اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
ارحم مَنْ دونك
التقيت مؤخرا بعامل في محل خياطة نسائية، ووجدته حزينا ومهموما ومتكدرا بشدة، فسألته عن سبب حالته هذه، فأجابني بأن صاحبة المحل لم تسمح له بالسفر لرؤية عائلته في وطنه إلا مرة واحدة خلال ثماني سنوات من العمل لديها، وأنه حين طلب منها هذه الأيام السماح له بعطلة لزيارة أبنائه الذين يفتقدهم كثيرا رفضت وبكل عنف، وقد تزامن ذلك مع سماعي شكوى من إحدى الخادمات التي تعمل لدى عائلة أعرفها جيدا من أنها لم تتسلم راتبها منذ شهور طوال، رغم ما عليها من التزامات مادية كبيرة تجاه أسرتها في وطنها، فضلا عن ترهيبها دوما وأحيانا التعرض لها بالضرب والإهانة من قبل سيدة المنزل.
بالطبع هناك مئات أو آلاف الحالات الأخرى التي تجسد نوعا من التسلط والقسوة وعدم الرحمة في تعامل البعض مع هذه العمالة المسكينة، التي تركت أوطانها، وجاءت لمجرد تأمين قوت يومها ولعائلتها، وليس لتكوين ثروات وحسابات ضخمة لدى البنوك، وهؤلاء هم الذين أتحدث عنهم في هذه السطور.
نعم هناك الكثير من المشاكل والسلبيات والتجاوزات المتعلقة بالعمالة الأجنبية، ولكن نحن من ارتضينا بها، وقررنا جلبهم إلى بلادنا للعمل بها، ولخدمتنا، ولمساعدتنا في إنجاح حياتنا العملية والأسرية، ومن ثم وجب علينا التعامل معهم بإنسانية، وبنوع من الرحمة، وأحيانا من الشفقة، وخاصة أننا ندرك جيدا أن وجودهم في حياتنا ضروريا، وليس ترفا في أغلب الأحوال.
هل تريدون تقليصا للعمالة الأجنبية ووضع ضوابط لها؟
هل ترغبون في تصحيح أوضاعهم ومواقفهم القانونية؟
هل تدرسون كيفية التصدي لسلبياتها؟
هل.. وهل؟
افعلوا، ولكم كل الحق في ذلك، ولكن في الوقت ذاته اعترفوا بأنها تمثل جزءا من واقعنا، من حياتنا، ومن ثم لها حقوق علينا يجب أن نمنحهم إياها عن رضا وطيب خاطر وليس على مضض، فأحيانا مجرد الابتسامة في وجوههم، أو توجيه كلمة شكر وامتنان لخدماتهم يكون أغلى عندهم من أي نقود.
يقول الكاتب البريطاني تيري هايز:
«الرحمة هي أنقى أشكال الحب.. لأنها لا تتوقع ولا تتطلب شيئا في المقابل»!
نعم هؤلاء بحاجة إلى الرحمة أولا، فهي تغني أنفسهم، وتعينهم على الغربة ومعاناتها، وعلى الحاجة ومذلتها، فالرحمة هي الشيء الوحيد الذي يجمع بين البشر، وتذكروا دوما وأنتم تتعاملون معهم مقولة:
«ارحم من دونك.. يرحمك من فوقك!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك