العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

أي مستقبل لمنظمة الأمم المتحدة في ظل الأزمات الدولية؟

الخميس ٠٩ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬آن‭ ‬سيسل‭ ‬روبنت

 

باتت‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تواجه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬والمركبة‭ ‬منذ‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬مشكلة‭ ‬اللاجئين‭ ‬والأمن‭ ‬والغذاء‭ ‬والرعاية‭ ‬الطبية‭ ‬والأزمات‭ ‬الصحية‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مختلف‭ ‬أجهزتها‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬التداعيات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬للتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬المجاورة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقدت‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭ ‬الأساسية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭.‬

لقد‭ ‬استغرق‭ ‬الأمر‭ ‬أربعة‭ ‬وخمسين‭ ‬يومًا‭ ‬لأمينها‭ ‬العام‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريش‭ ‬لإطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭. ‬بعد‭ ‬إخفاقها‭ ‬الذريع‭ ‬مع‭ ‬أمينها‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬هل‭ ‬تكون‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬انتكاسة‭ ‬أخرى؟

في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬21‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أدان،‭ ‬مثل‭ ‬معظم‭ ‬نظرائه،‭ ‬‮«‬انتهاك‭ ‬السلامة‭ ‬الإقليمية‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬وسيادتها‮»‬،‭ ‬توسع‭ ‬السفير‭ ‬الكيني‭ ‬مارتن‭ ‬كيماني‭ ‬في‭ ‬ملاحظاته‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬إدانته‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬للاتجاه‭ ‬الملحوظ‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬القوية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬العضوية‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬والتي‭ ‬تنتهك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭.  ‬

أطلق‭ ‬هذا‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬تحذيرا‭ ‬مصحوبًا‭ ‬بنداء‭ ‬رسمي‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬تعددية‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الموت‭. ‬وهي‭ ‬تتعرض‭ ‬اليوم‭ ‬للهجوم‭ ‬كما‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬دول‭ ‬قوية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬القريب‭. ‬ندعو‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬إلى‭ ‬الوقوف‭ ‬خلف‭ ‬الأمين‭ ‬العام،‭ ‬الذي‭ ‬نطالبه‭ ‬بتنظيم‭ ‬التعبئة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬التعددية‮»‬‭.‬

نادرًا،‭ ‬وبكلمات‭ ‬قليلة،‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬وصف‭ ‬عمق‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تتفاقم‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬الآن‭ ‬تهديدًا‭ ‬وجوديًا‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

وكما‭ ‬تذكرنا‭ ‬كينيا‭ ‬بلغة‭ ‬مصقولة‭ ‬مليئة‭ ‬بتلميحات‭ ‬الدبلوماسيين،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬الهجوم‭ ‬بلا‭ ‬خجل‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ - ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬حظر‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إحدى‭ ‬القوى‭ ‬الخمسة‭ ‬ذات‭ ‬العضوية‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ - ‬أي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭.‬

كان‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬التحالف‭ ‬بقيادة‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأمثلة‭ ‬الحديثة‭ ‬الصارخة‭ ‬على‭ ‬انتهاك‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬والدوس‭ ‬عليها‭. ‬عقد‭ ‬مؤخرا‭ ‬اجتماع‭ ‬طارئ‭ ‬للدائرة‭ ‬العليا‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬آثار‭ ‬القصف‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬للمنشآت‭ ‬الكيميائية‭ ‬السورية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬13‭ ‬أبريل‭ ‬2018‭.‬

في‭ ‬خضم‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬قال‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريش‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬‮«‬أنه‭ ‬من‭ ‬واجبي‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬التزاما،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬مسائل‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬للعمل‭ ‬امتثالا‭ ‬للميثاق‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‮»‬‭.‬

‮«‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننوه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬الميثاق‭ ‬الذي‭ ‬تأسست‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬واضح‭ ‬جدا‭ ‬بشأن‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭. ‬يتحمل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأساسية‭ ‬عن‭ ‬صون‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭. ‬وأدعو‭ ‬أعضاءها‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬وممارسة‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‮»‬‭. ‬

في‭ ‬ربيع‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬عقب‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وجدت‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬والحيرة‭.‬

تتزايد‭ ‬الصراعات‭ ‬المجمدة‭ ‬والانقسامات‭ ‬الصاخبة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭,‬‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرارات‭ ‬إنسانية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬دون‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬تسوية‭ ‬سلمية‭.‬

حذر‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فرانسوا‭ ‬ديلاتر،‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬2018‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬الوخيمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬على‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومختلف‭ ‬أجهزتها‭ ‬حيث‭ ‬قال‭:  ‬‮«‬دعونا‭ ‬نكون‭ ‬حذرين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المأساة‭ ‬السورية‭ ‬ليست‭ ‬أيضًا‭ ‬الضريح‭  ‬الذي‭ ‬ستقبر‭ ‬فيه‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‮»‬‭.‬

من‭ ‬أعراض‭ ‬هذا‭ ‬الشلل‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬العمل‭ ‬الدولي،‭ ‬أن‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ - ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬أن‭ ‬تبت‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬مطروحة‭ ‬على‭ ‬أنظار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ - ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬الواجهة‭ ‬بشكل‭ ‬استثنائي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وسوريا،‭ ‬بموجب‭ ‬قرار‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬المعتمد‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬نوفمبر‭   ‬1950‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬مأزق‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الخمسة‭ ‬ذات‭ ‬العضوية‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬بصياغة‭ ‬رأي‭ ‬سياسي‭ ‬حول‭ ‬أزمة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قادرة،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬فقط،‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬قسرية‭ ‬ملزمة‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬الرمزية،‭ ‬فإن‭ ‬الإدانتين‭ ‬اللتين‭ ‬وجهتا‭ ‬لروسيا‭ ‬بموجب‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الخاص،‭ ‬والتي‭ ‬صوتت‭ ‬عليها‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬و‭ ‬24‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجعلنا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬انتظر‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬أبريل‭ ‬2022‭ ‬لإطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬دبلوماسية‭. ‬ركز‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ - ‬الذي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تقديمه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬داعية‭ ‬السلام‮»‬‭ - ‬لعدة‭ ‬أسابيع‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬للأزمة‭.‬

يقول‭ ‬ديدييه‭ ‬بيليون،‭ ‬المدير‭ ‬المساعد‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬بالسرعة‭ ‬المطلوبة‭ ‬وليست‭ ‬متحركة،‭ ‬لكن‭ ‬سلبية‭ ‬الدور‭ ‬السياسي‭ ‬لأمينها‭ ‬العام‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬إرباك‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬نهج‭ ‬ملموس‭ ‬للأطراف‭ ‬الرئيسية‭ ‬ولم‭ ‬يطرح‭ ‬أي‭ ‬اقتراح‭ ‬مهم‭ ‬صاغته‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬لتجسيد‭ ‬التعددية‭ ‬وضمان‭ ‬تنظيم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‮»‬‭.‬

في‭ ‬عمود‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬أبريل‭  ‬حث‭ ‬مائتان‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬السابقين‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريس‭ ‬على‭ ‬تكثيف‭ ‬‮«‬مساعيه‭ ‬الحميدة‮»‬‭ ‬واقتراح‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭ ‬لاستعادة‭ ‬السلام‮»‬‭.  ‬

بعد‭ ‬أربعة‭ ‬وخمسين‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب،‭ ‬طلب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬مقابلة‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬ونظيره‭ ‬الأوكراني‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي‭. ‬وبالفعل‭ ‬فقد‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬وكييف‭ ‬بعد‭ ‬أنقرة،‭ ‬حيث‭ ‬تبادل‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بعض‭ ‬الآراء‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقدمه؟

لسنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬استدعاء‭ ‬المكانة‭ ‬الرمزية‭ ‬للأمين‭ ‬العام‭ ‬الأسبق‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬السويدي‭ ‬داغ‭ ‬همرشولد،‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬تحطم‭ ‬طائرة‭ ‬في‭ ‬الكونغو‭ ‬عام‭ ‬1961‭ ‬أثناء‭ ‬محاولته‭ ‬منع‭ ‬انفصال‭ ‬كاتانغا،‭ ‬أو‭ ‬الإيحاء‭ ‬بوضوح‭ ‬بأن‭ ‬السيد‭ ‬غوتيريش‭ ‬يخوض‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المخاطر،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أسلافه‭ ‬قد‭ ‬سارعوا‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬المبادرات‭ ‬وتكثيف‭ ‬الجهود‭ ‬دون‭ ‬احتساب‭ ‬قطرات‭ ‬العرق‭  ‬لمنع‭ ‬تفاقم‭ ‬التوترات‭ ‬واحتدام‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭. ‬

كان‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الأسبق‭ ‬المصري‭ ‬بطرس‭ ‬بطرس‭ ‬غالي‭  ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قد‭ ‬فتح‭ ‬تحقيقًا‭ ‬في‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬قانا‭ ‬بلبنان،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬آنذاك‭ ‬غضب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬غضب‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996‭.‬

أما‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬الغاني‭ ‬كوفي‭ ‬أنان‭ ‬فقد‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1998‭ ‬ليحصل‭ ‬من‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬للبدء‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تفتيش‭ ‬المواقع‭ ‬العسكرية،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬لندن‭ ‬وواشنطن‭ ‬تهددان‭ ‬العراق‭ ‬بالضربات‭ ‬العسكرية‭.‬

ارتفعت‭ ‬أصوات‭ ‬عديد‭ ‬الشخصيات‭ ‬الدولية‭ ‬المعروفة‭ - ‬مثل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬السويسري‭ ‬جان‭ ‬زيجلر‭- ‬للمطالبة‭ ‬بإلغاء‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬امتياز‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬الدول‭ ‬الخمس‭ ‬ذات‭ ‬العضوية‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭. ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬فكرة‭ ‬الفيتو‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬ظاهرها،‭ ‬وهي‭ ‬تتجاهل‭ ‬التاريخ‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬إنشاء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1945‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ - ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬وأعمالها‭ ‬الوحشية‭ - ‬فهو‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ثمرة‭ ‬توافق‭ ‬سياسي‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الدول‭ ‬الصغيرة‭.‬

اتفقت‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم،‭ ‬على‭ ‬منح‭ ‬المنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬الجديدة‭ ‬قوى‭ ‬قسرية‭ ‬حقيقية،‭ ‬كما‭ ‬حصلت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الخمس‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬امتياز‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬قرار‭. ‬بدون‭ ‬حق‭ ‬النقض،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬إلغاء‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭) ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬إضعاف‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬ستبتعد‭ ‬عنها‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تحتكر‭ ‬حق‭ ‬الفيتو،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬المتوسطة،‭ ‬بينما‭ ‬سينقسم‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬بارونات‭ ‬ومناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬متنافسة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬إدارة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

لقد‭ ‬طرحت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬الإصلاح،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬المبادرات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬صفة‭ ‬العضو‭ ‬الدائم‭ ‬ليشمل‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬التوازن‭ ‬جغرافيًا‭ ‬للنادي‭ ‬المغلق‭ ‬للغاية‭ ‬لأصحاب‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬اقتراح‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬ومجموعة‭ ‬الأربعة‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ألمانيا‭ ‬واليابان‭ ‬والبرازيل‭ ‬والهند‭. ‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬إجماع‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬تم‭ ‬رفض‭ ‬مقترحات‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الأسبق‭  ‬كوفي‭ ‬عنان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمثيل‭ ‬أفضل‭ ‬للمجلس‭ ‬وإعادة‭ ‬موازنة‭ ‬السلطات‭ ‬لصالح‭ ‬الأعضاء‭ ‬المؤقتين‭ - ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأطراف‭ ‬الخمسة،‭ ‬التي‭ ‬يحميها‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مراجعة‭ ‬لميثاق‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭.‬

لاشك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬الإجرائي‭ ‬المتفاقم‭ ‬بصدد‭ ‬التسبب‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬أعمق‭ ‬مشكلة‭ ‬تواجهها‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أي‭ ‬إشكالية‭ ‬ندرة‭ ‬الحوار‭ ‬السياسي‭ ‬الدولي،‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الخمسة‭ ‬ذات‭ ‬العضوية‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬المتحدة‭. ‬

فبالنسبة‭ ‬للملف‭ ‬السوري‭ ‬فقد‭ ‬سارعت‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬بهدوء‭ ‬ضد‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬قرارًا‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬تحقيقات‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬أسلحة‭ ‬كيماوية‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬من‭ ‬قريب،‭ ‬فإننا‭ ‬سنجد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مقترحات‭ ‬مضادة‭ ‬يعرقلها‭ ‬الغربيون‭ ‬بدورهم‭. ‬في‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬ديسمبر‭ ‬2019،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬منعت‭ ‬روسيا‭ ‬نصًا‭ ‬للمجلس‭ (‬بدعم‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬عضوًا‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭) ‬يقترح‭ ‬تجديد‭ ‬الإذن‭ ‬بإيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬لمدة‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬عبر‭ ‬محطتي‭ ‬عبور‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التركية‭ ‬والعراقية‭.‬

وبدعم‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬أعربت‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬اعتقادها‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬كان‭ ‬سيصادق‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬خاطئة‭ ‬غير‭ ‬محايدة‭ ‬ضد‭ ‬دمشق‭ ‬وتخدم‭ ‬مصلحة‭ ‬القوى‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬لكن‭ ‬موسكو‭ ‬قدمت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬نصًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بها،‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬دخول‭ ‬أخرى،‭ ‬والتي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬أصوات‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬تسعة‭ ‬ضرورية‭.‬

منذ‭ ‬تكريس‭ ‬مبدأ‭ ‬المساعدة‭ ‬الإنسانية‭ ‬رسميا،‭ ‬كان‭ ‬الخلاف‭ ‬هنا‭ ‬سياسيًا‭ ‬بوضوح،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭. ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬لسخرية‭ ‬موسكو‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الغربيين‭ ‬ينتصرون‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭  ‬‮«‬روح‭ ‬العدالة‮»‬‭ ‬لكنهم‭ ‬يغلفون‭ ‬أهدافهم‭ ‬السياسية‭ ‬بهذا‭ ‬الجلباب‭ ‬الأخلاقي‭. ‬

في‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬تعهدت‭ ‬إحدى‭ ‬وخمسون‭ ‬دولة‭ ‬مؤسِّسة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بجعلها‭ ‬‮«‬المركز‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬تنسيق‭ ‬جهود‭ ‬الدول‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬الغايات‭ ‬المشتركة‮»‬‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ (‬المادة‭ ‬1،‭ ‬الفقرة‭ ‬4‭) ‬،‭ ‬أي‭ ‬السلام‭. ‬والتعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬الثقافي‭ ‬أو‭ ‬العلمي‭. ‬وعامًا‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬نظمت‭ ‬المنظمة‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬إنهاء‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وأشرفت‭ ‬على‭ ‬تسوية‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭ ‬والأزمات‭ ‬واحتواء‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬ترتبت‭ ‬عليها‭.‬

تتولى‭ ‬قوات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬أو‭ ‬‮«‬القبعات‭ ‬الزرقاء‮»‬،‭ ‬التابعة‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬حماية‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬المساعدات‭ (‬الغذاء‭ ‬والصحة‭ ‬واللاجئين‭) ‬التي‭ ‬تقدمها‭ - ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬جمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ - ‬تضمن‭ ‬بقاء‭ ‬ملايين‭ ‬الآخرين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

لقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬المؤرخة‭ ‬ساندرين‭ ‬كوت‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬قد‭ ‬أنشأ‭ ‬جسورًا‭ ‬سرية‭ ‬بين‭ ‬الكتلتين‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬مقاربات‭ ‬بناءة‭ ‬ومهدئة‭ ‬للأفكار،‭ ‬لدرجة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الستار‭ ‬الحديدي‮»‬‭ ‬يمكن‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ستار‭ ‬نايلون‮»‬‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬تفضل‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬هياكل‭ ‬مخصصة،‭ ‬مثل‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين،‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬السبع،‭ ‬أو‭ ‬منتدى‭ ‬باريس‭ ‬للسلام‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إطلاقه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬لتسوية‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تهمهم‭.‬

تقول‭ ‬المؤرخة‭ ‬ساندرين‭ ‬كوت‭: ‬‮«‬إن‭ ‬أممية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬يتم‭ ‬استبدالها‭ ‬تدريجياً‭ ‬بمنطق‭ ‬العولمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تأجيج‭ ‬المنافسة‭ ‬العامة‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬والدول‮»‬‭.‬

يتميز‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬النيوليبرالي‭ ‬بتحولات‭ ‬نموذجية‭ ‬كبيرة‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظتها‭ ‬في‭ ‬المساحات‭ ‬الدولية‭. ‬هل‭ ‬ستتحول‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬وكالة‭ ‬إنسانية‭ ‬عظمى،‭ ‬تاركة‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬لتقلبات‭ ‬لعبة‭ ‬القوة؟

يقول‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأسبق‭ ‬لدى‭ ‬واشنطن‭ ‬جيرارد‭ ‬آرو‭  ‬أن‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬ترسي‭ ‬وتؤسس‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬ولكن‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة،‭ ‬فإن‭ ‬قوة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬عدة‭ ‬قوى‭ ‬عالمية‭ ‬مهيمنة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬ترسم‭ ‬‮«‬قواعد‭ ‬السلوك‮»‬‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭. ‬

أما‭ ‬اليوم‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬ولكن‭ ‬بدون‭ ‬قواعد‭ ‬أو‭ ‬لغة‭ ‬مشتركة‭. ‬فمع‭ ‬تفاقم‭ ‬النزاعات‭ ‬غابت‭ ‬اللغة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬دائما‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التقارب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤذن‭ ‬باقتراب‭ ‬لحظة‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭.‬

لقد‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬يقترح‭  ‬تعليق‭ ‬عضوية‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬عضوية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬رغم‭ ‬علمه‭ ‬بمدى‭ ‬صعوبة‭ ‬وخطورة‭ ‬ذلك‭. ‬فهذا‭ ‬الأمر‭ ‬سيتطلب‭ ‬توصية‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ - ‬مستحيلة‭ ‬بسبب‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ - ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬الميثاق،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬تخضع‭ ‬بالضرورة‭ ‬أيضا‭  ‬للتصويت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬لموافقة‭ ‬الأطراف‭ ‬الخمسة‭.‬

لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬أزمة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬الآن‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬وأنها‭ ‬أزمة‭ ‬دولية‭ ‬عامة‭ ‬ترخي‭ ‬بتداعياتها‭ ‬الوخيمة‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬المتوسطة‭ ‬والصغيرة‭. ‬على‭ ‬عكس‭ ‬نوبات‭ ‬الحمى‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬بأسره‭ ‬قد‭ ‬بات‭ ‬متيقظا‭ ‬وخاليا‭ ‬من‭ ‬الوصاية‭ ‬التاريخية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الآن‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬دون‭ ‬اتباع‭ ‬التحالفات‭ ‬أو‭ ‬العلاقات‭ ‬التقليدية‭ ‬بالضرورة‭.‬

‭ ‬حظي‭ ‬القراران‭ ‬اللذان‭ ‬يدينان‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بموافقة‭ (‬141‭ ‬صوتًا‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬مارس،‭ ‬و‭ ‬140‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬مارس،‭ ‬فيما‭ ‬امتنعت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ (‬35‭ ‬و‭ ‬38‭) ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ (‬11‭ ‬ثم‭ ‬9‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬أغلبية‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬أفريقيا‭ ‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المستعمرات‭ ‬الفرنسية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الفرنسية‭. ‬

‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أبريل‭ ‬2022،‭ ‬علقت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬عضوية‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬بموافقة‭ ‬93‭ ‬دولة‭ ‬ومعارضة‭ ‬24‭ ‬دولة‭ ‬فيما‭ ‬امتنعت‭ ‬58‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭. ‬

‭ ‬يعتبر‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬اللبناني‭ ‬غسان‭ ‬سلامة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وحدة‭ ‬الغرب‭ ‬التي‭ ‬أعيد‭ ‬اكتشافها‭ ‬تسير‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬عزلة‭ ‬الغرب‭ ‬النسبية‮»‬‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬يوجد‭ ‬مزيج‭ ‬مذهل‭ ‬من‭ ‬الإحجام،‭ ‬وعدم‭ ‬التوافق،‭ ‬وسوء‭ ‬الفهم،‭ ‬واللامبالاة‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬بل‭ ‬والشماتة‭ ‬المبطنة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وأحيانا‭ ‬العداء‭ ‬الصريح‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭.‬

مع‭ ‬عودة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى،‭ ‬لم‭ ‬يبدو‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬أبدًا‭ ‬هشًا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬منذ‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬السوفييتية‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1962‭.‬

كتب‭ ‬الصحفي‭ ‬السنغالي‭ ‬جورجوي‭ ‬واد‭ ‬ندويي‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬أفريقيا‭ ‬أن‭ ‬تتبع‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬السابقة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستمع‭ ‬أبدًا‭ ‬للقارة‭ ‬عندما‭ ‬ظلت‭ ‬تطالب‭ ‬ببذل‭ ‬الجهود‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬عام‭ ‬2011؟‮»‬‭.‬

على‭ ‬غرار‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬والمفكرين‭ ‬والمحللين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬يشدد‭ ‬هذا‭ ‬الصحفي‭ ‬على‭ ‬‮«‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬لإصلاح‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬واستعادة‭ ‬مصداقيتها،‭ ‬ومنحها‭ ‬الوسائل‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭ ‬وحماية‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‮»‬‭.‬

 

لوموند‭ ‬دبلوماتيك

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا