اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
اللجان القاتلة
هناك اعتقاد (عربي) يعتريه الكثير من الصحة يقول: «إذا أردت أن تقتل قضية ما فلتشكل لجنة لبحثها، وللبت فيها!».
هذا ما جسده بكل مهارة وإبداع وبأسلوب الكوميديا الساخر فيلم «أرض النفاق» للفنان القدير فؤاد المهندس، الذي قدم لنا قضية نقصان (شنكل) من أحد شبابيك مبنى جهة حكومية قد دفع مديرها الفنان حسن مصطفي إلي إرسال العديد من الشكاوى والخطابات المسجلة لإجبار المقاول على تركيبه، الأمر الذي استنزف الكثير من الأموال والإجراءات والأوقات، وتشكيل العديد من اللجان الفرعية والثانوية والمنبثقة بهدف تركيب هذا الشنكل.
للأسف هذا هو عهدنا بالكثير من اللجان التي يتم تشكيلها في عالمنا العربي (مع احترامي وتقديري لكافة اللجان الفاعلة بالفعل)، فهناك بالفعل لجان تشكل لإضاعة الوقت، وذر الرمل في العيون، وتسويف قضية ما سواء علي الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي وغيرها، للتحول في بعض الأحيان إلى عالة على المجتمع، الأمر الذي رسم في اذهاننا هذا السيناريو الذي يقول إذا أردت إفشال موضوع ما فشكل له لجنة.
مؤخرا تم إعلان تشكيل النواب حملة مكونة من 18 نائبا بغرض توجيه 18 سؤالا إلى مختلف وزارات المملكة، بهدف توظيف البحرينيين في الحكومة، واستيضاح سياسات التوظيف، والفرص المتاحة أمام العمالة الوطنية والمتدربين في الجهات الحكومية وأصحاب العقود المؤقتة، كما تم أيضا تصويت مجلس النواب على مقترح بتشكيل لجنة التحقيق البرلمانية حول تدني المستوى المعيشي للمواطن، حيث ترتكز محاور اللجنة على التحقق من أسباب هذا التدني بحسب التقارير الدولية، ومن تحقيق أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، ومن كلفة الخدمات الاسكانية والصحية والتعليمية الأساسية، ومن أداء الرقابة على أسعار السلع، بحيث تكون في المستوى المقبول للمواطن، إلى جانب التحقق من العلاوات والدعوم المقدمة من مختلف وزارات الدولة المدرجة في بند الدعم الاجتماعي، ومدى مناسبتها لتحقيق المستوى المعيشي المقبول للمواطن.
بعد تقديم كل الشكر والتقدير والاحترام لأهداف اللجنتين المشار إليهما سابقا، إلا أننا نرى أن المهمة الملقاة على عاتقهما كما هو موضح أعلاه بحاجة إلى سنوات من البحث والدراسة للتحقق من كل ما ورد في قائمة أهدافهما الطويلة والعريضة فيما يتعلق بقضية الفقر والأسعار والرقابة والتنمية المستدامة والخدمات والتقارير الدولية والعلاوات وغيرها من الأمور المتشعبة والمطاطية، فهل سينتظر المواطن كل هذا الوقت على هذا الوضع؟
ليس هدفنا مطلقا تثبيط الهمم، أو التقليل من شأن نوايا وأهداف ومقترحات النواب، ولكن كل ما نتمناه أن لا تتحول مثل تلك اللجان المشكلة لحل قضايا وطنية مصيرية إلى مجرد أداة تستنزف الوقت والجهد والمال دون إيجاد حلول فعلية سريعة يتلمسها المواطن خلال معيشته اليومية، بل نريد أن نرى ثمارها على أرض الواقع.
نعم، هناك قضايا وأزمات كثيرة استدعت تشكيل لجان أساسية وفرعية ومنبثقة وثانوية وهلم جرة، لكننا فوجئنا في النهاية بأن بعض الأمور بقيت على ما هي عليه بل أحيانا ازدادت تعقيدا، لتكرس بداخلنا القناعة بأن تشكيل اللجان في بعض الأحيان بمجتمعاتنا أصبح يمثل ظاهرة تستلزم في حد ذاتها تشكيل لجنة عليا على كافة المستويات لبحث ودراسة أسباب إدماننا لها على الرغم من فقداننا الثقة بها وبفاعليتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك