تغطية: وفاء فيصل
«ينتابني غيابك، وعند نافذة غرفتي في أرض الوطن التي تفتح حضنها، تستيقظ بعدي لتتفتح كل صباح بتلات زهرة الصباح، أحملق في البتلات وفي غيابك، فتجري روحي في ممراتها، تجري وتجري، تحلق نحو الرقيع والقيدوم، تخترق الماروم وأرفلون وهيفوف وعروس، تلهث وتلهث نحو عجماء».
وسط أجواءٍ عابقة بتاريخ وأصالة العراق في أمسيةٍ تمازج فيها التاريخ بالمستقبل والماضي بالحاضر دشنت حليمة الستراوي إصدارها البكر «عجماء» بأسرة الأدباء والكتاب تحت إدارة الدكتور جعفر الهدي بحضور العديد من الكتاب والروائيين والمهتمين في الشأن الأدبي.
وبشكل عام ألقى الدكتور جعفر الضوء على الرواية عبر طرحه مجموعة من النقاط الرئيسية، حيث أشار بدايةً إلى الغلاف الذي جاء على صورة امرأة بمعالم غير مفهومة وهي تتسق تماماً مع العنوان المطروح «عجماء» أي بمعنى غير مدركة وغير مفهومة، وقد تميز العنوان بالإثارة والغموض وجاء الغلاف بما يتناسق ومضمون النص.. إذ إن تعدد الشخصيات المذكورة تحت العديد من الأسماء كما جاء في سياق الرواية وهن: وديعة، إلهام وغدير يجعلنا نقف أمام تساؤل مشوق وهو من هي عجماء التي تصدرت الغلاف.
تأخذنا عجماء إلى العديد من التساؤلات الأخرى، إذ إنها قد لا ترجح بكونها تعود على شخصية معينة يمكننا معها القول بأن هذه الشخصية هي عجماء، وفي هذا الصدد تتأرجح بين عدد من الاحتمالات فلربما كانت عجماء تعود على حالة أو قضية ترتبط بمجتمع معين أو ببلد معين على وجه الخصوص دون الإغفال عن أنها تحدثت بشكل مسهب وتفصيلي عن تاريخ دولة العراق. كما تطرق إلى تعدد الثيمات الموضوعية في الرواية كونها تحوي الكثير من الموضوعات ذات الأهمية والإثارة علاوةً على الثيمات ذات الفرادة والتميز كقضية ختان الإناث وهي قضية عالمية تتركز في البلدان العربية منذ زمن طويل ومازالت موجودة حتى الآن بالرغم من نشاط المجتمعات ومحاولتها لدرء هذه القضية.
وكذلك قضية الاغتراب حيث كان لها زمان ومكان في الرواية حددت فيه هذه القضية عبر مجموعة من الأشخاص المغتربين والمجتمعين تحت سقفٍ واحد عبرت عنه الكاتبة بالمنشأة أو البناية وهو كامباوند ومجمع سكني يتألف من أربع بنايات تتوسطه كافتيريا تقع فيه أحداث الرواية.. وبالتعريج على الشخوص المغتربة نجدهم ما بين تونسي وروسي وبحرينية وعراقية وصحفية مغربية، قامت أ. حليمة بتكييف الشخصيات وإظهار مشاعرهم وتعاملاتهم وتعاطيهم مع بعضهم البعض كونهم من ثقافات مختلفة من خلال أحداث وذكرياتهم تحملهم على السير ضمن بوتقة واحدة.
وقد تناولت الثيمة الثالثة طابعا رياضيا إذ إنها تمثلت في لعبة الأرقام حيث تميز النص المطروح برقم محدد تكتنفه العديد من التساؤلات التي تتراود إلى ذهن القارئ عن هذا الرقم بالتحديد والمعنى الذي يحمله.
أما الثيمة الأخيرة والتي تتمثل في الإسقاطات التاريخية فقد جاءت وفق زمنين سرديين تشكلت فيهما الرواية يسيران مع بعضهما البعض رغم اختلافهما التام وهما زمن الحكاية الذي جسدته الكاتبة بمجموعة المغتربين في منشأة محددة في عصر حديث يتراوح ما بين فترة التسعينيات الميلادية حتى الألفية المتقدمة وزمن تاريخي آخر يعود إلى عهد المتوكل العباسي في الدولة العباسية.
تميزت الرواية بأنها ضخت الكثير من المعلومات الثقافية والسياسية والاجتماعية عبر العديد من الاستطرادات التي تعد نصوصا ثقافية فضلاً على تمكن الكاتبة من صياغة النصوص والأفكار الثقافية في جوف الرواية دون إقحام.
ويضاف إلى هذا التميز استخدام أ. حليمة للنص التجريبي والمعني بكون الكاتب في بعض الأحيان يترك الشخصيات التي يصنعها تتحرك بنزقها، بهدوئها وبعقدها بمحض إرادتها بحيث يشعر القارئ بأن الكاتب اختفى تماماً داخل النص وكأنه غير موجود، فالكاتب يكون من الذكاء بحيث يجعل المتلقي غير قادر على تخمين سير الأحداث
فما هو غير متوقع يمكن أن يظهر في لحظة معينة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك