دائما ما ننظر إلى الممثل المسرحي بأنه الركيزة الأساسية على خشبة المسرح من خلال الدور المناط إليه في تجسيد تلك الشخصية الواقعية أمام المشاهد المؤدية فنياً من خلال الأداء والحركة لإبراز الحدث أولا بأول، باعتبار ذلك صراعا قائما بينه وبين نفسه لحظة تقلصه للدور أمام المشاهد عن قرب، ورغم ما يعيشه هذا الممثل من خيال بعيد بين الواقع والحقيقة المتمثلة عند المشاهد بصريا فإنه ينظر إلى نفسه أحياناً وقد بدأ من الصفر ولا يزال في المكان نفسه، مما يجعله يعيش ذلك الصراع مجدداً لإيصال تلك الحقيقة في مفهومها الفني والإبداعي لأبعادها الموضوعية المختلفة.
من هنا يتغير ذلك المنظور عند الممثل بين حين وآخر تجاه الجمهور بمستويات نوعية تجعله في ورطة تزيد من نتاجه وتفاعله على الخشبة مضاعفة لما كان عليه باعتبار أن ما قدمه من منظور فني بحاجة إلى تنظير آخر وفلسفة أبعد لتحريك مشاعر المشاهد ذهنياً وروحياً للالتفاتة نحو تلك اللعبة الفنية في نهج فني مميز، ومن ثم تبقيه على تفاعل مستمر بينه وبين ما يحدث أمامه من صراع ذاتي ومحفز على البقاء من دون تراجع أو الهروب من تلك الدائرة وغلقها نهائيا دون فائدة ترجى.
وعليه ينبغي أن يستمر ذلك التفاعل بين الممثل والجمهور، من أجل تأثير ذلك على أداء الممثل أثناء العرض إلى جانب خلق العديد من الطرق التي تجعل المشاهد في حالة تفاعل مستمر مع الحدث، فحماس الممثل واستمرار طاقته الإيجابية على الخشبة يجعله في عطاء دائم منخرط مع الجمهور بحيوية ليقدم الأفضل دون أن يشعر بالملل، إلى جانب الثقة والاطمئنان من خلال الأداء المؤثر الذي يساعد على تركيزه دون ارتباك أو خوف أثناء حركته من مكان إلى مكان آخر إلى جانب زملائه الممثلين، حيث لغة الجسد تعكس أداء الممثل وكيفية استيعابه لفنه أمام الجمهور.
كل ذلك ما يشيد به أهل الخبرة في منهجهم الإبداعي والذي يسمى بالإلهام والإبداع عند الممثل أثناء قيامه بالتمثيل، حيث ينتظر ردود فعل الجمهور وحدة تفاعله تجاه ما يشاهده، كما يؤكده فلاسفة المسرح باعتباره منظور علمي لتقييم مستوى الممثل عند الوقوف على خشبة المسرح بثقة عالية ليستطيع من خلالها تجديد الطاقة الإبداعية وإضافة اللمسات الفنية وما لديه من جديد ليثري العرض ويجعله أكثر إبداعا وحيوية متجددة تساعده على التركيز والابتكار لدى الفنان المسرحي مما يدفعه لمزيد من بذل الجهد الذي يميزه ويشعره بأنه ليس لوحده على المسرح وإنما هناك عناصر أخرى أساسية تشاركه في تأطير ونجاح العمل من خلف الكواليس.
من خلال ذلك يبقى التفاعل الإيجابي مستمرا بين الممثل والحلقة الرئيسية ألا وهو الجمهور لأنه بمثابة الركيزة التي يرتكز عليها الفنان باعتبار ذلك الدافع الأول والأساسي لنهضة العمل الفني والجوانب المتعلقة بتطوير أداء الممثل وتقديم العرض المميز أثناء العمل، إلى جانب ذلك البحث عن الجديد الذي يعزز التفاعل والاتصال المباشر بين الممثل والجمهور أثناء العرض في ومحاولة توجيه الحوار والأداء أمام الجمهور مباشرة.
كما أن هناك عدة جوانب إبداعية تتعلق بمنهجية الممثل على خشبة المسرح يجب اللجوء إليها والبحث عنها دائما باعتبارها من الأسس التقويمية لبناء الشخصية ومدركاتها التعليمية على المستوى الأكاديمي لدى الفنان المسرحي، فالدراسة الدقيقة في مفاهيمها هي الدافع الأساس للنهوض بواقعية التمثيل الذي يقوم بتنفيذه مخرج وطاقم العمل عند تصديه لأي عمل مسرحي وتوزيعه لتلك الأدوار وتسليمه المسئولية للعناصر المنفذة أثناء العرض بما في ذلك الدور الرئيسي الذي يجسد فخامة العمل من حيث المكانة والبعد الموضوعي للجانب الفيزيائي لأداء الحركة والإيماءات التعبيرية لبروز الشخصية والحفاظ على الإيقاع العام من خلال توظيف أدواته الفنية والنوعية.
وعلى الرغم من ذلك كله يبقى ذلك الاندماج العام لتلك الشخصية مستعدة ومتجاوبة مع ما يطلب منها من مواقف مفاجئة أو ردود فعل عكسية أو ارتجالية يقنع من خلالها الجمهور بشكل سريعا وفوري، عند سعي الممثل واندماج شخصيته التي يجسدها أثناء التمثيل باعتبارها جزءاً منه ليساعده على إيصال تلك المشاعر النفسية والعاطفية التي تعكس حقيقة الشخصية المطلوبة ذاتها، رغم التوتر والخوف من الفشل تجاه الردود السلبية من الجمهور أو المقيمين للعمل يبقى ذلك في تبدد أثناء التحكم في الأعصاب والاستعداد للتعامل مع المواقف السريعة المفاجئة أحياناً بحكمة ديناميكية وتقنية يبتكرها الفنان المبدع وفقا لما يتطلب منه.
وكما ذكرنا سلفا يتحتم على الممثل أن يبقى متواصلا دائما مع الجمهور وان يستشعر بردود الفعل متعاطيا معها لإثبات ذاته والحفاظ على طاقته الحيوية والبدنية والعقلية على مستوى عال من الإبداعية، وأن يعيش الدور طوال العرض من أجل خلق التناغم الصحيح في رؤيته الفنية والموضوعية تناسقا مع فريق العمل من ممثلين وفنيين لضبط الإيقاع العام أمام الجمهور. ذلك ما يجعل العمل بارزا في هويته الفنية والموضوعية الذي من خلالها يجتهد طاقم العمل لبناء هذه الاستراتيجية.
ألا وهي استراتيجية التنوع الذاتي لدى الممثل انبثاقا من ثقافته العالية وما يملك من أدوات فنية وأدبية تساعده على خلق الأفضل في العطاء على ذلك المستطيل أمام الجماهير الغفيرة، باعتباره مشروعا تكوينيا لبناء شخصيته الفنية والغوص في عالم المسرح المهني في جوانبه المتعددة، فحين يجتهد ذلك الفنان ينظر إليه ومن خلال مهمته لأداء تلك الرسالة التي يراد توصيلها للجمهور في واقع منه، دون شك سيصل لمبتغاه الذي كان قد رسم له الطريق بهدف الوصول إلى ما كنا تطرقنا له أثناء حوارنا لتلك المنهجية في واقعها الفني المسرحي بحسب استراتيجية معتمدة لواقع فن التمثيل على خشبة المسرح باعتباره ثقافة فنية وأدبية اجتماعية ترتقي بهذا الفن النبيل الذي نعطيه الأولوية الحضارية للنهوض بالمجتمعات المعاصرة وتغذيتها فنياً وثقافياً، فليس بالغذاء وحده يعيش الإنسان وإنما بالعمل والجهد الجماعي نرتقي معاً.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك