زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
التلفزيون والثقافة والهيافة
بظهور القنوات الفضائية، انصرف كثيرون عن وسائل التسلية الأخرى، من بينها القراءة، ثم دارت الدوائر على التلفزيون بظهور الانترنت، ثم جاءت الهواتف الذكية التي فيها خصائص التلفزيون والإذاعة، وتحوي تطبيقات عديدة مشوقة، تصرف الناس أحيانا حتى عن الأكل والشرب. ولكن هل القراءة تسلية؟ نعم، فإذا لم تجدها مسلية وممتعة ومشوقة فلك العذر في أن تنصرف عنها. وكتب المناهج المدرسية للنجاح في الامتحان تفتقر الى عنصري التسلية والامتاع، ولهذا يتبخر معظم ما درسناه كطلاب بعد جرس نهاية الامتحانات بأسبوعين او ثلاثة.
ما أعنيه هو أنه ما لم تجد فيما تقرأه عنصر الإمتاع، فإنك لن تهضمه او تواصل قراءته، وهناك من يجد متعة في قراءة نظرية آينشتاين، وهناك من قرأ كتب الشيخ ابن تيمية كلها سبع مرات ويجد في كل مرة متعة جديدة، وهناك من يستمتع بقراءة كتب الرياضيات (الله يشفيهم ويعافيهم).. وما يميز المثقف عن «المتعلم» هو أن المثقف يطلع على مختلف صنوف المعرفة وتصبح القراءة عنده وسيلة التسلية الأساسية، ومن ثم وسيلة كسب المعارف الأولى، بينما المتعلم قد يكون شخصا كل حصيلته من العلم هي القراءة والكتابة، أو من هو ليس معنيًّا بعلم او معرفة خارج نطاق تخصصه الأكاديمي والمهني.
ولكن الفضائيات لهت جيلا كاملا عن القراءة، ثم جاء الإنترنت فتدنت شعبية الكتاب الورقي، حتى صار شخصا مثليا يتعرض لأسئلة من نوع: كيف تطيق حمل وقراءة كتاب من 400 صفحة؟ ومن يسأل هم عيالي. لاحظوا أنني استخدمت كلمة «لهت» التي هي من «اللهو» عند التحدث عن تأثير الفضائيات على جيل الشباب المعاصر، واللهو ليس كله سيئا فالنفس بحاجة إلى بعض اللهو والترويح، ومن معاني لهى يلهو «صرف النفس عن الشيء»، واستخدمت الكلمة هنا للقول بان التلفزيون صرف الكثيرين عن القراءة، ومع هذا فلست من «معارضي» التلفزيون، بل اعتقد انه أهم أداة تنوير منذ اختراع الطباعة. التلفزيون علم الناس أن لهم حقوقا، وله القدرة على توصيل المعلومة التي قد تكسبها من كتاب في ساعتين في خمس دقائق. ولولاه لما كان جيل الشباب أقل إقبالا على التدخين من جيل «الشياب»
ولكن العبرة في «ماذا تشاهد» على الشاشة: همك الأساسي والوحيد هو المسلسلات العربية والتركية؟ مرحبا بك في «محو الأمية»! كل علاقتك بالتلفزيون هي الأغاني؟ ليس هذا دليلا على حبك للموسيقى فعاشق الموسيقى الحقيقي يفضل سماعها على شريط أو قرص صوتي، وعندي يوتيوب فيه أطنان من الأغنيات والمقاطع الموسيقية. وربما أنت متعلق بشكل من يغني وبأشكال من يحيطون به/ بها. ولا يعني هذا أنني اعتبر مدمني المسلسلات المهندية والأغاني جهلة او «هايفين»،..حاشا.. هم فقط لا يعطون اهتماما كافيا لغذاء العقل الذي يوفره التلفزيون في جرعات مكثفة ويعطون الأولوية للفرفشة ذات التأثير الوقتي قصير الأمد. فالإفراط في كل شيء ضار بالصحة النفسية او العضوية، فحتى الماء إذا أفرطت في تناوله يسبب لك متاعب صحية جمة. لأنه يجرف المعادن والمواد الضرورية لصحة البدن، ومن ثم فإنه وفي تقديري فإن -حتى إدمان مشاهدة البرامج التلفزيونية الثقافية والعلمية ضار بالصحة والثقافة والعلم
والشاهد: منافع التلفزيون أكثر من مضاره، وفي عصر عولمة الفضاء فإن من لا يملكون خطوط دفاع قوية «يروحون فيها». (حدثتكم بالأمس عن شهلا التي هاجرت الى أمريكا مع زوجها ثم تأمركت، وأوعزت للشرطة انه داعشي كي تحصل على الطلاق، ومعه ممتلكات الزوج، والشاهد هو إذا كان عودك الثقافي والأخلاقي هشا فإنك ستجعل «مهند» مثلك الأعلى في العلاقات العاطفية.. وتثقب شفتك السفلى وتضع فيها قرطا.. ولا تقيم وزنا لقريب أو جار.. أما إذا كنت تقف على أرض صلبة فسترى العجب العجاب من دون أن تفقد القدرة على التمييز بين المايوه والحجاب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك