زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الذهب الذي يجعل العقل يذهب
والفتن تمزق بلادي، وشعبنا ينقسم إلى فريقين أحدهما يصفق للحرب الجارية في البلاد والآخر يستنكرها، والعداء يتنامى بين الفريقين، أحمد الله الذي بَرَّأني من التعصب: لا أتعصب في الرأي ولا لفريق كرة قدم ولا لمطرب، ولا لعرق ولا لجنس، وبحكم العمل في الصحافة الورقية والمرئية سنين عددا، فقد أعجبتني كتابات وأحاديث كثيرة لنقاد رياضيين رغم أنني لم أكن اتابع الأنشطة التي كانوا يعلقون عليها، فطريقة عرضهم للمواضيع تجعلها شيقة وجذابة، وبسبب عقدة مترسخة من علم الحساب، فإنني لا أقرا الصفحات الاقتصادية في الصحف، ما لم تكن هناك قضية مهمة مثار جدل ومطروحة بلغة سهلة، وربما طفشني من الصفحات الاقتصادية في الصحف العربية ان كثيرين من القائمين عليها لا علاقة لهم بالاقتصاد كـ«علم»، بل ومن تجربتي في الصحافة العربية: قد يستيقظ محرر رياضي يوما ليكتشف انه تم نقله الى القسم الاقتصادي أو الثقافي أو الاعلانات، وقد يتم تحويل مندوب إعلانات الى محرر في «المحليات»، وقد يصبح مصمم ومخرج الجريدة مصححا لغويا بفرمان «رئاسي». ولكنني اقرأ في الاقتصاد لأصحاب الاقتصاد، رغم انني قد لا أفهم بعض ما يقولونه، إدراكا مني بأن عدم الالمام بمجريات الأمور الاقتصادية يؤدي الى قصور في فهم الأحوال السياسية والاجتماعية.
ومن عجيب ما قرأته عن شؤون المال والاقتصاد مقال للصحفي البريطاني المخضرم وليام ريس موق، كتبه قبل سنوات، وطلعت من المقال باستنتاج بأنني لست على حق عندما استخف بهوس زوجتي باقتناء المشغولات الذهبية، حتى أصبتها بعقدة من الذهب. ويقول الكاتب ان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش كان شؤما على دنيا المال، فعندما صار رئيسا للولايات المتحدة في 20 يناير من عام 2001، كان سعر أونصة (اوقية) الذهب 266 دولارا، ومع نهاية ولايته الأولى كان السعر قد ارتفع الى 450 دولارا، في الستينيات والسبعينيات كان السعر الرسمي لأونصة الذهب 35 دولارا، ثم طار الى نحو 850 دولارا في عام 1980، والكارثة هي ان الدولار هو اللغة الرسمية لمعظم المعاملات التجارية في العالم وانهيار اسعاره يؤدي – كما حدث في السبعينيات – إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار النفط والفوائد البنكية والاضطرابات العمالية وارتفاع معدلات البطالة. والدولار في التحليل الأخير مجرد ورقة، يتوقف حجم المطبوع والصادر منها على تقدير البنك الاحتياطي المركزي الأمريكي، وكون الدولار «نقود» مجرد «عُرف»، أي أمر متفق عليه، في حين ان الذهب نقود حقيقية في «ذاته»، وخلال المائة عام الماضية فقد الدولار أكثر من 95% من قوته الشرائية، وفقد الاسترليني 98% من قوته الشرائية بينما كان الفقد بالنسبة الى العملات الأوربية والين الياباني 100%. وبالمقابل كان سعر أونصة الذهب في عام 1904 نحو أربعة جنيهات استرلينية وبنهاية عام 2004 كان سعره قد وصل إلى 235 استرلينيا (سعره اليوم 2716 دولارا للأونصة). وبقيت قوته الشرائية ثابتة – تقريبا – رغم التقلبات في قيمته، فالذهب يحافظ على قيمته لمدى طويل في حين أن قيمة العملة الورقية تصل حتما إلى نقطة الصفر. وكل الاستثمارات في العالم إما فعلية ملموسة او سائلة، ولا تكون الاثنين معا. البيت مثلا استثمار واقعي ملموس ويحتفظ بجزء من قيمته ولكن تحويله الى نقد يتطلب وقتا، والسندات الورقية «سيولة» في غالب الأحوال، ولكن خطأ متعمدا او غير مقصود من الجهة التي تصدرها قد يفقدها بعض او كل قيمتها، بينما الذهب ليس مجرد سند يتحكم فيه طرف ما، بل هو نقد سائل يكون مقبولا حتى عندما تكون بعض العملات الورقية مرفوضة.
يعني نساؤنا لسن عبيطات لأنهن مغرمات بتكويش الذهب، وكل ما في الأمر هو أن ذوق بعضهن تالف، خاصة في ما يتعلق بالقلادات التي تتدلى من الرقبة، فتبدو الواحدة مثل درويش يعلق في رقبته أشياء غير متجانسة.
وهناك أساور المعصم الاستعراضية عندما تضع الواحدة نحو كيلو من المشغولات على يديها فتبدو وكأنها مجرم في طريقه إلى سجن سويدي (الكلبشات في السويد من النحاس اللامع. احتراما للمجرمين).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك