العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

عظمة الأمم تبنى بالسلم لا بالحروب يا ترامب!

{ ترامب‭ ‬جاء‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬لرئاسة‭ ‬أمريكا‭ ‬وسواء‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬45‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حاليا‭ ‬الرئيس‭ ‬47،‭ ‬فإن‭ ‬خلاصة‭ ‬أفكاره‭ ‬ومواقفه‭ ‬وحملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬في‭ ‬المرتين‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬حول‭: (‬كيف‭ ‬نجعل‭ ‬أمريكا‭ ‬عظيمة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى؟‭)! ‬والسؤال‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬أمريكا‭ ‬بالفعل‭ ‬دولة‭ ‬عظيمة‭ ‬بالبعد‭ ‬الفلسفي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والإنساني،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الحضاري‭ ‬لمفهوم‭ ‬العظمة،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬عظمى،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬عبر‭ ‬مسيرتها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬قوة‭ ‬مستبدة‭ ‬ومهيمنة‭ ‬وتتحرك‭ ‬بمفهوم‭ ‬كونها‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬عالمية‭! ‬تتعاطى‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ومع‭ ‬المصالح‭ ‬والمبادئ‭ ‬الدولية،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬خاضعة‭ ‬لقانونها‭ ‬الخاص‭ ‬ولمصالحها‭ ‬الكولونيالية‭! ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬المساحة‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحه‭ ‬الخاصة،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬متعارضة‭ ‬مع‭ ‬الأجندات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وإلا‭ ‬واجه‭ ‬إما‭ ‬حربا‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬عقوبات‭ ‬قاسية‭! ‬ولكأنها‭ ‬الجلاد‭ ‬والقاضي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭! ‬وتفرض‭ ‬تلك‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬الدولية‭ ‬بمنطقها‭ ‬الاستعماري‭ ‬وحده،‭ ‬دون‭ ‬يفوضها‭ ‬أحد‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬القاضي‭! ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬واقعا‭ ‬تحت‭ ‬رهان‭ ‬البلطجة‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭! ‬

{ الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بناء‭ ‬كل‭ ‬مؤسساتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمالية،‭ ‬بل‭ ‬والجيو‭ ‬استراتيجية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحروب‭ ‬وصناعة‭ ‬الأعداء‭ ‬والأزمات‭ ‬ثم‭ ‬إدارتها،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دولة‭ ‬سلم‭! ‬لأن‭ ‬بنيتها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬تسلم‭ ‬العهدة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬توصف‭ ‬قبلها‭ ‬بالإمبراطورية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬عنها‭ ‬الشمس‭! ‬وكما‭ ‬كانت‭ ‬بريطانيا‭ ‬تصنع‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬لزيادة‭ ‬نفوذها‭ ‬وقوتها،‭ ‬فإن‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬ورثت‭ ‬إرثها‭ ‬بذات‭ (‬المفهوم‭ ‬المرتبك‭ ‬للعظمة‭) ‬واصلت‭ ‬مسيرتها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬سطوة‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والاستفراد‭ ‬بقيادة‭ ‬العالم‭ ‬وشنت‭ ‬الحروب‭ ‬وأبادت‭ ‬في‭ ‬الشعوب،‭ ‬ودخلت‭ ‬حروبا‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬لكي‭ ‬تبني‭ ‬قوتها‭ ‬واستفرادها،‭ ‬وبسطوة‭ ‬القوة‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬العظمة‭! ‬لأن‭ ‬العظمة‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬والحضارات‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬كمفردة‭ ‬القوة‭ ‬المادية‭ ‬مع‭ ‬القوة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والروحية‭ ‬والإنسانية‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الباطشة‭ ‬النسق‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬العظمة،‭ ‬مع‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الشق‭ ‬الإنساني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والمعنوي‭ ‬والحضاري‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬الدولية‭! ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬عظمتها‭ ‬دائما‭ ‬ناقصة‭! ‬

{ العظمة‭ ‬التي‭ ‬يدور‭ ‬ترامب‭ ‬حولها‭ ‬ويقترب‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬من‭ ‬طموحه‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬حين‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الحروب‭ ‬القائمة‭ ‬ومحاربة‭  ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬تحقيقها،‭ ‬لأنه‭ ‬يتلاقى‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬أو‭ ‬النخبة‭ ‬الشيطانية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكا‭ ‬والعالم،‭ ‬بمفهوم‭ ‬العظمة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاستفراد‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالعالم‭ ‬وعبر‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬وحدها‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الرؤية‭ ‬تعني‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مرير،‭ ‬وتنافسية‭ ‬غير‭ ‬سليمة‭ ‬وغير‭ ‬حضارية‭ ‬مع‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى،‭ ‬التي‭ ‬تتطلع‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوى‭ ‬مؤثرة‭ ‬ومشاركة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬العالم،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬التنمية‭ ‬والتعددية‭ ‬القطبية‭ ‬والتكاملية‭ ‬والتنافسية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ! ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬منطلقات‭ ‬المسار‭ ‬التاريخي‭ ‬للدول‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬واليوم‭ ‬للمسار‭ ‬الأمريكي‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬التهديد‭ ‬بالحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثالثة‭ ‬وأقطابها‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وأمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فيما‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬أمرين‭: ‬

إما‭ ‬ترسيخ‭ ‬الاستفراد‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭ ‬مجددا‭ ‬وبالتهديد‭ ‬والضغوط‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬تعدّد‭ ‬الأقطاب‭! ‬فهل‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬العالم‭ ‬عظمته‭ ‬وليس‭ ‬عظمة‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬الناقصة‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬كونية‭ ‬شاملة‭ ‬ومفصلية،‭ ‬تحددّ‭ ‬من‭ ‬يقود‭ ‬العالم‭ ‬دون‭ ‬استفراد‭ ‬قوة‭ ‬واحدة‭ ‬بهذا‭ ‬العالم،‭!‬

{ هذا‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري‭ ‬لا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يعون‭ ‬أبعاده‭ ‬الحقيقية،‭ ‬أو‭ ‬هم‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينظروا‭ ‬إلى‭ ‬عظمة‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وليس‭ ‬عظمة‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬بشكل‭ ‬منفرد،‭ ‬والتي‭ ‬إن‭ ‬اقتصرت‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬قطب‭ ‬واحد،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬الاستبداد‭ ‬بالدول‭ ‬والديكتاتورية‭ ‬العولمية،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد‭ ‬بالأطراف‭ ‬الأخرى‭ ‬أو‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى‭! ‬وسؤال‭ ‬الحرب‭ ‬والسلم‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬العالم‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬وصراعات‭ ‬دائمة‭ ‬وحروب،‭ ‬أو‭ ‬يجعل‭ ‬العالم‭ ‬متجها‭ ‬إلى‭ ‬السلم‭ ‬والتنمية‭ ‬والتكاملية‭ ‬والشراكة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للدول‭ (‬لبناء‭ ‬العالم‭ ‬بوجه‭ ‬حضاري‭ ‬حقيقي‭) ‬وليتخذ‭ ‬مفهوم‭ ‬عظمة‭ ‬العالم‭ ‬بعده‭ ‬الكامل،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬اختزاله‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬والهيمنة‭ ‬بها‭! ‬

أمريكا‭ ‬لتكون‭ ‬عظيمة‭ ‬بالفعل‭ ‬كما‭ ‬يريدها‭ ‬ترامب‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬العالم‭ ‬بعين‭ ‬جديدة‭! ‬وأن‭ ‬تمسح‭ ‬من‭ ‬بنيتها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الحروب‭ ‬الجشع‭ ‬الاستعماري‭ ‬الذي‭ ‬يدفعها‭ ‬لتلك‭ ‬الحروب‭! ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬أخلاقية‭ ‬وإنسانية‭ ‬وحضارية‭ ‬باحترام‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬تتمكن‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬تحقيقه‭ ‬ولذلك‭ ‬فليس‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عظيمة‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحقيقي‭! ‬ولكنها‭ ‬ستكون‭ ‬قوة‭ ‬استعمارية‭ ‬كبرى‭ ‬فقط‭ ‬ولا‭ ‬صلة‭ ‬لذلك‭ ‬بالمفهوم‭ ‬العميق‭ ‬للعظمة‭ ‬ذات‭ ‬الأبعاد‭ ‬الكثيرة‭ ‬وليس‭ ‬البعد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والعسكري‭ ‬فقط‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا