اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
البحريني أكثر أكلا
هناك مثل يقول: «خسارة الوزن أكبر دليل على أن بعض الخسائر ربح»!
لقد تذكرت هذه المقولة حين أُعلن مؤخرا أن المواطن الأمريكي يستهلك ما معدله 3868 سعرة حرارية في اليوم، في إشارة إلى أنه ثاني أعلى رقم في أي بلد في العالم، وأن استهلاك البحريني تفوق عليه، حيث يستهلك في المتوسط حوالي 4000 سعرة حرارية يوميا، أي في صدارة العالم في استهلاك السعرات الحرارية، وذلك بحسب معطيات منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة.
لذلك ليس بغريب أن تؤكد الإحصائيات أن هناك أربعة من كل عشرة بالغين في البحرين مصابون بالسمنة، التي يعاني منها اليوم حوالي مليار شخص في العالم مقارنة بـ175 مليونا في السبعينيات، الأمر الذي ضاعف من المشاكل الصحية المرتبطة بها كارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والإصابة بالزهايمر.
ويبقى السؤال الذي استوقفني بعد قراءة تلك الأرقام وهو:
إلى أي مدى تؤثر التكنولوجيا الحديثة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، على انتشار هذا الشره الغذائي المرضى اليوم في مجتمعنا؟
لا شك أن التكنولوجيا العصرية وكما يؤكد الخبراء والاختصاصيون أحدثت تحولا في عالم تناول الطعام، وأصبح التصوير الرقمي بالإنترنت هو الطريقة الأساسية التي نتحدث بها عن الطهي، كما أن التركيز على الأصناف التي تظهر بشكل أفضل في الصور (وقد تكون في الحقيقة بلا طعم) صار له مفعول السحر على المستهلكين، ناهيك عن أفكار الوصفات الجديدة التي تلاحقك من كل صوب حتى في برامج «التوك شو» التي يغلب عليها الطابع السياسي، إلى جانب التفنن في الترويج للمطاعم على المواقع الإلكترونية، ودور البلوجرز في ذلك، الذين يبيعون الوهم ويتكسبون من وراء فتح شهية الناس وملء بطونهم بما هو ضار قبل أن يكون نافعا.
لقد أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على عاداتنا الغذائية بصورة مرعبة، وهو ما أفادت به إحدى الدراسات الحديثة التي أكدت أن صور الطعام على مواقع التواصل تجعل المستخدم يقلد لا شعوريا ما يراه جذابا، فضلا عن قيامها بدور خطير في تشكيل مفاهيم التغذية وتغيير عاداتها، وفي فقد السيطرة على الشهية وإشعال النهم في الاستهلاك.
نعم، أي فرد منا اليوم بات محاصرا بمحتوى بصري جذاب وبشدة لمختلف أنواع الطعام، وبكم ضخم من وصفات الطبخ والاعلانات الترويجية الغذائية، الأمر الذي يرتبط مباشرة بزيادة الاستهلاك، ومن ثم الشراهة في تناول الطعام، التي تؤدي في النهاية إلى السمنة وأمراضها، ولعل الأدهى من ذلك هو تأكيد الدراسات بأن فئتي الأطفال والمراهقين هم الأكثر انجذابا وتأثرا بذلك، الأمر الذي يشجعهم على الشراء حتى الإدمان، وطلب مختلف الأطعمة بمجرد ضغطة زر لتصبح في متناول أيديهم خلال دقائق معدودات.
علينا أن نعترف بأن الكثير من الأطفال والشباب وقعوا ضحايا لسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي وأساليبها الترويجية، وباتوا يعيشون اليوم نمط حياة خاطئا، يغلب عليه الكسل والخمول والعادات الغذائية الضارة حتى درجة التخمة أحيانا، لذلك يجب التحرك السريع باتجاه إحداث نوع من التغيير في ذلك النمط يمنح قدرا من التحكم في أسلوب وحجم الاستهلاك لديهم، وينشر الوعي بخطورة الاستمرار على نهجهم الحالي المدمر للصحة، لأنه في النهاية إذا مرض البدن، فلن ينفع فيه الطعام والشراب كما قال الأصمعي.
وتبقى رسالتنا لكل من ينصاع وراء رغباته وشهواته الغذائية بصورة عمياء اعتقادا منه بأنه يحقق لنفسه نوعا من السعادة، هي مقولة سيدنا علي بن أبي طالب:
«إن السعادة لا يصنعها الطعام وحده.. فكثرة الطعام تميت القلب»!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك