العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

عصر الفتاوى

أثارت‭ ‬فتوي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬أمين‭ ‬الفتوى‭ ‬بدار‭ ‬الإفتاء‭ ‬المصرية‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬السميع‭ ‬حول‭ ‬وزن‭ ‬روح‭ ‬الإنسان‭ ‬جدلا‭ ‬واسعا‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬إجابته‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬كيف‭ ‬يقبض‭ ‬ملك‭ ‬الموت‭ ‬أرواح‭ ‬الناس‭ ‬وأحيانا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬بأن‭ ‬الروح‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬يسري‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الإنسان‭ ‬كما‭ ‬يسري‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬العود‭ ‬الأخضر،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تجربة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬عالم‭ ‬فرنسي‭ ‬عن‭ ‬وزنها‭ ‬وتأكد‭ ‬أنها‭ ‬تعادل‭ ‬واحد‭ ‬جرام،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬الروح‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬القدم‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الرأس‭ ‬والعقل‭ ‬حتى‭ ‬تزول‭ ‬عن‭ ‬صاحبها‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعيده‭ ‬أحد‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭.‬

شخصيا‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يفتون‭ ‬في‭ ‬الفتاوى‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬علينا‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬ولا‭ ‬ممن‭ ‬يملكون‭ ‬مؤهلات‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬المتواضع‭ ‬ومع‭ ‬احترامي‭ ‬للدكتور‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬السميع‭ ‬ولمنصبه‭ ‬الحساس‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬منطقا‭ ‬في‭ ‬فتواه‭ ‬هذه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬طرح‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬عدة‭ ‬تساؤلات‭ ‬أهمها‭:‬

كيف‭ ‬للعالم‭ ‬الفرنسي‭ ‬أن‭ ‬يقيس‭ ‬وزن‭ ‬الروح‭ ‬وهي‭ ‬الشيء‭ ‬الخفي‭ ‬غير‭ ‬الملموس؟‭!‬

وبأي‭ ‬وسيلة‭ ‬أو‭ ‬ميزان‭ ‬قام‭ ‬بذلك؟

‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا‭ ‬أين‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يقوموا‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬منذ‭ ‬عصور‭ ‬طوال؟‭!‬

وأسئلة‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬ترد‭ ‬إلى‭ ‬عقل‭ ‬أي‭ ‬مطلع‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفتوي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬إجابات‭ ‬محددة‭ ‬أو‭ ‬شافية‭ ‬سوى‭ ‬الإيمان‭ ‬بمقولة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالي‭: (‬ويسألونك‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬قل‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬ربي‭ ‬وما‭ ‬أوتيتم‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬إلا‭ ‬قليلا‭).‬

المدهش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬تلك‭ ‬الفتوى‭ ‬وتم‭ ‬تداوله‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬هو‭ ‬كم‭ ‬تلك‭ ‬التعليقات‭ ‬العجيبة‭ ‬عليه،‭ ‬والتي‭ ‬وصلت‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الفتاوى،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬حتى‭ ‬أدنى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬أو‭ ‬الثقافة‭ ‬الدينية،‭ ‬حيث‭ ‬وجدنا‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬ودب‭ ‬يدلي‭ ‬بدلوه‭ ‬وكأنه‭ ‬داعية‭ ‬وعلامة‭ ‬عصره‭.‬

نعم،‭ ‬نقولها‭ ‬وبكل‭ ‬أسف،‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬نعيش‭ ‬عصر‭ ‬الفتاوى،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬والسياسة،‭ ‬والطب،‭ ‬والعلم،‭ ‬والطبخ‭ ‬و‭... ‬وأي‭ ‬مجال،‭ ‬حتي‭ ‬تحول‭ ‬الإفتاء‭ ‬إلى‭ ‬صناعة،‭ ‬وإلى‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الشهرة،‭ ‬وإلى‭ ‬جسر‭ ‬لركوب‭ ‬الترند،‭ ‬وإلى‭ ‬باب‭ ‬للاسترزاق‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أسهمت‭ ‬فيه‭ ‬بصورة‭ ‬خطيرة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬بإصدار‭ ‬أول‭ ‬ميثاق‭ ‬للفتوى‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬بمكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والذى‭ ‬نأمل‭ ‬الالتزام‭ ‬به‭ ‬بشدة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬بقوة‭ ‬القانون‭ ‬إن‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭.‬

اليوم‭ ‬هناك‭ ‬جدل‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬المصرية‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬مطروح‭ ‬على‭ ‬البرلمان‭ ‬المصري‭ ‬يقضي‭ ‬بتجريم‭ ‬الافتاء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رخصة،‭ ‬وذلك‭ ‬للتصدي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬تلك‭ ‬الفتاوى‭ ‬العشوائية‭ ‬والظلامية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬لاستقرار‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تبثه‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬التخويف‭ ‬واستدامة‭ ‬التجهم‭ ‬ونشر‭ ‬مظاهر‭ ‬الكآبة‭ ‬وتضييق‭ ‬أبواب‭ ‬الأمل‭ ‬وسيطرة‭ ‬حالة‭ ‬التيئيس‭ ‬والكراهية‭ ‬علي‭ ‬البشر‭ ‬حتي‭ ‬درجة‭ ‬تدمير‭ ‬الذات‭ ‬أو‭ ‬قتل‭ ‬النفس‭ ‬بالانتحار‭. ‬

نعم،‭ ‬قوة‭ ‬القانون‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬القادرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬علي‭ ‬إيقاف‭ ‬آلة‭ ‬الفتاوى‭ ‬الشرهة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬الدوران‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا