العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

نبض : ما بين رائحة الكتاب الورقي والرقمي

السبت ١٧ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

منذُ‭ ‬ولادة‭ ‬الصحوة‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬جدل‭ ‬بين‭ ‬متقبل‭ ‬ورافض‭ ‬وبالخصوص‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬متعلقون‭ ‬بقراءة‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬ديمومته‭ ‬فاعلة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستسلام‭ ‬للمغريات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تسحب‭ ‬البساط‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬التحول‭ ‬الرقمي‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬التحول‭ ‬يراه‭ ‬البعض‭ ‬رافداً‭ ‬للكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬وليس‭ ‬بديلاً‭ ‬عنه،‭ ‬وآخرون‭ ‬يرون‭ ‬العكس‭.‬

ومنذ‭ ‬بثوق‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي،‭ ‬استغنت‭ ‬بعض‭ ‬الدوريات‭ ‬الثقافية‭ ‬وغير‭ ‬الثقافية‭ ‬عن‭ ‬الطباعة‭ ‬الورقية‭ ‬معللين‭ ‬ذلك‭ ‬بالوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وغلاء‭ ‬الورق‭ ‬والكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬للطباعة‭ ‬الورقية‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬برزت‭ ‬أمام‭ ‬القراء‭ ‬إشكالية‭ ‬اختلف‭ ‬البعض‭ ‬واتفق‭ ‬الآخر‭ ‬عليها،‭ ‬إلا‭ ‬وهي‭ (‬هل‭ ‬الكتاب‭ ‬الرقمي‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي؟‭) ‬لاعتقاد‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬الكتاب‭ ‬الرقمي‭ ‬يتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الكتب‭ ‬وأن‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬إلى‭ ‬زوال؛‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬المتسارع‭ ‬الذي‭ ‬شهده‭ ‬العالم‭.‬

وحول‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬‮«‬أقامت‭ ‬جامعة‭ ‬ما‭ ‬كويري‭ ‬بأستراليا‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬توصلت‭ ‬عبرها‭ ‬إلى‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬كاتب‭ ‬وناشر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نصيب‭ ‬الكتب‭ ‬المطبوعة‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬الصدارة‭ ‬بنسبة‭ ‬45%‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بـ35%‭ ‬للكتب‭ ‬الرقمية‭ ‬أو‭ ‬الإلكترونية‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الكتب‭ ‬الصوتية‭ ‬أو‭ ‬المسموعة‭ ‬في‭ ‬ازدياد‮»‬‭.‬

والتجربة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬اثبتت‭ ‬إن‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬قراء‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الرقمي‭ ‬إلا‭ ‬مكملاً‭ ‬للكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬وليس‭ ‬بديلا‭ ‬عنه،‭ ‬فمن‭ ‬يتذكر‭ ‬العدد‭ ‬الرقمي‭ ‬الجديد‭ ‬للمجلة‭ ‬الصادرة‭ ‬حديثاً؟،‭ ‬الكثير‭ ‬لا‭ ‬يتذكر،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬صدوره‭ ‬ولفترة‭ ‬محدودة‭ ‬ثم‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬أفكارهم‭ ‬تاريخ‭ ‬صدور‭ ‬العدد،‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬‮«‬فايل‮»‬‭ ‬الحفظ‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬وقد‭ ‬يختفي‭ ‬بواسطة‭ ‬فيروس‭ ‬قاتل‭ ‬أو‭ ‬خلل‭ ‬ما‭ ‬يعطل‭ ‬جهاز‭ ‬الحاسوب‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬يظل‭ ‬ماثلاً‭ ‬أمامك‭ ‬بين‭ ‬رفوف‭ ‬مكتبتك،‭ ‬ترجع‭ ‬له‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى،‭ ‬تتحسس‭ ‬أوراقه‭ ‬بشغف‭ ‬خاص‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬رائحة‭ ‬ورق‭ ‬الكتب،‭ ‬تظل‭ ‬محافظاً‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الحشرات‭ ‬القارضة،‭ ‬ومن‭ ‬سطوة‭ ‬السراق،‭ ‬كونه‭ ‬أي‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬عشق‭ ‬آخر‭ ‬ملازماً‭ ‬لقلب‭ ‬القارئ،‭ ‬ومتوسداً‭ ‬اسماء‭ ‬مبدعين‭ ‬حرصوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬شجرة‭ ‬خضراء‭ ‬لا‭ ‬تصفر‭ ‬أوراقها‭ ‬بمرور‭ ‬الأزمنة‭ ‬وإن‭ ‬حصل‭ ‬هذا‭ ‬الاصفرار‭ ‬ممكن‭ ‬معالجته‭.‬

ومهما‭ ‬بعدت‭ ‬رسائلنا‭ ‬فهي‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬صحوة‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تحمينا‭ ‬من‭ ‬وهج‭ ‬الحاسوب‭ ‬الضار،‭ ‬فلا‭ ‬أشعة‭ ‬تغزوا‭ ‬العيون‭ ‬وتسبب‭ ‬العُمى‭ ‬وكبوة‭ ‬تؤذي‭ ‬بالكتاب‭ ‬نحو‭ ‬سلة‭ ‬المهملات‭.‬

وتظل‭ ‬الكتب‭ ‬عبر‭ ‬ميلادها‭ ‬التاريخي‭ ‬وانتقالها‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬إلى‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انتقالها‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬هي‭ ‬الآثار‭ ‬الأكثر‭ ‬بقاءً‭ ‬على‭ ‬تقلبات‭ ‬الزمن‭ ‬ودونها،‭ ‬تكون‭ ‬صحوتنا‭ ‬بميلاد‭ ‬تاريخ‭ ‬الورق‭ ‬وتفنن‭ ‬المخرجين‭ ‬في‭ ‬إخراجها‭ ‬فنياً‭ ‬هي‭ ‬الباقية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬بعدها‭ ‬موات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رائحة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬وهج‭ ‬يأخذنا‭ ‬لعشق‭ ‬الكتاب‭.‬

‭(‬من‭ ‬يذكر‭ ‬لي‭ ‬العدد‭ ‬الجديد‭ ‬للمجلة‭ ‬الصادرة‭ ‬حديثاً‭ ‬بالعنوان‭ ‬الرقمي،‭ ‬سيذكره‭ ‬قليلا،‭ ‬وسيقول‭ ‬آخرون‭ ‬إننا‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬بصدوره‭).‬

فأي‭ ‬عدد‭ ‬رقمي‭ ‬صادر‭ ‬حديثاً،‭ ‬تكون‭ ‬وجهته‭ ‬للقارئ‭ ‬مؤقتة‭ ‬أو‭ ‬وقتية‭ ‬وإن‭ ‬تراكمت‭ ‬الأعداد‭ ‬الرقمية‭ ‬للإصدارات‭ ‬الجديدة،‭ ‬تبقى‭ ‬حبيسة‭ ‬ظلها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الحاسوب‭ ‬دون‭ ‬حركة‭ ‬تذكر‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬خارجة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مكملة‭ ‬لرسالة‭ ‬الكتاب،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحس‭ ‬القارئ‭ ‬بسخونة‭ ‬أوراق‭ ‬ما‭ ‬للكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬من‭ ‬وهج‭ ‬خاص‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عرف‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬وعشق‭ ‬كل‭ ‬حرف‭ ‬فيه‭.‬

فليس‭ ‬هناك‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬الرقمي‭ ‬والورقي‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حافظ‭ ‬وحفيظ،‭ ‬الأول‭ ‬للقلم‭ ‬الثابت‭ ‬فوق‭ ‬الورق‭ ‬والثاني‭ ‬الحافظ‭ ‬لبوح‭ ‬القلم‭.‬

فالكتاب‭ ‬الرقمي‭ ‬هو‭ ‬فاعل‭ ‬مؤقت‭ ‬دون‭ ‬رائحة‭ ‬العشق‭ ‬والآخر‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬هو‭ ‬العشق‭ ‬الباقي‭ ‬والحافظ‭ ‬لرائحة‭ ‬الحب‭.‬

 

‭ ‬a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا