بقلم: سناء خان {
لقد فشل القانون الدولي في توفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني وهو ما يفسر تفاقم معاناة الفلسطينيين على مر الأعوام المعاناة الطويلة. لقد هاجمت إسرائيل الشعب الفلسطيني من قبل ولم تضع الحرب حداً لمعاناة الفلسطينيين، بمن فيهم سكان غزة والضفة الغربية.
ما مشكلة القانون الدولي الذي فشل دائما في حماية الشعب الفلسطيني، وما الحلقة المفقودة أو الثغرات التي تفلت منها إسرائيل بأفعالها دون أي محاسبة أو عقاب؟.
يكمن الجواب على هذه الأسئلة في طبيعة خطاب القانون الدولي، حيث إن القانون الدولي هو قانون يكرس الهيمنة بطبيعته وقد صمم لإسكات أصوات دول العالم الثالث، وهي نظرية ناشئة في القانون الدولي تعرف باسم نظرية «مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي» (TWAIL).
وعلى غرار بقية النظريات النقدية الأخرى للقانون، فإن نظرية «مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي» تمثل مدرسة فكرية نقدية كما أوضحها أنتوني أنجي في كتابه المعنون «إعادة التفكير في القانون الدولي من منظور العالم الثالث».
تنطوي نظرية «مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي» على أهمية كبيرة، إذ لا يمكننا تحقيق العدالة العالمية ما لم نحقق العدالة لشعوب العالم الثالث، كما أن نظرية «مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي» هي التي تكشف عن أوجه القصور المهمة والهيكلية في النظام الدولي، والتي تحول دون تحقيق ذلك.
ولفهم القانون الدولي المعاصر، يجب على المرء أن يضع في اعتباره الأصول الاستعمارية والهيمنة للقانون الدولي وكيف أن إطار القانون الدولي الحالي متحيز بشكل منهجي ويسمح باستغلال شعب فلسطين منذ بداية العمل بهذا القانون الدولي.
في هذا الصدد يقول الأكاديمي جيسون بيكيت إن: «القانون الدولي العام هو استعمار جديد في طبيعته». لا يزال قانون العزل السياسي يجعل الأدوار الاستعمارية المتمثلة في فرض الانضباط ونهب البلدان النامية ملموسة.
ويدعم القانون الدولي العام مبدأ «uti possidetis juris or uti possidetis iuris»، الذي يعني «كل ما تملكه يعد تحت احتلال مشروع مبرر في عديد من الحالات التي تم النضال فيها من أجل إعلان حق تقرير المصير».
ينص هذا المبدأ على أن الدول ذات السيادة التي تم تشكيلها حديثًا يجب أن تحتفظ بالحدود الداخلية التي كانت لمنطقتها التابعة السابقة قبل استقلالها، وهذه هي الحالة المؤسفة لفلسطين، حيث أدى الانتداب على فلسطين للمملكة المتحدة إلى إنشاء إسرائيل، وهو أمر مؤسف. لا يزال مبدأ «كل ما تملكه يعد تحت احتلال مشروع مبرر في عديد من الحالات التي تم النضال فيها من أجل إعلان حق تقرير المصير» يهيمن على روح القانون الدولي.
كانت المنطقة التي تعرف حاليًا بفلسطين تحكمها الدولة العثمانية وشملت مصر والأردن وسوريا. وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، استولت المملكة المتحدة على هذه المنطقة، ثم منحت هذه المنطقة لليهود بموجب وعد بلفور (1917)، الذي أدى إلى قيام دولة إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، قامت إسرائيل بتوسيع نطاق أراضيها إلى ما وراء الحدود التي رسمت لها عام 1948، وتكريسا لسياسة «فرق تسد»، فإن فلسطين مقسمة حاليا بين غزة والضفة الغربية، وتأثرت حدودها بالخرائط الاستعمارية وقد تم تبرير ذلك بمبدأ الحيازة الجارية.
إن القانون الدولي الحالي غير قادر على حل مثل هذه القضايا. تشرح الأكاديمية عائشة مالك كيف تخرق إسرائيل القانون، وخاصة قانون النزاعات المسلحة، الذي يبرر أنه احتلال، وكيف تنتهك إسرائيل القانون الإنساني الدولي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكن كل ذلك يذهب سدى للأسف.
وبالتالي، فمن المعقول الشك في أهمية القانون الدولي ويستمر الادعاء بأنه يفيد الأقوياء حصريًّا وإنه قانون محكمة المنتصر في كثير من الحالات. ومن المهم أن نفهم أن الشيطان يكمن في التفاصيل وأن هناك حاليًا عملا يتعين القيام به لتغيير هذه الروايات وتطبيق القانون الدولي بشكل مناسب.
وبالاستناد إلى نظرية «مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي» يمكن أن ندرك الانتهاكات التي ترتكب في حق الشعوب بسبب هيمنة القانون الدولي الحالي. لذلك فإننا سنظل نحاول علاج العلل باستخدام نفس الدواء – أي القانون الدولي – الذي تم اختباره مرات عديدة دون أن نتمكن من تحقيق أي تقدم.
وفي الواقع فإن المُضطَهِد هو وحده الذي استفاد من هذه الحرب غير المتكافئة والعشوائية، وليس الناس الذين يعانون يوميا. لقد كانت الدولة تقليديا محور القانون الدولي. كذلك، وبالنظر إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تشير الأدلة التاريخية إلى أن الدول المحيطة، بما في ذلك الأردن ومصر وسوريا، ظلت تعاني نتيجة للإطار الاستعماري للقانون الدولي، وهو ما يسلط عليه أنتوني أنجي الضوء في كتابه المعنون «الإمبريالية والسيادة وصنع القانون الدولي».
إن الطبيعة المتناقضة لنظام الانتداب، الذي يهدف إلى تحرير الشعوب المنتدبة من «الظروف الصعبة للعالم المعاصر»، هي التي أبقتهم في هذه النهاية في ذات المواقف والأوضاع.
وهكذا، فإن الدورة الفردية تنتج بيئة تضع فيها المنظمات الدولية نفسها كإجابة لقضية هي جزء منها. كثيرا ما تنشأ مثل هذه المواقف في الشؤون الدولية المعاصرة. وفي سياق العلاقات الدولية المعاصرة، يتم إساءة استخدام المواقف والقانون، مثل فلسطين، باستمرار باسم سيادة القانون والحفاظ على السلامة الإقليمية.
وتؤكد الأكاديمية نورا عريقات أن استخدام قوانين الحرب الواردة في اتفاقية جنيف لا يخفف من حدة الوضع بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني. بل هو استمرار للسياسات الاستعمارية التي بررت حتى الآن مثل هذه الأخطاء والانتهاكات وأنشأت نظامًا قانونيًا دوليًا قاسيًا وجائرا.
تقول نورا عريقات في هذا الصدد: «تشمل هذه الجهود الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في عام 2004 بشأن الجدار الإسرائيلي، ومسعى الحصول على دولة في الأمم المتحدة في الفترة من 2011 إلى 2012، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يمنح فلسطين وضع الدولة المراقبة، والانضمام إلى نظام روما الأساسي والانضمام اللاحق إلى المحكمة الجنائية الدولية، وآخرها قرار مجلس الأمن رقم »2334.
هذا ناهيك عن حقيقة أن الدولة، كعلاج، لا تتوافق مع واقع ونطاق المظالم الفلسطينية اليوم، كما نوقش سابقًا. وإذا افترضنا جدلاً أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الأمم المتحدة يمكن أن يعالج الظلم المسلط على الشعب الفلسطيني على مدى عقود، فإن الاستراتيجيات القانونية للقيادة الفلسطينية لتحقيق هذا الهدف تظل غير كافية من الناحية الاستراتيجية.
وهذه القرارات تظل غير كافية وتظهر حدود القانون الدولي. إنها قرارات لا تتسم بأي قوة قانونية. لذلك نجد أن الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بأن بناء إسرائيل للجدار كان غير قانوني لم يؤد إلى تخفيف المعاناة التي يتحملها الشعب الفلسطيني.
ووفقاً لهذا التفسير التقليدي للقانون الدولي، فإن الشعب الفلسطيني سوف يُعد إرهابياً إذا حاول مقاومة النظام الحالي للقانون الدولي باستخدام القوة. إن الأزمة الإنسانية الحالية في غزة دليل على أن الشعب الفلسطيني يُعامل دون أي حماية قانونية، وأن قواعد القانون الدولي لا تفيد الشعب الفلسطيني.
تعتبر نورا عريقات أن إسرائيل قد حولت الظروف الراهنة في قطاع غزة إلى أنواع الصراعات غير المتكافئة التي تحدد ما أصبح يعرف باسم الحرب العالمية على الإرهاب من خلال تسليط الضوء على دور «حماس» والتقليل من شأن القضية الفلسطينية.
وقد أدى هذا الأمر إلى إلغاء أي تمييز بين الفلسطينيين وغيرهم من الأطراف من غير الدول. إن إسرائيل تستبدل إطاراً أمنياً وطنياً لفهم الصراع بإطار صنع السلام، ناهيك عن إطار استعماري استيطاني، وذلك من خلال فصل غزة عن بقية القضية الفلسطينية.
وإلى جانب الانقسام الإقليمي، تعمل المعركة الداخلية بين فتح وحماس على تعزيز هذا التغيير في النموذج والهيمنة الاستعمارية الإسرائيلية.
ومن خلال تلك الحواجز السياسية، يجب على المرء أن يناضل من أجل الحق في تقرير المصير بموجب القانون الدولي.
لا يسعى هذا المقال إلى دحض المناقشات حول الانتهاكات ضد القانون الدولي الإنساني؛ ومع ذلك، فإن التركيز بشكل كامل على مثل هذه المناقشات لن يساعد الشعب الفلسطيني أو أي مجموعة أخرى تناضل من أجل حقهم في تقرير المصير.
إن القانون الدولي الإنساني لا يعمل في الفراغ؛ بل إنه يحتاج إلى دعم سياسي قوي لضمان إنفاذ قواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئه. ولذلك، لتعزيز الحماية المتاحة بموجب القانون الدولي الإنساني، ينبغي الاستماع إلى حق تقرير المصير والأصوات التي تتحدث من منظور «مقاربات العالم الثالث للقانون الدولي».
وإضفاء الطابع المؤسسي عليها كأهداف سياسية لعلاج علل القانون الدولي. وإلا فإن قرارات الشعب الفلسطيني ومعاناته ما هي إلا دكاكين كلام لا تنهي بؤسه.
نحن بحاجة إلى نهج شامل يجمع بين الديمقراطية وحقوق الإنسان والحق في تقرير المصير والقانون الإنساني الدولي، مع الأخذ في الاعتبار دائمًا الطبيعة القمعية للقانون الدولي الذي تمارسه الدول القوية بما يتعارض مع التطلعات المشروعة والحقوق القانونية للشعوب والدول المهمشة، مثل الفلسطينيين، الذين يناضلون من أجل تحررهم من القوى الاستعمارية.
{ أكاديمية قانونية
دبلوب
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك