمدنيين، فإن الحملات الجوية الحديثة تعتمد تمامًا كما كان عليه الأمر في الماضي على معلومات استخباراتية غير مؤكدة في تحديد الأهداف.
وفي منطقة سكنية خارج مدينة الموصل، زعمت القوات الجوية الغربية أنها قتلت مدنيا واحدا فقط في بلدة «القيارة» أو بالقرب منها، فيما قالت القوات الجوية العراقية إنها لم تقتل أحدا.
لقد اتضح فيما بعد أنه كانت هناك 40 غارة جوية على هذه المنطقة أسفرت عن مقتل 43 مدنيا، من بينهم 19 رجلاً وثماني نساء و16 طفلاً يبلغون من العمر 14 عاماً أو أقل. في حوالي ثلث الهجمات الجوية القاتلة، كان مقاتلو الدولة الإسلامية بالقرب من المدنيين، لكن في نصف الحالات لم يكن أي منهم موجودًا.
ركزت الانتقادات في بعض الأحيان والموجهة إلى هاري على الادعاء الكاذب بأنه يتباهى بقتل 25 من مقاتلي طالبان أو أنه انتهك بعض القواعد العسكرية الغامضة بإعطاء رقم عن عدد قتلى العدو في ساحة المعركة.
من الواضح أنه يعتقد أنه يعرف على من كان يطلق النار، وفي عصر مروحيات أباتشي وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، يمكن التحقق من ذلك: «يمكنني دائمًا تحديد عدد المقاتلين الأعداء الذين قتلتهم بدقة»، كما يقول.
في الواقع، لم يستطع هاري فعل شيء من هذا القبيل لأنه، على الرغم من دقة الأسلحة الحديثة، إلا أنها لا تزال تعتمد على تحديد الهدف الصحيح. إذا كان هاري محقًا في أن جميع أهدافه هم من مقاتلي طالبان، فإن هذا يعني مستوى استثنائيًا من الذكاء الخارق.
ومع ذلك، فقد فكر هاري على الأقل فيما كان يفعله، رغم أنه كتب يقول: «في خضم القتال وغموضه لم أفكر في هؤلاء الخمسة والعشرين كأشخاص». إنه يقوم بالتشبيه السيئ السمعة بين قتلى طالبان وقطع الشطرنج التي تم إزالتها من اللوحة.
«لقد تدربت على الآخرين، تدربت جيدًا. على مستوى ما، أدرك أن هذا الانفصال المكتسب يمثل مشكلة. لكنني رأيت أيضًا أنه جزء لا مفر منه من التجنيد».
إنه بالتأكيد محق في هذا، وإن لم يكن تمامًا بالطريقة التي يقصدها. عادة ما تكذب الجيوش أو تخدع نفسها بشأن عدد المدنيين، على عكس المقاتلين الأعداء الذين يقتلونهم.
ونادرا ما يعترفون صراحة لأنفسهم أو للآخرين بالسبب الذي يجعل الاحتلال العسكري يثير المقاومة المسلحة في كثير من الأحيان. في الفترة التي سبقت وصول الجيش البريطاني إلى إقليم هلمند في عام 2006، لاحظ أحد ضباط المخابرات بشكل لا لبس فيه أنه «لا توجد حرب في هلمند، ولكن ستكون هناك إذا ذهب الجيش البريطاني إلى هناك».
ليس الأمر كما لو أن الحقائق الكئيبة عن التدخل العسكري البريطاني المباشر في العراق وأفغانستان كانت سرًا. قال سفير بريطاني متقاعد: «إن أسوأ خطأ من جانب الحكومة البريطانية شهده طوال حياته الدبلوماسية هو التدخل العسكري في العراق، بينما كان ثاني أسوأ خطأ التدخل البريطاني في إقليم هلمند بأفغانستان».
كان السبب الأساسي لكل تدخل هو الأولوية المعطاة لإقناع الولايات المتحدة بأن البريطانيين حليف يمكن لأمريكا الاعتماد عليه.
يوفر هذا على الأقل دافعًا منطقيًا لإرسال جيوش بريطانية صغيرة وغير كافية إلى البصرة وهلمند، حيث واجهوا سكانًا محليين معادين ومسلحين جيدًا.
تم التحقيق بدقة في كثير من الأخطاء التي حدثت لبريطانيا في هذه الحروب من خلال تقارير حكومية أو برلمانية عالية الجودة. صُممت التقارير من أجل امتصاص الانتقادات وتأخير اتخاذ أي قرارات عبر دفن الجوانب والحقائق التي يراد لها أن تنسى ولا يتم الكشف عنها أبدا وقد نجحت التقارير إلى حد كبير في القيام بذلك بالضبط. على الرغم من أنها أخبار جيدة للمؤرخين، إلا أن الدروس التي يشيرون إليها يتم تجاهلها بشكل روتيني.
من بين أهم هذه الاستنتاجات أن محاولة الولايات المتحدة وبريطانيا خوض حروب بالاعتماد إلى حد كبير على القوة الجوية لم تنجح، ولو أن الأمريكان والبريطانيين قد نجحوا في ذلك لما كانت حركة طالبان تسيطر اليوم على العاصمة الأفغانية كابول.
ربما تكون رواية هاري عن الفترة التي قضاها في أفغانستان قد أثارت جدلاً مفيدًا حول السجل العسكري البريطاني في العراق وأفغانستان. لا يوجد ما يدل على ذلك في هذه الهجمة المسعورة لشيطنة هاري.
ربما سيبقى سؤالان مثيران للاهتمام من دون إجابة. من هم الأفغان الذين قتلهم هاري؟ وكم عدد أولئك الذين قرروا الانضمام إلى حركة طالبان لأن أقاربهم وأصدقاءهم قد قتلوا؟
كومونز
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك