بقلم: جيفري دي ساكس {
إن التصويت بالإجماع تقريبا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 8 ديسمبر 2023م والذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة هو لحظة شرف للأمم المتحدة وعار للولايات المتحدة.
فمن خلال التصويت لصالح وقف الحرب الإسرائيلية على غزة بأغلبية 13 صوتاً بنعم، وصوت واحد بلا (الولايات المتحدة الأمريكية)، وامتناع صوت واحد (المملكة المتحدة)، وضعت الأغلبية العظمى نفسها إلى جانب القانون الدولي. لقد وقفت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ضد القانون الدولي، مع امتناع صديقتها ومعلمتها الوحشية الإمبراطورية، المملكة المتحدة، عن التصويت.
لقد كرّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الأمم المتحدة والكرامة الإنسانية من خلال تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، ودعا مجلس الأمن الدولي إلى وقف القتل في غزة كمسؤولية أساسية بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
في كل يوم، يكافح مسؤولو الأمم المتحدة على الأرض في غزة ببطولة من أجل إطعام وإيواء وحماية السكان من القنابل الإسرائيلية، حيث قتل أكثر من 100 من موظفي الأمم المتحدة في العدوان الإسرائيلي.
إن الوضع في قطاع غزة واضح بقدر ما هو وحشي. لقد عانت دولة فلسطين، التي اعترفت بها 139 دولة، لفترة طويلة من وحشية الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية. وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش غزة بأنها أكبر سجن مفتوح في العالم.
وبعد الهجوم الذي قادته حماس في السابع من أكتوبر الماضي، والذي راح ضحيته 1200 إسرائيلي، بدأت إسرائيل بتطهير غزة عرقياً. ويعتبر المختصون القانونيون في مركز الحقوق الدستورية تصرفات إسرائيل بمثابة إبادة جماعية.
وحتى الآن، قُتل أكثر من 17400 من سكان غزة، فيما وتم تهجير 1.8 مليون من سكان غزة. ويواجه عشرات الآلاف خطر الموت الوشيك. وفي شهر نوفمبر الماضي، حذر غوتيريس من أن «غزة أصبحت مقبرة للأطفال».
لقد دفعت إسرائيل السكان من شمال غزة إلى الجنوب، ثم غزت الجنوب. وطلبت السلطات الإسرائيلية من سكان غزة الفرار للنجاة بحياتهم إلى مناطق داخل الجنوب، ثم قصفت الأماكن التي تم توجيه سكان غزة إليها.
إن الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مجرد حامية لإسرائيل. إنها شريك لها، وهي تقوم بتزويد إسرائيل، بشكل فوري، بالذخائر التي تستخدمها لارتكاب جرائم قتل جماعي، حتى في الوقت الذي تتكلم فيه السلطات الأمريكية عن أرواح المدنيين في غزة.
ويبرر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ المذبحة بإعلانه أنه لا يوجد أي مدنيين أبرياء في غزة: «هناك يوجد شعب يتحمل بأكمله المسؤولة». إن أكبر كذبة تكذبها الحكومة الإسرائيلية هي أن إسرائيل ليس لديها خيار آخر غير القتل الجماعي لسكان غزة، بهدف إلحاق الهزيمة بحماس.
إن حقيقة أن إسرائيل قد هدأت بسبب غطرستها وتخلت عن حذرها في السابع من أكتوبر لا تجعل من حماس تهديداً وجودياً للدولة الإسرائيلية. ولا تمتلك حماس سوى جزء صغير من القوة العسكرية الإسرائيلية.
لقد كان السابع من أكتوبر، على غرار أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، خطأً أمنياً فادحاً ينبغي تصحيحه على الفور من خلال تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود، ولم يكن تهديداً وجودياً يبرر بأي شكل من الأشكال قتل الآلاف أو عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. وتشكل النساء والأطفال 70% من الضحايا.
إن جنون القتل يقوده نفس السياسيين الذين كانوا مسؤولين عن الفشل الأمني في 7 أكتوبر الماضي، والذين يتلاعبون الآن بأعمق مخاوف وهواجس الشعب الإسرائيلي.
هناك نقطة أكبر وأهم بكثير. ومن الممكن تفكيك حماس من خلال الدبلوماسية، ومن خلال الدبلوماسية فقط. يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أخيراً الالتزام بالقانون الدولي، وقبول دولة فلسطين ذات السيادة إلى جانب إسرائيل، والترحيب بفلسطين باعتبارها الدولة العضو رقم 194 في منظمة الأمم المتحدة.
ويتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتوقف عن تسليح عملية التطهير العرقي الإسرائيلية في غزة، وأن تتوقف عن حماية الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الأساسية التي ترتكب في الضفة الغربية.
بعد مرور ستة وخمسين عاماً على احتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية، وبعد عقود من بناء المستوطنات غير القانونية في الأراضي المحتلة، يتعين على إسرائيل أن تنسحب أخيراً من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبمثل هذه الخطوات، يمكن ضمان السلام بين إسرائيل والدول المجاورة. وعلى هذا الأساس فإن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك القوات العربية والغربية، سوف تقوم بدورها بتأمين الحدود الإسرائيلية الفلسطينية للفترة الانتقالية اللازمة.
ومن ناحية أخرى فإن كل تدفقات التمويل الدولية إلى المقاتلين المناهضين لإسرائيل سوف تتوقف نتيجة لجهود مشتركة ومنسقة من جانب الولايات المتحدة، وأوروبا، وجيران إسرائيل من الدول العربية والإسلامية.
إن الطريق الدبلوماسي مفتوح لأن الدول العربية والإسلامية (بما في ذلك إيران) أكدت مرة أخرى رغبتها القديمة في السلام مع إسرائيل كجزء من اتفاق السلام الذي ينشئ فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
إن السبب الحقيقي وراء الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة هو أن حكومة إسرائيل ترفض حل الدولتين، وتشير إلى المتطرفين على الجانب الآخر وليس إلى الدول العربية والإسلامية، التي تريد السلام على أساس حل الدولتين.
ويعتقد المتطرفون الإسرائيليون، بما في ذلك العديد من أعضاء الحكومة، أن الرب وعدهم بكل الأراضي من الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط. وهذا الاعتقاد سخيف. وكما يجب أن يوضح التاريخ اليهودي لليهود المتدينين، وكما يجب أن يوضحه تاريخ البشرية بشكل عام، فإنه لا توجد مجموعة، سواء كانت يهودية أو غير ذلك، لديها «حق» غير مشروط في أي أرض.
لكي يتم ضمان الحقوق واحترامها دوليا في يومنا هذا، يتعين على الحكومات أن تلتزم بسيادة القانون الدولي. وفي حالة إسرائيل وفلسطين، فإن القانون الدولي، كما عبر عنه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مراراً وتكراراً، ينص على أن الدولتين ذات السيادة، إسرائيل وفلسطين، لهما الحق والمسؤولية في العيش جنباً إلى جنب في سلام وفقاً لحدود عام 1967.
ولم تضل إسرائيل طريقها فحسب، بل ربما الولايات المتحدة الأمريكية ضلت أكثر منها. وكان السبب العميق واضحاً بالنسبة للسيناتور ويليام فولبرايت قبل ستين عاماً، عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وألف كتابه الرائع «غطرسة القوة».
وأشار فولبرايت إلى الغطرسة باعتبارها السبب العميق وراء حرب أمريكا المتهورة في فيتنام في الستينيات. وفي غطرستها المستمرة، تتجاهل الدولة العسكرية الأمنية الأمريكية مرارا وتكرارا إرادة المجتمع الدولي والقانون الدولي لأنها تعتقد أن الأسلحة والقوة تمكنها من القيام بذلك.
تعتمد السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير على العمليات السرية وغير القانونية لتغيير النظام وعلى الحرب الدائمة التي تلبي احتياجات المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
ولا ينبغي لنا أن نسخر من الأمم المتحدة، التي أصبحت تتعرض للعرقلة من قبل الولايات المتحدة، الدولة التي قادت إنشاءها في عهد أعظم رئيس أمريكي، فرانكلين ديلانو روزفلت.
إن منظمة الأمم المتحدة تؤدي وظيفتها، في بناء القانون الدولي، والتنمية المستدامة، وحقوق الإنسان العالمية، خطوة بخطوة، مع التقدم والانتكاسات والكبوات، على الرغم من معارضة الدول القوية، ولكن التاريخ يقف إلى جانبها.
إن القانون الدولي هو اختراع بشري جديد نسبياً، ولا يزال في مرحلة الإنشاء. ومن الصعب تحقيق ذلك في مواجهة القوة الإمبريالية المتعنتة، ولكن يتعين علينا أن نسعى إلى تحقيقه.
{ أكاديمي ومدير مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا الأمريكية. من مؤلفاته «سياسة خارجية جديدة: بعيدا عن الاستثناء الأمريكي» – «بناء الاقتصاد الأمريكي الجديد» و«عصر التنمية المستدامة».
كومونز
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك