بقلم: كلوديا ليفكو {
على الرغم من البيانات التي تظهر الأثر المدمر للعنف والحرب في الأطفال، كانت العقود الماضية أسوأ الأوقات بالنسبة إلى الأطفال. وتظل الولايات المتحدة دولة شاذة على المستوى العالمي برفضها التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل.
أصدرت لجنة حقوق الطفل التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بيانا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة في 13 أكتوبر 2023م.
جاء في التقرير ما يلي:
«نؤكد من جديد أن اتفاقية حقوق الطفل تتطلب من الدول الأطراف وجميع الجهات الفاعلة احترام وضمان احترام قواعد القانون الإنساني الدولي المطبقة في النزاعات المسلحة فيما يتعلق بالأطفال».
«وتهدف الاتفاقية أيضًا إلى ضمان أعلى مستوى من الحماية للأطفال. ونحن ندعو جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك المجتمع الدولي، إلى العمل من أجل استعادة السلام والحفاظ على سلامة الأطفال وتعافيهم كأولوية فورية لهم».
لقد تعرض عدة آلاف من الأطفال الفلسطينيين للترهيب والقتل والتشويه واليتم منذ الثاني عشر من شهر أكتوبر الماضي، ودمرت حياتهم. إن حقوقهم الإنسانية المكرسة، وإلى حد ما مستقبلهم، مدفونة تحت أنقاض المنزل والمدرسة والمستشفى والمسجد والكنيسة.
إن اتفاقية حقوق الطفل، وهي وثيقة حقوق الإنسان الأكثر إقراراً في التاريخ، تلزم زعماء العالم «... حماية الأطفال والتخفيف من معاناتهم... ودعم المبدأ البعيد المدى المتمثل في أن الأطفال لهم «القرار الأول» عند استخدام جميع الموارد، وأن المصالح الفضلى للأطفال «سيأتي الأطفال في المقام الأول... في الأوقات الجيدة أو السيئة، في السلم أو الحرب، في الرخاء أو الضائقة الاقتصادية» (كوفي عنان، 2001).
ومما يدعو إلى الاستغراب أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي لم توقع على هذه الاتفاقية العالمية رغم ما تكتسبه من أهمية بالغة.
ربما لم يكن علينا أن نشعر بالصدمة حينها، عندما اعترفت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة في عهد بيل كلينتون، في تصريح لها بتاريخ 12 مايو 1996 - في لحظة نادرة وجريئة من قول الحقيقة - بأن الحكومة الأمريكية كانت تعلم أن مئات الآلاف من الأطفال العراقيين ماتوا نتيجة للعقوبات الاقتصادية التي تدعمها الولايات المتحدة.
وقالت في مقابلتها سيئة السمعة في برنامج 60 دقيقة: «الثمن، نعتقد أن الثمن يستحق العناء».
إذا نظرنا إلى الوراء، أعتقد أن هذا ربما كان بداية النهاية للأطفال في جميع أنحاء العالم. في بيان علني ينم عن كثير من الاستهتار والصلف، أعلنت حكومة الولايات المتحدة أن «الطفل» لا يحق له الحصول على وضع خاص ومحمي فحسب، وهو ما يعني أن رفاهية الأطفال مسألة ثانوية بالنسبة إلى الأهداف السياسية والاقتصادية الوطنية والدولية – من منظور الولايات المتحدة.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك قوة عسكرية واقتصادية هائلة تهيمن بها على مختلف دول ومناطق وبحار العالم، فقد كانت مسألة حماية الأطفال ورعاية حقوقهم في كل مكان منتقصة، فما بالك بحمايتهم من الهلاك في زمن الصراعات والحروب – على غرار ما يجري حاليا في غزة وما يرتكب فيها من فظائع ضد الأطفال وغيرهم.
وقد دقت جراسا ماشيل، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة، ناقوس الخطر بشأن الأطفال بعد وقت قصير من تعليقات أولبرايت في أغسطس 1996.
لقد قدر تقرير ماشيل عن تأثير الحرب في الأطفال أن مليوني طفل قتلوا خلال العقد الماضي من الزمن، مع ثلاثة أضعاف هذا العدد من المصابين بجروح خطيرة أو إعاقات دائمة في الصراعات التي «... لم يتم إنقاذ أي شيء أو جعله مقدسًا أو محميًا - لا الأطفال أو الأسر أو المجتمعات».
وكتبت جراسا ماشيل: «إن هذه الإحصائيات صادمة بما فيه الكفاية، ولكن الأمر الأكثر إثارة للخوف هو الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه منها: المزيد والمزيد من العالم ينزلق إلى الفراغ الأخلاقي».
«هذه مساحة خالية وخاوية وفارغة من أبسط القيم الإنسانية؛ مساحة يتم فيها ذبح الأطفال واغتصابهم وتشويههم؛ مساحة يتضورون جوعا فيها الأطفال ويتعرضون للوحشية الشديدة».
«إن مثل هذا الإرهاب والعنف غير المنظم يشير إلى الإيذاء المتعمد. هناك القليل من الأعماق الإضافية التي يمكن للبشرية أن تغوص إليها. […] مهما كانت أسباب الوحشية ضد الأطفال في العصر الحديث، فقد حان الوقت للتوقف. [...] يجب على المجتمع الدولي أن يدين هذا العدوان على الأطفال لأنه أمر لا يطاق وغير مقبول».
على الرغم من البيانات التي تظهر التأثير المدمر للعنف والحرب على الأطفال، وعلى الرغم من دعوتها الحماسية إلى العمل، فإن العقود الماضية كانت أسوأ الأوقات بالنسبة إلى الأطفال. والأسابيع الأخيرة، في غزة والضفة الغربية من الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يمكن وصفها بالكلمات.
إن قادة هذا العالم نفسه الذين وقعوا على حماية الأطفال يكتفون اليوم بالمشاهدة، في الوقت الحقيقي، ويتفرجون على الموت والإصابة، والخوف والمعاناة، والتشريد واليتم لآلاف من الأطفال في غزة؛ ويشاهدون منازلهم ومدارسهم مدمرة؛ وأفراد الأسرة الذي يهلكون تحت أنقاض تلك المباني المنهارة؛ يتم إنكار مشاهدة كل شيء مهم لدعم الحياة - ليس «فقط» للطفل، ولكن أيضا لكل ما هو ضروري لحياة أي إنسان.
ولم يكن لدى أحد - لا منظمة الأمم المتحدة، ولا أي اتفاقية دولية أو حكومة أخرى في العالم- الإرادة السياسية أو السلطة لوقف هذه الإبادة الجماعية المستمرة للرجال والنساء والأطفال.
لقد قيل كل ما يجب أن يقال عن الحرب وعن الأطفال. لدي ما أضيفه. لذا، سأقدم لكم نبذة من كلمات جراسا ماشيل - دعوتها لاتخاذ الإجراءات اللازمة - فرصة أخرى ليسمعها المجتمع الدولي.
وقبل كل شيء، يعد هذا التقرير بمثابة دعوة إلى العمل. ومن غير المعقول أن نرى حقوق الأطفال تتعرض للانتهاك بشكل واضح ومستمر وأن نفشل في الدفاع عنها. إنه أمر لا يغتفر أن يتم الاعتداء على الأطفال وانتهاكهم وقتلهم، ومع ذلك لا يثور ضميرنا ولا يتحدى إحساسنا بالكرامة. وهذا يمثل أزمة أخلاقية أساسية لحضارتنا.
إن تأثير النزاعات المسلحة على الأطفال يجب أن يكون موضع اهتمام الجميع وهو مسؤولية الجميع، سواء الحكومات أو المنظمات الدولية أو كل عنصر آخر فاعل من عناصر المجتمع المدني.
ويجب على كل واحد منا، كل فرد، كل مؤسسة، كل بلد، أن يبادر ويدعم العمل العالمي لحماية الأطفال في كل مكان ومنطقة صراع في العالم. ويجب تعزيز الاستراتيجيات المحلية والوطنية وتعزيزها من خلال التعبئة الدولية.
فلنعتبر الأطفال «مناطق سلام». وبهذه الطريقة، ستعلن البشرية أخيرا أن الطفولة لا يجوز انتهاكها، وأنه يجب تجنيب جميع الأطفال الآثار الضارة للصراعات المسلحة. يقدم لنا الأطفال دافعًا مقنعًا فريدًا لتعبئة صفوفنا والتجند لحماية حقوق الأطفال.
ويتيح الاهتمام العالمي بالأطفال فرصا جديدة لمواجهة المشاكل التي تسبب معاناتهم. ومن خلال التركيز على الأطفال، سيبدأ السياسيون والحكومات والعسكريون والكيانات من غير الدول في إدراك مدى الدمار الذي يلحقونه من خلال الصراعات المسلحة، وبالتالي مدى ضآلة مكاسبهم.
فلنغتنم هذه الفرصة لاستعادة غريزتنا في تغذية الأطفال وحمايتهم. دعونا نحول غضبنا الأخلاقي إلى عمل ملموس. أطفالنا لديهم الحق في السلام. السلام هو حق كل طفل.
{ ناشطة مدافعة عن حقوق الأطفال
كومونز
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك