العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

ارحم مَنْ دونك

التقيت‭ ‬مؤخرا‭ ‬بعامل‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬خياطة‭ ‬نسائية،‭ ‬ووجدته‭ ‬حزينا‭ ‬ومهموما‭ ‬ومتكدرا‭ ‬بشدة،‭ ‬فسألته‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬حالته‭ ‬هذه،‭ ‬فأجابني‭ ‬بأن‭ ‬صاحبة‭ ‬المحل‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬بالسفر‭ ‬لرؤية‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬إلا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬خلال‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬لديها،‭ ‬وأنه‭ ‬حين‭ ‬طلب‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬السماح‭ ‬له‭ ‬بعطلة‭ ‬لزيارة‭ ‬أبنائه‭ ‬الذين‭ ‬يفتقدهم‭ ‬كثيرا‭ ‬رفضت‭ ‬وبكل‭ ‬عنف،‭ ‬وقد‭ ‬تزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬سماعي‭ ‬شكوى‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الخادمات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬لدى‭ ‬عائلة‭ ‬أعرفها‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتسلم‭ ‬راتبها‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭ ‬طوال،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬التزامات‭ ‬مادية‭ ‬كبيرة‭ ‬تجاه‭ ‬أسرتها‭ ‬في‭ ‬وطنها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ترهيبها‭ ‬دوما‭ ‬وأحيانا‭ ‬التعرض‭ ‬لها‭ ‬بالضرب‭ ‬والإهانة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سيدة‭ ‬المنزل‭.‬

بالطبع‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬أو‭ ‬آلاف‭ ‬الحالات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التسلط‭ ‬والقسوة‭ ‬وعدم‭ ‬الرحمة‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬البعض‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬المسكينة،‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬أوطانها،‭ ‬وجاءت‭ ‬لمجرد‭ ‬تأمين‭ ‬قوت‭ ‬يومها‭ ‬ولعائلتها،‭ ‬وليس‭ ‬لتكوين‭ ‬ثروات‭ ‬وحسابات‭ ‬ضخمة‭ ‬لدى‭ ‬البنوك،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬أتحدث‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭. ‬

نعم‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬والسلبيات‭ ‬والتجاوزات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالعمالة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬ولكن‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬ارتضينا‭ ‬بها،‭ ‬وقررنا‭ ‬جلبهم‭ ‬إلى‭ ‬بلادنا‭ ‬للعمل‭ ‬بها،‭ ‬ولخدمتنا،‭ ‬ولمساعدتنا‭ ‬في‭ ‬إنجاح‭ ‬حياتنا‭ ‬العملية‭ ‬والأسرية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬وجب‭ ‬علينا‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬بإنسانية،‭ ‬وبنوع‭ ‬من‭ ‬الرحمة،‭ ‬وأحيانا‭ ‬من‭ ‬الشفقة،‭ ‬وخاصة‭ ‬أننا‭ ‬ندرك‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬ضروريا،‭ ‬وليس‭ ‬ترفا‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال‭. ‬

هل‭ ‬تريدون‭ ‬تقليصا‭ ‬للعمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬ووضع‭ ‬ضوابط‭ ‬لها؟

هل‭ ‬ترغبون‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬أوضاعهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬القانونية؟‭ ‬

هل‭ ‬تدرسون‭ ‬كيفية‭ ‬التصدي‭ ‬لسلبياتها؟

هل‭.. ‬وهل؟‭ ‬

افعلوا،‭ ‬ولكم‭ ‬كل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬اعترفوا‭ ‬بأنها‭ ‬تمثل‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬واقعنا،‭ ‬من‭ ‬حياتنا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لها‭ ‬حقوق‭ ‬علينا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نمنحهم‭ ‬إياها‭ ‬عن‭ ‬رضا‭ ‬وطيب‭ ‬خاطر‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬فأحيانا‭ ‬مجرد‭ ‬الابتسامة‭ ‬في‭ ‬وجوههم،‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬كلمة‭ ‬شكر‭ ‬وامتنان‭ ‬لخدماتهم‭ ‬يكون‭ ‬أغلى‭ ‬عندهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نقود‭.‬

يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬البريطاني‭ ‬تيري‭ ‬هايز‭:‬

‮«‬الرحمة‭ ‬هي‭ ‬أنقى‭ ‬أشكال‭ ‬الحب‭.. ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تتوقع‭ ‬ولا‭ ‬تتطلب‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬المقابل‮»‬‭!‬

نعم‭ ‬هؤلاء‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الرحمة‭ ‬أولا،‭ ‬فهي‭ ‬تغني‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وتعينهم‭ ‬على‭ ‬الغربة‭ ‬ومعاناتها،‭ ‬وعلى‭ ‬الحاجة‭ ‬ومذلتها،‭ ‬فالرحمة‭ ‬هي‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬وتذكروا‭ ‬دوما‭ ‬وأنتم‭ ‬تتعاملون‭ ‬معهم‭ ‬مقولة‭:‬

‮«‬ارحم‭ ‬من‭ ‬دونك‭.. ‬يرحمك‭ ‬من‭ ‬فوقك‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا