اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
الانسحاب الرابح
لست من الغارقين بشدة فيما يسمى بنظرية المؤامرة، وإن كنت أؤمن بها بقدر ما، ولكني في خضم ما نعيشه اليوم من أحداث غزة الأليمة المدمية للقلوب، توقفت مؤخرا عند مقولة عن (آفة التدخين) للشيخ العلامة إبراهيم اللقاني، والتي تؤكد أن من زين شرب الدخان للمسلمين بعد الشيطان الرجيم هو رجل من اليهود، وذلك بحسب ما جاء في حاشية ابن حمدون على شرح ميارة ما نصه:
«قال اللقاني رحمه الله، لا أعلم من تكلم على الدخان من أطباء الإسلام، ولا غيرهم ممن يعول عليه، وإنما أحدث القول فيه يهودي بالمغرب الأقصى وأبرز فيه نظاما زاد السفهاء فيه ونقصوا ولعبوا به، فصفقوا ورقصوا»!
اليوم، ومع النجاح الباهر وبامتياز لهذا المشروع الدخاني اليهودي القاتل، تقدر منظمة الصحة العالمية ومركز أطلس للتبغ عدد المدخنين بأكثر من مليار شخص حول العالم يستهلكون خمسة آلاف مليار سيجارة، ناهيك عن استفحال هذه الظاهرة وتوحشها في صور أخرى مختلفة كالشيشة والسيجارة الإلكترونية وغيرها من الابتكارات التي تشبع جشع تجار وصناع هذه السموم المتصاعد يوما بعد يوم.
يحضرني هنا ما ذكره الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر حين قال بعد استجابته لنصيحة صديق له بالإقلاع عن التدخين:
«بإمكان المفكر التخلص من السيجارة، من دون أن يؤثر ذلك في إنتاجه، وقد كانت المعركة مع الامتناع عن التدخين شاقة، ولكني لم أهتم بطعم التبغ الذي افتقدته بقدر اهتمامي بمعنى فعل التدخين الذي وجدته شيئا تافها ضئيلا»!
تلك هي الرسالة لكل من يتمسك بهذه العادة الفتاكة، وارتبط بها عاطفيا، وتوهم بأنه لا يمكن التخلي عنها أو الفرار منها، وإلى من ينظر إليها أحيانا على أنها الإصبع السادس الذي يحترق من أجل صاحبها، وكذلك إلى كل شاب اتخذ منها رمزا للرجولة، وإلى أي فتاة اعتبرتها مصدرا للمباهاة أو للمساواة كما هو حادث اليوم.
إن إيذاء الذات غير الانتحاري يعد أحد أكثر أوبئة الصحة العقلية والنفسية إثارة للصدمة في عصرنا الحالي، ولعل التدخين سواء كان مشروعا يهوديا أو صهيونيا أو حتى شيطانيا هو أكثر تلك الأوبئة شيوعا وتجسيدا لتدمير النفس البشرية، خاصة وأن آثاره الخطيرة لا تقتصر على المدخن بل تطال الآخرين وتصيبهم في مقتل.
لا شك أن قرار الإقلاع عن التدخين ليس بالأمر اليسير لما يتطلبه من توفر الكثير من المهارات والتضحيات لدى الراغب في اتخاذه، ولكنه في نفس الوقت ليس مستحيلا، خاصة إذا علمنا بأن حوالي 70% من المدخنين يرغبون بالتوقف عن ممارسة هذه العادة اللعينة وذلك بحسب الأبحاث والدراسات، وأنهم يبحثون عن الطرق والوسائل المساعدة.
من هنا تأتي أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه جميع الأطراف ذات الاختصاص، وعلى رأسها اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين والتبغ بأنواعه ومنتجاته التي أنشئت في عام 2009 بمرسوم ملكي بمملكة البحرين، وذلك لتحقيق ما يسمى بمصطلح «المدن الصحية» الذي طالبت به «المنظمة الصحية العالمية للمدن والقرى الصحية» في إطار مبادرة أطلقتها عام 1986، والتي تمثل مفتاحا لمستقبل صحي للعالم أجمع.
إن الطريق لهذا المستقبل الصحي الآمن يستلزم توفر القناعة لدى أصحاب القرار بأن الأمن الصحي هو الضمان لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في أي مجتمع، إلي جانب عدم الاكتفاء بجهود وفعاليات يوم واحد سنويا للاحتفال بالامتناع عن التدخين والذي حددته منظمة الصحة العالمية بتاريخ 31 مايو من كل عام، وإنما يتطلب الأمر مضاعفة خطط وبرامج وأنشطة تعزيز الوعي المجتمعي بالآثار الضارة لتعاطي التبغ، ومواصلة الشراكات المجتمعية لدعم السياسات والإجراءات الفعالة والكفيلة بمكافحة التدخين والحد من استهلاكه، لما يشكله من مضار على الصحة العامة للأفراد وعلى زيادة فرص الإصابة بالأمراض المزمنة ومضاعفاتها، وهذا ما فعلته دولة السويد التي تعد الأقل تدخينا في العالم، واليوم هي في طريقها لأن تصبح خالية من وباء التدخين .
يقول المثل:
«إن المنسحبين لا يربحون أبدا.. ولكن في حالة التبغ.. فإن المنسحبين أو المقلعين عن التدخين هم الرابحون الحقيقيون»!
نعم، فحين يقلع أحدهم عن التدخين، يكون قد سطر لنفسه وبأصابعه التي أحرقتها تلك اللفافات الورقية شهادة ميلاد جديدة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك