منذُ ولادة الصحوة في التحول الرقمي والكثير من شرائح المجتمع في جدل بين متقبل ورافض وبالخصوص من هم متعلقون بقراءة الكتاب الورقي والإصرار على بقاء ديمومته فاعلة، من دون الاستسلام للمغريات الأخرى التي تسحب البساط عن الكتاب الورقي مثل «التحول الرقمي».
هذا التحول يراه البعض رافداً للكتاب الورقي وليس بديلاً عنه، وآخرون يرون العكس.
ومنذ بثوق التحول الرقمي، استغنت بعض الدوريات الثقافية وغير الثقافية عن الطباعة الورقية معللين ذلك بالوضع الاقتصادي وغلاء الورق والكلفة الباهظة للطباعة الورقية.
في ظل هذا التحول برزت أمام القراء إشكالية اختلف البعض واتفق الآخر عليها، إلا وهي (هل الكتاب الرقمي بديلاً عن الكتاب الورقي؟) لاعتقاد البعض بأن الكتاب الرقمي يتصدر المشهد في عالم الكتب وأن الكتاب الورقي إلى زوال؛ وذلك بسبب التحول الرقمي المتسارع الذي شهده العالم.
وحول هذا الاختلاف «أقامت جامعة ما كويري بأستراليا على دراسة توصلت عبرها إلى عينة من ألف كاتب وناشر إلى أن نصيب الكتب المطبوعة يأتي في الصدارة بنسبة 45% بالمقارنة بـ35% للكتب الرقمية أو الإلكترونية كما أن نسبة الكتب الصوتية أو المسموعة في ازدياد».
والتجربة على مدى هذه السنوات اثبتت إن الكثيرين من قراء الكتاب الورقي لا يرون في الكتاب الرقمي إلا مكملاً للكتاب الورقي وليس بديلا عنه، فمن يتذكر العدد الرقمي الجديد للمجلة الصادرة حديثاً؟، الكثير لا يتذكر، يتحدث عن صدوره ولفترة محدودة ثم تغيب عن أفكارهم تاريخ صدور العدد، يدخل ضمن «فايل» الحفظ لفترة وجيزة، وقد يختفي بواسطة فيروس قاتل أو خلل ما يعطل جهاز الحاسوب.
في المقابل، الكتاب الورقي يظل ماثلاً أمامك بين رفوف مكتبتك، ترجع له بين فترة وأخرى، تتحسس أوراقه بشغف خاص لا يعرفه إلا من يعرف رائحة ورق الكتب، تظل محافظاً عليها من الحشرات القارضة، ومن سطوة السراق، كونه أي الكتاب الورقي عشق آخر ملازماً لقلب القارئ، ومتوسداً اسماء مبدعين حرصوا على أن يظل الكتاب الورقي شجرة خضراء لا تصفر أوراقها بمرور الأزمنة وإن حصل هذا الاصفرار ممكن معالجته.
ومهما بعدت رسائلنا فهي قريبة من صحوة الكتاب الورقي التي ظلت تحمينا من وهج الحاسوب الضار، فلا أشعة تغزوا العيون وتسبب العُمى وكبوة تؤذي بالكتاب نحو سلة المهملات.
وتظل الكتب عبر ميلادها التاريخي وانتقالها من عمر إلى عمر في ظل انتقالها من مرحلة إلى أخرى، هي الآثار الأكثر بقاءً على تقلبات الزمن ودونها، تكون صحوتنا بميلاد تاريخ الورق وتفنن المخرجين في إخراجها فنياً هي الباقية وكل ما بعدها موات من دون رائحة ومن دون وهج يأخذنا لعشق الكتاب.
(من يذكر لي العدد الجديد للمجلة الصادرة حديثاً بالعنوان الرقمي، سيذكره قليلا، وسيقول آخرون إننا لم نسمع بصدوره).
فأي عدد رقمي صادر حديثاً، تكون وجهته للقارئ مؤقتة أو وقتية وإن تراكمت الأعداد الرقمية للإصدارات الجديدة، تبقى حبيسة ظلها في موقع الحاسوب دون حركة تذكر لأنها ليست من جسد الكتاب الورقي خارجة، بل هي مكملة لرسالة الكتاب، من دون أن يحس القارئ بسخونة أوراق ما للكتاب الورقي من وهج خاص لا يعرفه إلا من عرف الكتاب الورقي وعشق كل حرف فيه.
فليس هناك مقارنة بين الرقمي والورقي إلا من خلال حافظ وحفيظ، الأول للقلم الثابت فوق الورق والثاني الحافظ لبوح القلم.
فالكتاب الرقمي هو فاعل مؤقت دون رائحة العشق والآخر في الكتاب الورقي هو العشق الباقي والحافظ لرائحة الحب.
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك