العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

أيوب هذا الزمن

منذ‭ ‬الأزل‭ ‬يبحث‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عن‭ ‬رموز‭ ‬يلتف‭ ‬حولها،‭ ‬عن‭ ‬قدوة‭ ‬لا‭ ‬تباع‭ ‬ولا‭ ‬تشترى‭ ‬يسير‭ ‬خلفها،‭ ‬عن‭ ‬حنجرة‭ ‬صادقة‭ ‬تدافع‭ ‬عنه‭ ‬لأنها‭ ‬تقاسمه‭ ‬قدره‭ ‬من‭ ‬ساحات‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قاعات‭ ‬المؤتمرات،‭ ‬لم‭ ‬يختر‭ ‬وائل‭ ‬الدحدوح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تلك‭ ‬الأيقونة،‭ ‬هو‭ ‬الصحفي‭ ‬الأعزل،‭ ‬رفعته‭ ‬الفواجع‭ ‬إلى‭ ‬قامة‭ ‬أمة،‭ ‬وفقد‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬غدا‭ ‬رمز‭ ‬الصبر‭ ‬لشعب‭ ‬بأكمله،‭ ‬الرجل‭ ‬الجبار‭ ‬لفرط‭ ‬ضعفه‭ ‬الإنساني‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يتحدى‭ ‬العدو‭ ‬بإخفاء‭ ‬دمعه،‭ ‬حتما‭ ‬سيبكي‭ ‬هذا‭ ‬المساء‭ ‬في‭ ‬عزلته،‭ ‬أما‭ ‬الكاميرات‭ ‬فقد‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يصور‭ ‬بها‭ ‬مآسي‭ ‬غيره،‭ ‬دعس‭ ‬على‭ ‬قلبه‭ ‬الأبوي‭ ‬ووقف‭ ‬صامدا‭ ‬أمام‭ ‬الموت‭ ‬وهو‭ ‬يخطف‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ابنه‭ ‬البكر‭ ‬الذي‭ ‬أورثه‭ ‬لعنة‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬المذابح‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بيد‭ ‬مضمدة‭ ‬وذراع‭ ‬مكسورة‭ ‬اخترقها‭ ‬الرصاص‭ ‬أمسك‭ ‬وائل‭ ‬بيد‭ ‬ابنه‭ ‬الشهيد‭ ‬وقبلها‭ ‬مرارا،‭ ‬فيده‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬شوهه‭ ‬الحريق،‭ ‬سلام‭ ‬ليدين‭ ‬صامدتين‭ ‬تناوبتا‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬رسالة‭ ‬الحقيقة‭ ‬حد‭ ‬الموت‭.‬

تلك‭ ‬كانت‭ ‬أبلغ‭ ‬وأجمل‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬قيلت‭ ‬عن‭ ‬صلابة‭ ‬وصمود‭ ‬وآلام‭ ‬الدحدوح،‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الغزاوي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭ ‬العلي‭ ‬العظيم،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الأديبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬أحلام‭ ‬مستغانمي‭ ‬لتعبر‭ ‬ببراعة‭ ‬فائقة‭ ‬عما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬خاطر‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬عربي‭ ‬يعتصر‭ ‬قلبه‭ ‬تضامنا‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الصحفي‭ ‬الهمام،‭ ‬واصفة‭ ‬إياه‭ ‬بأيوب‭ ‬هذا‭ ‬الزمن،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬استشهاد‭ ‬نجله‭ ‬الأكبر‭ ‬حمزة‭ ‬باستهداف‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬أثناء‭ ‬تغطية‭ ‬صحفية‭ ‬في‭ ‬خان‭ ‬يونس‭ ‬ليدفع‭ ‬ثمنا‭ ‬غاليا‭ ‬لتغطيته‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬لتتواصل‭ ‬مسيرته‭ ‬مع‭ ‬المآسي‭ ‬والآلام‭ ‬حيث‭ ‬استشهد‭ ‬12‭ ‬شخصا‭ ‬من‭ ‬عائلته،‭ ‬بينهم‭ ‬ابنه‭ ‬وابنته‭ ‬وزوجته‭ ‬وحفيده،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعرضه‭ ‬للإصابة‭ ‬برصاص‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الغاشم‭.‬

الدحدوح‭ ‬فعليا‭ ‬أصبح‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬إنسان،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يستسلم‭ ‬أو‭ ‬ينكسر،‭ ‬فبعد‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬دفن‭ ‬ابنه‭ ‬البكر‭ ‬واصل‭ ‬عمله‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬الجزيرة،‭ ‬مؤكدا‭ ‬عزمه‭ ‬على‭ ‬المواصلة‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬واجبه‭ ‬الإنساني‭ ‬والمهني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬الآلام‭ ‬والأوجاع،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬أمر‭ ‬مستحيل،‭ ‬بل‭ ‬غير‭ ‬مطروح‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬وأن‭ ‬رسالته‭ ‬سقيت‭ ‬بالدم‭ ‬والدموع‭ ‬والعرق‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الصمود‭ ‬والاستمرار‭.‬

تشير‭ ‬الاحصائيات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الصحفيين‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الغاشم‭ ‬قد‭ ‬ارتفع‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬106‭ ‬صحفيين‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬أوضحت‭ ‬لجنة‭ ‬حماية‭ ‬الصحفيين‭ ‬الدولية‭ ‬ومقرها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬الأسابيع‭ ‬العشرة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬كانت‭ ‬الأكثر‭ ‬دموية‭ ‬على‭ ‬الاطلاق‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الصحفيين،‭ ‬إذ‭ ‬سجلت‭ ‬مقتل‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬وفي‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭.‬

حقا،‭ ‬إن‭ ‬أصعب‭ ‬بل‭ ‬أقسي‭ ‬شيء‭ ‬قد‭ ‬يواجهه‭ ‬أي‭ ‬صحفي‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الخبر،‭ ‬هو‭ ‬الصورة،‭ ‬وذلك‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الدحدوح‭ ‬وهو‭ ‬يبكي‭ ‬ابنه‭ ‬الشهيد‭ ‬حمزة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يناضل‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الحرب،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قاعات‭ ‬المؤتمرات،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬مستغانمي‭.‬

لك‭ ‬الله‭ ‬أيها‭ ‬الدحدوح‭ ‬البطل‭ ‬الشجاع‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا