العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

هل يرتبط الجنس الأدبي بطبيعة المجتمعات واحتياجاتها؟

بقلم: د. حيدر علي الاسدي

السبت ٠٣ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

تحفل‭ ‬نظرية‭ ‬الاجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬بتعدد‭ ‬الرؤى‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بالمحاكاة‭ ‬أو‭ ‬البعد‭ ‬البيولوجي‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬المؤسساتي‭ ‬المستقل‭ ‬وسواء‭ ‬كنا‭ ‬نستعرض‭ ‬نظريات‭ ‬ارسطو‭ ‬أو‭ ‬رينيه‭ ‬ويلك‭ ‬أو‭ ‬جان‭ ‬ماري‭ ‬شيفير‭ ‬أو‭ ‬برونُتيير‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬النظريات‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والواقعية‭ ‬للنص‭ ‬الادبي‭ ‬التي‭ ‬ذهب‭ ‬اليها‭ ‬فلاسفة‭ ‬وأدباء‭ ‬الواقعية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬أو‭ ‬مدرسة‭ ‬فرانكفورت‭ ‬وغيرهم‭ ‬واعنا‭ ‬هنا‭ (‬لمختلف‭ ‬الاجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية‭) ‬فان‭ ‬ثمة‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ (‬بالبعد‭ ‬الاجتماعي‭) ‬لطريقة‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الاجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬أو‭ ‬اتخاذها‭ (‬الشكل‭) ‬المعبر‭ ‬عن‭ ‬امال‭ ‬وطموحات‭ ‬وازمات‭ ‬المجتمعات‭ ‬بمفاصلها‭ ‬المختلفة‭ (‬الثقافية،‭ ‬السياسية،‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬الروحية،‭ ‬التاريخية‭) ‬اذ‭ ‬يمثل‭ ‬كتاب‭ ‬كل‭ ‬عصر‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬التفاعل‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظته‭ ‬منذ‭ ‬اتخاذ‭ ‬الملاحم‭ ‬والأساطير‭ ‬كثقافة‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الحضارية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترتكن‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬الذي‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬الابعاد‭ ‬الخيالية‭ ‬والبطولية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاجناس‭ (‬الملامح‭ ‬والأساطير‭) ‬بما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬خلجات‭ ‬الإنسان‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحضارات‭ ‬والمجتمعات‭ (‬تشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬طبيعة‭ ‬مراحل‭ ‬الطفولة‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يوجه‭ ‬لهذه‭ ‬المراحل‭ ‬من‭ ‬خطابات‭/ ‬خيال‭ ‬وبطولة‭ ‬وتفاعل‭ ‬وتفكير‭...). ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الاغريقية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تذهب‭ ‬باتجاه‭ ‬جنس‭ ‬أدبي‭ ‬ارستقراطي‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬طقوس‭ ‬أداء‭ ‬وعملية‭ ‬تلقي‭ (‬فرجة‭ ‬ارستقراطية‭ ‬لما‭ ‬يعرض‭ ‬من‭ ‬أفعال‭ ‬وقيم‭ ‬بخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الوطن‭) ‬وهو‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬فكان‭ ‬رائجاً‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬المسرح‭ ‬والذي‭ ‬يقدم‭ ‬بفخامة‭ ‬شعرية‭ ‬عالية‭ ‬فكان‭ ‬الشعر‭ ‬موظف‭ ‬باتجاه‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬والمسرح‭ ‬هو‭ ‬الشكل‭ ‬المعبر‭ ‬عن‭ ‬فخامة‭ ‬عصر‭ ‬الاغريق‭ ‬وحضارتهم‭ ‬والانسان‭ ‬اليوناني‭ ‬آنذاك،‭ ‬مثلما‭ ‬حفل‭ ‬العرب‭ ‬بمساحات‭ ‬الشعر‭ ‬والحفظ‭ ‬والالقاء‭ ‬البلاغي‭ ‬الفخم‭ ‬نتيجة‭ ‬للبيئات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعيشها‭ ‬الفرد‭ ‬العربي‭ ‬بخاصة‭ ‬في‭ ‬موضوعات‭ ‬الهجاء‭ ‬والتفاخر‭ ‬والرومانسية‭ ‬وغيرها‭ ‬التي‭ ‬تتركز‭ ‬بطبيعة‭ ‬الشخصية‭ ‬المنبثقة‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬العربية،‭ ‬والامر‭ ‬كذلك‭ ‬يذهب‭ ‬الى‭ ‬الثقافة‭ ‬الرومانية‭ ‬وهيمنة‭ ‬موضوعات‭ ‬العنف‭ ‬وإبراز‭ ‬القوة‭ ‬بطبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬الروماني‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التفاخر‭ ‬بالحروب‭ ‬وقوة‭ ‬السلطة‭ ‬الجسدية‭ ‬للمواطن‭ ‬الروماني‭ ‬فاندرجت‭ ‬تلك‭ ‬المفاهيم‭ ‬في‭ ‬أدبياتهم‭ ‬واجناسهم‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬اخذوها‭ ‬من‭ ‬الغير‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ولاسيما‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬تقليداً‭ ‬واضحاً‭ ‬للإغريق‭ ‬ولكنه‭ ‬حفل‭ ‬بموضوعات‭ ‬الفحولة‭ ‬والقوة‭ ‬والعنف‭ ‬ومفاهيم‭ ‬المصارعة‭ ‬وإبراز‭ ‬القوة‭ ‬الجسدية،‭ ‬والأمر‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬ادبيات‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وهيمنة‭ ‬جنس‭ (‬الرواية‭) ‬بل‭ ‬برعوا‭ ‬فيها‭ ‬وخرج‭ ‬منها‭ ‬ادباء‭ ‬كبار‭ ‬وصلوا‭ ‬للعالمية‭ ‬عبر‭ (‬المحلية‭) ‬ومن‭ ‬بينهم‭ (‬ماركيز‭) ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الرواية‭ ‬مدونة‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬الروايات‭ ‬هي‭ ‬الاعلى‭ ‬مبيعاً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ونال‭ ‬كتابها‭ ‬الجوائز‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ان‭ ‬لجوء‭ ‬كتاب‭ ‬امريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬إلى‭ ‬جنس‭ ‬الرواية‭ ‬بحكم‭ ‬الظروف‭ ‬التاريخية‭ ‬لتلك‭ ‬البلدان‭ ‬وبخاصة‭ ‬الاستعمارين‭ ‬البرتغالي‭ ‬والاسباني‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وحتى‭ ‬هيمنة‭ (‬الباروك‭) ‬لحقب‭ ‬معينة‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬الحاجة‭ ‬الى‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬الفكاهة‭ ‬والتعبيرات‭ ‬الادبية‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها،‭ ‬ومثلما‭ ‬احتاجت‭ ‬المجتمعات‭ ‬والأمم‭ ‬الى‭ (‬الشعر‭) ‬لاستنهاض‭ ‬وتحريض‭ ‬الافراد‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬للمستعمر‭ ‬واعتلاء‭ ‬الشعراء‭ ‬لمنصات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬والمظاهرات‭ ‬والمسيرات‭ ‬المنددة‭ ‬بهذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬فان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬المقاومة‭ ‬الثقافية‭ ‬والتحريضية‭ ‬لأشكال‭ ‬الفساد‭ ‬والاحتلال‭ ‬المختلفة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬الحاجة‭ ‬المجتمعية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬الموضوعات‭ ‬اجناسها‭ ‬المتغايرة‭ ‬وفقاً‭ ‬لطبيعة‭ ‬وصول‭ ‬الشكل‭ ‬الادبي‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الجماهير‭ (‬المتلقي‭) ‬ونتيجة‭ ‬للمتغيرات‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التعبير‭ ‬وقنوات‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬منتج‭ ‬النص‭ ‬وبين‭ ‬الجمهور‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬والتي‭ ‬فرضت‭ ‬وسائل‭ ‬تعبيرية‭ ‬جديدة‭ ‬لمنتج‭ ‬النص‭ (‬الخطاب‭) ‬فهل‭ ‬سيكون‭ ‬الجنس‭ ‬المعاصر‭ ‬المفروض‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬يمثل‭ (‬هاشتاك‭/ ‬ترند‭) ‬والبوست‭ ‬القصير‭ ‬الذي‭ ‬يستسيغه‭ ‬القارئ‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬النوافذ‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والذي‭ ‬يتسم‭ (‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬المختصرات‭) ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عالم‭ ‬ملئه‭ ‬الفوضى‭ ‬والملل‭ ‬والبؤس‭ ‬وأصبحت‭ ‬الحقيقة‭ ‬ذات‭ ‬وجوه‭ ‬واقنعة‭ ‬مختلفة‭ ‬وبمعايير‭ ‬متنافرة،‭ ‬اذ‭ ‬يمكن‭ ‬طرح‭ ‬تساؤل‭ ‬مهم‭ ‬للباحثين‭ ‬عن‭ ‬الجنس‭ ‬الملائم‭ ‬لهذا‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬والتناقضات‭ ‬والذي‭ ‬ممكن‭ ‬ان‭ ‬يتناغم‭ ‬مع‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الثقافية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬لطبيعة‭ ‬المجتمعات‭ ‬المرقمنة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬والقفزات‭ ‬المعرفية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تؤهل‭ ‬القيمة‭ ‬الصورية‭ ‬لتحل‭ ‬مكان‭ ‬القيمة‭ ‬المعرفية‭ ‬النصية‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الأهداف‭ ‬والوظائف‭ ‬الفكرية‭ ‬للخطاب‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭ ‬والقيمي،‭ ‬فهل‭ ‬ننجح‭ ‬بخلق‭ ‬جنس‭ ‬ادبي‭ ‬جديد‭ ‬يلائم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬المتسارعة؟‭! ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬معبراً‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬الاحتياجات‭ ‬المعاصرة‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المتحضرة‭ ‬تكنولوجياً‭.‬

 

{‭ ‬ناقد‭ ‬وأكاديمي‭ ‬عراقي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا