كتاب (الفكر الأدبيّ العربيّ: البنيات والأنساق) هو مقاربة نقدية للأكاديمي والناقد المغربي سعيد يقطين. إنَّ هذه المقاربة النقدية تحمل رؤية يقطين بعد اشتغاله على مدى أكثر من عقدين على السَّرديات العربيّة إلى جانب اهتمامه بالفكر النقدي العربيّ في تنظيراته وتطبيقاته. وقد سبق ليقطين أن أصدر دراسة سابقة له تحمل الرؤية العربيّة الحديثة للسرد في كتابه (السَّرديات والتحليل السردي، الشكل والدلالة). وتأتي هذه الدراسة لتتناول طريقة تعامل النقاد العرب المحدثين مع الأدب والدراسة الأدبية منذ عصر النهضة إلى الآن. ويقطين في هذه الدراسة ينادي بدور جديد للأكاديمي الناقد عالم الأدب؛ وهي دعوة إلى ناقد عربي أدبي ثقافي يتأسّس على قاعدة الفكر الأدبي، وينفتح على الاختصاصات العلمية الإنسانية والطبيعية والتكنولوجية الأخرى والتفاعل معها بقوة واقتدار يؤهلانه لإنتاج «المعرفة الأدبية».
لقد تشكّل الفكر الأدبي العربي الحديث منذ بداية القرن العشرين متخذًا صورة الجامعي-الأكاديمي (جرجي زيدان) والجامعي-الأديب (مصطفى صادق الرافعي) ثم من خلال الأكاديمي الأديب (طه حسين). ويرى يقطين أنَّ اشتغال الناقد العربي (المثقف) بتاريخ الأدب والنقد الأدبي تفاعل مع مختلف التيارات التي عرفها النقد الغربي الحديث. وكان عمله يرتكز في الدرجة الأولى على الثيمات وحتى في المرحلة البنيوية ظلت الثيمات موضوعه الأساس. ولهذا فإنَّ أطروحة هذه المقاربة النقدية قائمة على إشكالية أساسية هي إعادة صياغة تصورنا للأدب منذ عصر النهضة إلى الآن في الآداب الغربية وتأثيراتها على الفكر الأدبي العربي لتكوين رؤية تاريخية تمكن من تطوير الأفكار الخاصة بالفكر الأدبي العربي.
إنَّ هذه المقاربة النقدية مهمة جدًا لأنها تصدر عن رؤية نقدية مقترحة للمشهد النقدي العربي من خلال تفكيكه وإعادة تركيبه؛ فالأدوار التاريخية التي قام بها الناقد العربيّ الحديث منذ عصر النهضة إلى الآن يجب أن تختلف لو أردنا إنتاج معرفة نقدية عربية حقيقية، وهذا يحتاج الانتقال من مجال التلقي السلبي لأطروحات النظرية النقدية الغربية إلى محاولة فهم ثقافي حقيقي للتفاعل بين الآداب الغربية والآداب العربية في سياق الانفتاح أيضًا على الدراسات المتعددة الاختصاصات.
تتكون هذه المقاربة النقدية من ثلاثة أبواب؛ الباب الأول يتألف من ثلاثة فصول ويبحث إشكالية أزمة الدراسات الأدبية الحديثة كانت تتردد في الكتابات الأجنبية، في حين جاء الفصل الثاني لرصد التحولات الكبرى التي عرفها الفكر الأدبي الغربي في أوروبا وأمريكا في التاريخ منذ القرن التاسع عشر إلى الآن لتكوين فكرة دقيقة عن المسار الذي عرفه الفكر الأدبي في الغرب. وجاء الفصل الثالث استكمالاً للفصل الثاني من خلال توقفه عند ثلاث حقب كبرى تحقق من خلالها الانتقال من »الثيمات» Themes إلى البنياتStructures إلى الأنساق systemes. وفي الباب الثاني وقف الناقد عند «الرؤية الأدبية» العربية الحديثة من خلال اتصالها بالنقد الغربي من جهة وتفاعلها مع التراث النقدي العربي من جهة ثانية، للوقوف عند معنى الأدب وتاريخه وأجناسه منذ بدايات القرن العشرين مع زيدان والرافعي. أمّا الباب الثالث فقد جعله الناقد خالصًا للتطبيق والممارسة النقدية في اشتغالها على النص العربي.
إن أطروحة هذا الكتاب تتلخص في الآتي:
- الدفاع عن الرؤية، وهذا يعني أن نؤسس فكرنا الأدبي على خلفية علمية وفلسفية وتقنية.
- ربط الفكر الأدبي العربي بالعلوم الإنسانية.
- الدفاع عن مكانة الأدب في المجتمع.
- الانفتاح على التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل.
كتاب «الفكر الأدبيّ العربيّ» لسعيد يقطين دراسة في مجال نقد التلقي العربيّ الحديث والمعاصر للنظريات النقدية الغربية باختلاف مرجعياتها الفلسفية واللغوية والفكرية. والناقد ينطلق من كون «النقد الأدبي» قاصًرا عن الإلمام بكل ما يتعلق بالتفكير في الأدب (باعتباره إبداعًا) وبالاشتغال به. و«الفكر الأدبي» عنده متسع لممارسات النظريات الأدبية والنقد الأدبي والعلم الأدبي وفلسفة الأدب، وبإمكان مثل هذا الفكر المؤسس على خلفيات معرفية الانفتاح على العلوم الإنسانية وإنشاء علائق جديدة بين الأدب والمجتمع. وقد وقف الباحث عند النقد التطبيقي خاصة في مرحلة ما بعد البنيوية مع تحليل الخطاب الشعري وتحليل الخطاب السردي، كما وقف عند بعض النقاد في مرحلة ما بعد البنيوية مثل محمد مفتاح وعبدالله الغذَّامي.
يؤسّس سعيد يقطين لمفهوم جديد لوظيفة الناقد الأدبي العربي المعاصر بعيدًا عن مفاهيم الدراسات التطبيقية البحتة التي تقطع النص الأدبي عن علائقه الاجتماعية والثقافية، وبالتالي فإنه يؤسّس مفهومًا جديًدا للناقد الثقافي كما يفهمه هو. ومثل هذه الدراسات نحن بحاجة إليها الآن كثيرًا نظرًا إلى اقتصار النقد العربي الحديث والمعاصر على جانب تلقي النظريات النقدية الغربية الحديثة دون أية إضافات عربية في هذا المجال باستثناء مساهمة إدوارد سعيد في دراسات الاستشراقية في مجال النظريات ما بعد الكولونيالية مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ إدوارد سعيد سيبقى عصيًّا على التصنيف فيما يتصل بهويته المتعددة ثقافيًّا.
{ أستاذة السَّرديات والنقد الأدبي الحديث
المشارك، كلية الآداب، جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك