على مر السنين، وخاصة خلال الحروب المتتالية التي نشبت في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982، كذب الإسرائيليون بشأن حملاتهم العسكرية، وحاولوا خداع الإدارات الأمريكية بشأن أفعالهم.
في عام 1954، قصف عملاء المخابرات الإسرائيلية مكتبة وكالة المعلومات الأمريكية التي توجد في مصر، بعد ذلك حاولوا جعل الأمر يبدو وكأنه عمل من أعمال العنف المصرية. كان الإسرائيليون يحاولون تعريض العلاقات الأمريكية المصرية للخطر، وخاصة جهود إدارة أيزنهاور لتمويل سد أسوان.
وفي فترة الثمانينيات من القرن العشرين الماضي، نفى الإسرائيليون أن يكون جوناثان بولارد يتجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية؛ واستمروا في القيام بذلك طوال فترة سجن بولارد البالغة ثلاثين عامًا.
ومع ذلك، فقد رحب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصيا ببولارد في إسرائيل بعد إطلاق سراحه من السجن عام 2020 بتحية «أنت في بيتك».
بدأت الازدواجية الإسرائيلية فيما يتصل بقضايا الأمن القومي الرئيسية فيما يسمى حرب الاستقلال قبل 75 عاماً، عندما كذبت بشأن النكبة التي تضمنت التهجير القسري لنحو 700 ألف فلسطيني من قراهم.
زعمت إسرائيل أن الفلسطينيين اتخذوا قرارهم بالمغادرة، بينما في الواقع كانت هناك خطة إسرائيلية (خطة دالت) تنص على التطهير العرقي للأراضي الإسرائيلية. وقد تم تطوير الخطة في عام 1948 من قبل القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة، بمن في ذلك أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون.
وتضمنت الأوامر العسكرية العملياتية التي حددت المراكز السكانية الفلسطينية التي ينبغي استهدافها، وفصلت مخططًا لإزالتها بالقوة وتدميرها. ونادرا ما يتم الاستشهاد بالخطة، على الرغم من أن المؤرخين الإسرائيليين هم الذين استخدموا الوثائق الأرشيفية لتتبع سياسة التهجير الرسمية.
وكان الخداع الإسرائيلي حاضرا في كل حروبها اللاحقة. ولم ينشر الإسرائيليون قط وثائق حساسة تثبت تعاملاتهم السرية مع بريطانيا وفرنسا لاستعادة السيطرة على قناة السويس والإطاحة بالرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1956.
دعت الخطة السرية إلى غزو إسرائيلي لغزة وشبه جزيرة سيناء المصرية من أجل تبرير الغزو البريطاني والفرنسي على طول قناة السويس.
أدى الضغط السياسي من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي إلى انسحاب القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية. وقد عززت هذه الحادثة موقف ومكانة جمال عبدالناصر. في مقابل إذلال بريطانيا وفرنسا؛ وأنهى دور بريطانيا كقوة عالمية؛ واقتنعت الدول العربية بأن إسرائيل جزء من الاستعمار الأوروبي في الشرق الأوسط.
وفي عام 1967، كذب المسؤولون الإسرائيليون على أعلى المستويات على البيت الأبيض بشأن بداية حرب الأيام الستة. وأكد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة لإدارة جونسون أن الإسرائيليين لن يهاجموا أولاً تحت أي ظرف من الظروف، مستبعداً حتى الهجوم الوقائي.
ثم هاجمت إسرائيل وزعمت أنها كانت تشن حربا وقائية. لقد خدمت في فريق عمل وكالة المخابرات المركزية للحرب، ولم يكن هناك أي دليل على وجود خطة مصرية للحرب تبرر الضربة الاستباقية.
في الظاهر، كان نصف الجيش المصري يقاتل في حرب أهلية في اليمن. كان الهجوم الإسرائيلي على القوات الجوية المصرية ناجحا للغاية لأن الطائرات المقاتلة المصرية كانت متوقفة في المطارات في وضعية توحي بعدم وجود خطة لدى مصر لمهاجمة إسرائيل.
ومع ذلك، فقد أخبر المسؤولون الإسرائيليون الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون أن المصريين بدأوا إطلاق النار على المستوطنات الإسرائيلية، وأنه تمت ملاحظة سرب طائرات مصري يتجه نحو إسرائيل.
ولم يكن أي من البيانين صحيحا. لقد بذل وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان قصارى جهده لإقناع حكومته بعدم الكذب على الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالإضافة إلى الكذب بشأن بداية حرب الأيام الستة في شهر يونيو 1967، كان الإسرائيليون أكثر خداعاً بعد ثلاثة أيام عندما نسبوا هجومهم الخبيث على السفينة يو إس إس ليبرتي إلى حادث عشوائي.
في الواقع، كان «الحادث» مخططًا له بشكل جيد. وكانت إسرائيل تعلم جيدا أن الأمر يتعلق بسفينة استخباراتية أمريكية تبحر في المياه الدولية، وكانت بطيئة الحركة ومزودة بأسلحة خفيفة.
كانت السفينة تحمل علمًا يبلغ طوله خمسة أقدام في ثمانية أقدام، ولا تشبه أي سفينة في أي بحرية أخرى، ناهيك عن أنها ليست سفينة في ترسانة أحد أعداء إسرائيل. ومع ذلك، زعم الإسرائيليون أنهم كانوا يعتقدون أنهم كانوا يهاجمون سفينة مصرية.
لقد تأكد بما لا يدع أي مجال للشك أن الهجوم الإسرائيلي قد وقع بعد ست ساعات من الاستطلاع المكثف على مستوى منخفض، والذي أعقبه هجوم على مدار ساعتين بطائرات ميراج غير مميزة باستخدام المدافع والصواريخ.
أطلقت القوارب الإسرائيلية نيران مدافعها الرشاشة من مسافة قريبة على أولئك الذين يساعدون الجرحى، بما في ذلك سفينة حربية سوفيتية، ثم أطلقت نيران الرشاشات على قوارب النجاة التي أسقطها الناجون على أمل مغادرة السفينة. ولا يزال تحقيق جهاز الأمن الوطني في الكارثة سريا حتى يومنا هذا، بعد مرور ستة وخمسين عاما.
لعبت الازدواجية الإسرائيلية دوراً مهماً في نهاية حرب أكتوبر عام 1973. فقد استخدم مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر المعلومات الإسرائيلية المضللة حول التدخل السوفييتي المحتمل في الحرب لتبرير إعلان حالة التأهب النووي، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم الحرب العربية الإسرائيلية وإشعال فتيل مواجهة سوفيتية أمريكية.
لقد كذب هنري كيسنجر نفسه على حلفائنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا وكذلك على الصين بشأن الإنذار السوفييتي لأقسامهم المحمولة جواً للاستعداد للتدخل في منطقة الشرق الأوسط.
(لم يُدخل السوفييت قط قواتهم المحمولة جواً إلى مناطق لم تكن متاخمة للاتحاد السوفييتي). كما انتهك الإسرائيليون وقف إطلاق النار الذي تم ترتيبه بعناية من قبل كيسنجر ورئيس الوزراء السوفييتي أليكسي كوسيجين؛ لقد تطلب الأمر تهديد كيسنجر لوزير الدفاع دايان لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.
وفي عام 1982، كذب الإسرائيليون بشأن دورهم في السماح للكتائب المسيحية اللبنانية بدخول مخيمي صبرا وشتيلا للاجئين، حيث ارتكبوا جرائم حرب مروعة ضد الفلسطينيين العزل.
ولم يعترف الإسرائيليون قط بأن مليشيا الكتائب كانت تحت السيطرة السياسية والعسكرية لدولة إسرائيل. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون أن قوات الدفاع الإسرائيلية «لا تعرف بالضبط ما يحدث» في مخيمات اللاجئين، على الرغم من أن شارون نفسه هو الذي شجع المليشيات اللبنانية على الهجوم.
وهذه المرة، فإن قوات الدفاع الإسرائيلية هي التي ترتكب جرائم حرب مروعة في قطاع غزة، حيث قُتل عدد من النساء والأطفال في شهر واحد أكبر مما قتله الروس في أوكرانيا خلال ما يقرب من عامين من القتال.
إن استخدام إسرائيل لقنابل زنة 2000 رطل في مناطق مدنية كثيفة السكان هو أمر غير مسبوق. ومع ذلك، تستمر وسائل الإعلام الرئيسية في الاستشهاد بالمسؤولين الإسرائيليين الذين يؤكدون أن «أصغر الذخائر المتاحة» تستخدم لإحداث «أقل قدر من التأثير السلبي على المدنيين».
ويؤكد الإسرائيليون أن «التركيز ينصب على حماس»، ولكن الإسرائيليين ذبحوا من المدنيين في شهر واحد عدداً من المدنيين يفوق ما قتلتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان على مدى عقدين من الزمن.
ليس هناك شك في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، الذي يتزعم حكومة موغلة في التطرف، فإنه يستخدم القوة العسكرية الساحقة لترويع 2,3 مليون مدني فلسطيني في قطاع غزة باسم هزيمة قوات حماس العسكرية.
وهذا من شأنه أن يكون متسقاً مع السياسة الإسرائيلية التي بدأت عام 1948 لاستخدام كل اشتباك عسكري مع الدول العربية لتهجير أكبر عدد ممكن من المدنيين الفلسطينيين من منازلهم، وعدم الاعتراف أبداً بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ولم تقم أي إدارة أمريكية على الإطلاق بالضغط على إسرائيل للسماح بعودة الفلسطينيين إلى منازلهم في إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، تدعم وسائل الإعلام الرئيسية ادعاء إسرائيل بأن الحرب بين إسرائيل وحماس بدأت في السابع من شهر أكتوبر 2023، وهو ما يتجاهل معاقبة إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين على مدى الأعوام الستة عشر الماضية.
وقد أدت هذه السياسة الإسرائيلية إلى الحد من استخدام الكهرباء في قطاع غزة، مما خلق الحاجة إلى إلقاء مياه الصرف الصحي في البحر الأبيض المتوسط، مما يجعل المياه غير صالحة للشرب.
وتسبب نقص الوقود الذي فرضته إسرائيل في إغلاق محطات الصرف الصحي. إن نتنياهو، الذي تفاخر ذات يوم بأنني «أوقفت اتفاقيات أوسلو»، لم يبد قط أي اهتمام بتخفيف هذه العقوبات، ناهيك عن السعي إلى إيجاد حل دبلوماسي أو سياسي للمأساة الفلسطينية.
ومن المؤسف أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد دافعت كلاميًا في خطابها عن فكرة حل الدولتين، لكنها لم تضغط أبدًا على الحكومة الإسرائيلية للتحرك نحو إقامة دولة فلسطينية على أرض الواقع.
على أقل تقدير، يجب على إدارة جو بايدن الاعتراف بفلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة، والضغط على إسرائيل للدخول في محادثات مع الفلسطينيين بشأن الحدود والقدس والأمن ووقف اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
{ كبير الباحثين في مركز السياسة الدولية وأكاديمي في جامعة جون هوبكينز
دبلوب
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك