بقلم: جيرار رينو
شدد أنصار «التفكير بالتمني» بشكل متكرر، وكذلك فعلت وسائل الإعلام الغربية السائدة مرارًا وتكرارًا على أنه لم يتم التوقيع على أي شيء مهم - لا عقد بيع الأسلحة ولا بيان دعم الحرب في أوكرانيا - خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني لنظيره الروسي في موسكو، في الفترة من 21 إلى 23 مارس 2023، وخلصوا إلى القول إن ذلك بمثابة إخفاق وفشل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن الغربيين لا يفهمون أن الرمزية في الجغرافيا السياسية لها الأسبقية دائمًا على الأمور المادية. فالرئيس الصيني شي جين بينغ ليس بالرجل الذي يهوى ممارسة لعبة السياحة الدبلوماسية دون أي طائل من ورائها.
عندما يذهب الزعيم الصيني إلى موسكو ويحتضن نظيره فلاديمير بوتين، الذي وجهت إليه للتو لوائح اتهام بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، فإنه يريد أن يوجه رسالة قوية ومضمونة الوصول إلى خصومه الغربيين.
لقد كانت تلك رسالة التحدي في الصميم، وتعبير عن رفضه أخلاقيات الغرب وعلوية القيم الغربية على بقية أبناء البشرية. جاء في تلك الزيارة المتحدية للغرب رسالة مفادها: «مبادئكم الديمقراطية والعدالة الدولية ذات الهندسة المتغيرة تعنيكم وحدكم».
يبدو أن ذلك هو المغزى الموجه إلى الغرب، من الزعيم الصيني من خلال زيارته التي قام بها مؤخرا إلى روسيا المجاورة.
لم يقدّر شي جين بينغ التهديدات المستترة والمبطنة التي أعربت عنها الولايات المتحدة الأمريكية أمريكا في حال أقدمت سلطات بيكين على تعزيز تحالفها مع روسيا. «أنا متحالف مع من أريد، كيف أريد ومتى أريد» - هذا هو رد بكين على واشنطن.
هذا الموقف منتشر في مختلف أنحاء العالم أكثر مما نعتقد، والتي تشمل خاصة معظم الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
إن هذا الوضع الدولي هو الذي يسمح للصين بتقديم نفسها على أنها داعية إلى عالم متعدد الأقطاب، في وقت يتهم فيه قادة الشباب المتحضر في البلدان التي كانت تسمى «العالم الثالث» بشكل متزايد العالم الغربي الديمقراطي بالنفاق وازدواجية المعايير.
يتهم قادة الشباب المتحضر في البلدان التي كانت تسمى «العالم الثالث» بشكل متزايد التعليم المسيحي الديمقراطي من الغرب بأنه نفاق.
يُعد جوليوس سيلو ماليما الجنوب أفريقي، المولود عام 1981 في بانتوستان، مثالاً جيدًا على هذا الموقف المندد بنفاق الغرب وازدواجية معاييره. فبعد أن شغل منصب رئيس رابطة شباب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، فقد انفصل عن الحزب الحاكم ليؤسس حركته المتنامية من أجل المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية.
وفي مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع في إفريقيا، فقد ندد بما يعتبره «ازدواجية المعايير» للمحكمة الدولية التي تتخذ من مدينة لاهاي بهولندا مقرا لها.
وجهت المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام إلى الرئيس الروسي، لكنها لم تحول أنظارها أو توجه أصابع الاتهام أبدا إلى الزعماء الغربيين الذين دمروا دولتين -العراق وليبيا- من خلال تدخلات عسكرية لم تأذن بها منظمة الأمم المتحدة.
رحب الرئيس الأمريكي بقرار المحكمة الجنائية الدولية توجيه الاتهام إلى فلاديمير بوتين، وقال: «نحن بحاجة إلى جمع المعلومات وإجراء محاكمة عن جرائم الحرب».
أما شباب بقية العالم فهم يعتبرون أن ما عبر عنه بايدن وبقية زعماء الغرب ينم عن نفاق كبير طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصدق أبدًا على نظام روما الأساسي، وبالتالي فهي ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية (مثل روسيا أو الصين في هذا الشأن).
إذا كانت جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الروسي في بوتشا بأوكرانيا قد ثبتت فماذا عن أولئك الذين ارتكبوا جرائم يندى لها الجبين في أبو غريب بالعراق، فالإنسانية لا تتجزأ.
ومع ذلك، لم ينزعج أي زعيم للتحالف الغربي الذي غزا العراق في عام 2003 بعد أو يبدي مخاوفه من أن تطاله أيدي العدالة الدولية. يشدد الغربيون على أن تدخلاتهم العسكرية ذات هدف وتتم في إطار مكافحة أطراف ومحاور (الديكتاتورية) ولتعزيز الخير (الديمقراطية).
قد تكون هذه الأفكار تلقى آذانا صاغية لدى الشباب الغربي، غير أنها تقابل بالرفض والنفور بين الشباب المسيس من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا. يجب أن تصحو الولايات المتحدة الأمريكية وقادتها على هذه الظاهرة المتنامية.
لهذا السبب بدأت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، في 26 مارس 2023، جولة في إفريقيا شملت غانا وتنزانيا وزامبيا، حيث إن سلطات واشنطن تعتبر أن القارة الإفريقية، التي يبلغ فيها متوسط العمر عشرين عامًا تمثل مستقبل البشرية.
يريد الأمريكيون من خلال تكثيف هذه الزيارات الرسمية مواجهة الاختراق الذي حققته الصين وروسيا - هاتان الدولتان الشموليتان العظيمتان اللتان تقتربان من بعضهما البعض منذ عشرين عامًا.
ومع ذلك، فإن الشباب المسيس في بقية العالم يهتمون بدرجة أقل بالنقاء المعلن لنوايا الغرب أكثر من اهتمامهم بالنتيجة النهائية لتدخلاته العسكرية التي تسبب في تدمير دولتين نفطيتين ذات سيادة في العالم الثالث، وهما العراق وليبيا.
وفي اليوم الذي تلوح فيه هدنة بين موسكو وكييف، سيطلب الغرب من الروس الاعتذار عن عدوانهم العسكري في 24 فبراير 2022.
ولكن إذا أراد الغرب أن يلقى الدعم في مواقفه وسياساته من بقية دول وشعوب العالم في هذه العملية، فإنه سيكون من الأفضل له أن ينظف باب منزله أولاً وبالاعتذار مسبقًا عن زعزعة الاستقرار بشكل خطير في منطقة الشرق الأوسط والساحل الإفريقي، والتي تسببت فيها حروبه في كل من العراق (2003) وليبيا (2011).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك