العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

منتدى أصيلة الثقافي يناقش الديمقراطية والعدالة الكونية

بقلم: سميرة بن رجب

السبت ١٦ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

اجتمع‭ ‬عددٌ‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬أصيلة‭ ‬الثقافي‭ ‬بدورته‭ ‬الـ45‭ ‬حول‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الفكريَّةِ‭ ‬المهمة،‭ ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬نصيبُ‭ ‬المشاركةِ‭ ‬في‭ ‬جلسةٍ‭ ‬فكرية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬25‭-‬26‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024‭ ‬مخصصة‭ ‬لمناقشة‭ ‬مفاهيم‭ ‬الديمقراطيَّةِ‭ ‬والعدالة‭ ‬الكونيَّة،‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬العالمَ‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬تصاعدِ‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعاتِ‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬الدمويَّة،‭ ‬والإفراطِ‭ ‬في‭ ‬هيمنة‭ ‬القوي‭ ‬على‭ ‬الضعيف‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدوليَّة،‭ ‬حتى‭ ‬جعلت‭ ‬الإنسانيَّةَ‭ ‬تبدو‭ ‬حلبةَ‭ ‬صراعٍ‭ ‬يهيمنُ‭ ‬عليها‭ ‬قانونُ‭ ‬الغاب،‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬الأسودَ‭ ‬المتصارعةَ‭ ‬حول‭ ‬الهيمنةِ‭ ‬والسيطرة،‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬الدولِ‭ ‬الضعيفة‭ ‬وجبالٍ‭ ‬من‭ ‬الجماجم‭ ‬البشرية‭ ‬وجثث‭ ‬الأطفال‭ ‬والمدنيين‭ ‬العزل‭... ‬

وحول‭ ‬مفهومِ‭ ‬العدالة‭ ‬الكونيَّة‭ ‬كان‭ ‬للمفكرين‭ ‬العرب‭ ‬رأي‭ ‬وصوتٌ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬المنتدى‭ ‬الفكري‭ ‬الإبداعي‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬الأطولَ‭ ‬عمرًا‭ ‬والأكثر‭ ‬استدامة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬كلِّ‭ ‬المؤسساتِ‭ ‬العربيَّة‭ ‬الشبيهة،‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتمكنَ‭ ‬من‭ ‬مقاومة‭ ‬ظروف‭ ‬كثيرة‭ ‬أدت‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬تجميدِها‭ ‬فكريًّا‭ ‬أو‭ ‬انتهائها‭ ‬تنظيميًّا،‭ ‬مما‭ ‬يحمّلنا‭ ‬المسؤولية‭ ‬لتوجيه‭ ‬كلمة‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬منتدى‭ ‬أصيلة‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬أنه‭ ‬يعملُ‭ ‬بجهدٍ‭ ‬علمي‭ ‬وإداريِّ‭ ‬وفكريِّ‭ ‬وإبداعيِّ‭ ‬متقن،‭ ‬وبمبادئ‭ ‬عربية‭ ‬وإنسانيَّة‭ ‬راقية،‭ ‬رفعته‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬العالمية‭ ‬المستدامة‭ ‬الحاضنة‭ ‬للمفكرين‭ ‬والفلاسفة‭ ‬والمبدعين،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬مستحقًا‭ ‬لكل‭ ‬أنواع‭ ‬الدعم‭ ‬الرسميِّ‭ ‬والشعبيِّ،‭ ‬للتمكّن‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬رفد‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب‭ ‬والفن‭ ‬العربي‭ ‬بمساحة‭ ‬قومية‭ ‬ودولية‭ ‬واسعة‭ ‬وبالمقومات‭ ‬القادرة‭ ‬عن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬كقوة‭ ‬ناعمة‭ ‬تمثل‭ ‬ضميرَ‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج،‭ ‬في‭ ‬صوت‭ ‬واحد‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭... ‬وكانت‭ ‬مشاركتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الورقة‭ ‬الفكرية‭ ‬التالية‭:‬

 

الديمقراطية‭ ‬والعدالة‭ ‬الكونـة‭ ‬الإنسانية

تناقضٌ‭ ‬صارخٌ‭ ‬بين‭ ‬المحليِّ‭ ‬والدوليِّ

لن‭ ‬أتطرقَ‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬مفهومِ‭ ‬الديموقراطيَّة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬دقيق‭ ‬وبمنظور‭ ‬معين،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬المفهومَ‭ ‬معقّد،‭ ‬جدليٌّ،‭ ‬يرتبطُ‭ ‬بخصائص‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬وسماته،‭ ‬وتختلف‭ ‬حوله‭ ‬الآراءُ‭ ‬والمحددات‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭. ‬وسأكتفي‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬للديموقراطية‭ ‬أشكالا‭ ‬متنوعة‭ ‬تختلفُ‭ ‬باختلاف‭ ‬آليات‭ ‬تنفيذها‭ (‬مباشرة‭/ ‬غير‭ ‬مباشرة‭/ ‬شبه‭ ‬مباشرة‭)‬،‭ ‬وبطرق‭ ‬تطبيقها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ (‬ليبرالية،‭ ‬اشتراكية،‭ ‬ملكية،‭ ‬جمهورية،‭ ‬نيابية،‭ ‬حزب‭ ‬واحد‭). ‬

والعنصرُ‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬هذه‭ ‬الأشكالِ‭ ‬والتصنيفات‭ ‬هي‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬المعلنة‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬توفرها‭ ‬ممارسة‭ ‬العملية‭ ‬الديموقراطيَّة‭ ‬محليًّا‭ ‬ودوليًّا،‭ ‬ومنها‭: ‬سيادةُ‭ ‬القانون،‭ ‬ضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات‭ ‬الأساسية،‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة‭.   ‬

أما‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مصطلحِ‭ ‬العدالة،‭ ‬وما‭ ‬ينبثقُ‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬مفهومي‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعدالة‭ ‬الكونية،‭ ‬فهو‭ ‬مفهومٌ‭ ‬تشوبه‭ ‬نفسُ‭ ‬التعقيداتِ‭ ‬والاختلافات‭ ‬بين‭ ‬الباحثين‭ ‬والمفكرين‭ ‬والمختصين‭ ‬بسبب‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاتفاق‭ ‬البالغ‭. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬التوافق‭ ‬حول‭ ‬المفهوم‭ ‬العام‭ ‬لمصطلح‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فإن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يعود‭ ‬الاختلاف‭ ‬حول‭ ‬مجالاته‭ ‬ومكوناته‭ ‬باختلاف‭ ‬الدلالات‭ ‬والانتماءات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬السياسية‭ ‬والسياقات‭ ‬المستخدمة‭.‬

وهنا‭ ‬سأحاول‭ ‬التركيزَ‭ ‬على‭ ‬التناقض‭ ‬الصريح‭ ‬بين‭ ‬محاولات‭ ‬فرض‭ ‬مفهوم‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬والتنكر‭ ‬الفاضح‭ ‬للعدالة‭ ‬الكونية‭ ‬المزعومة‭ ‬لباقي‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬مستندة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬إلى‭ ‬وقائع‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬أمام‭ ‬غطرسة‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬وتأثيرها‭ ‬القوي،‭ ‬بل‭ ‬تَحَكّمَها،‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬وفرضها‭ ‬لقرارات‭ ‬أممية‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬إخلالات‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالديموقراطية‭ ‬والكونية‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتتسبب‭ ‬في‭ ‬تداعيات‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تئن‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬تصاعد‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة،‭ ‬وظروف‭ ‬القتل‭ ‬والإبادات‭ ‬الجماعية‭ ‬والتهجير‭ ‬والتشرد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬والأمية‭ ‬وانتشار‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬البشرية‭. ‬

 

الديموقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬ليست‭ ‬

النظام‭ ‬الأمثل‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة

من‭ ‬أهم‭ ‬المغالطات‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الليبرالية‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الربط‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وكأنهما‭ ‬كلمتان‭ ‬مترادفتان‭ ‬لمفهوم‭ ‬واحد‭... ‬فعديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬الأحزاب‭ ‬والجمعيات‭ ‬السياسية،‭ ‬تُعَرّف‭ ‬نفسها‭ ‬وأعضاءها‭ ‬بالليبرالية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬معاً،‭ ‬رغم‭ ‬التعارض‭ ‬بينهما،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعترف‭ ‬به‭ ‬مفكر‭ ‬النهضة‭ ‬الغربية‭ ‬الليبرالي‭ ‬جون‭ ‬ستيوارت‭ ‬الذي‭ ‬وجد‭ ‬ذلك‭ ‬التعارض‭ ‬الشديد‭ ‬بين‭ ‬الليبرالية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬فقام‭ ‬بمهمة‭ ‬التوفيق‭ ‬بينهما‭ (‬قبل‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬إنه‭ ‬وَفِّق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المهمة،‭ ‬نسبة‭ ‬لما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬‮«‬الديمقراطية،‭ ‬الليبرالية‮»‬‭. ‬

ويؤكد‭ ‬الاستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬الأردني‭ ‬الدكتور‭ ‬هشام‭ ‬غصيب‭ ‬هذا‭ ‬التعارض‭ ‬بملاحظات‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬دعاة‭ ‬الليبرالية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬قبل‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬دعاة‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬مناهضتها‭ (‬أي‭ ‬الديمقراطية‭)... ‬وبعد‭ ‬صراع‭ ‬طويل‭ ‬بينهما‭ ‬تم‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الليبرالية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬عند‭ ‬بدء‭ ‬حاجة‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والأمني‭... ‬حيث‭ ‬الحرية‭ ‬الليبرالية‭ ‬بالتملك‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬تعد‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الهيمنة‭ ‬الاحتكارية‭ ‬المطلقة‭ ‬للشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬ضد‭ ‬قوة‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭... ‬وعندما‭ ‬سادت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬البورجوازية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬تنامي‭ ‬قوة‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬هناك،‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحد‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الليبرالية‭ ‬الاقتصادية‭... ‬فالليبرالية،‭ ‬في‭ ‬دعوتها‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬التملك‭ ‬الخاص‭ ‬وفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لقوى‭ ‬السوق،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بالهيمنة‭ ‬المطلقة‭ ‬للاحتكارات‭ ‬والشركات‭ ‬الكبرى‭. ‬وأما‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فهي‭ -‬حتى‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬البورجوازي‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الغرب‭- ‬حصيلة‭ ‬نضالات‭ ‬جماهيرية‭...‬‮»‬،‭ ‬وبالمحصلة‭ ‬ينحصر‭ ‬دور‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تغول‭ ‬النخب‭ ‬الاحتكارية‭ ‬وتوسع‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار،‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬الليبرالية‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والسياسة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

وقد‭ ‬ذهب‭ ‬ماركس‭ ‬وانجلز‭ (‬الماركسيون‭) ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إقرارهما‭ ‬بالفرق‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والليبرالية،‭ ‬فهما‭ ‬أيضًا‭ ‬أقرا‭ ‬بأن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والليبرالية‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة‭ ‬تخدم‭ ‬فقط‭ ‬الطبقة‭ ‬الرأسمالية‭ (‬الرأسمالية‭ ‬الاحتكارية‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬يعتبران‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬القطاع‭ ‬الأوسع‭ ‬لفئات‭ ‬الشعب‭ ‬مثل‭ ‬الفلاحين‭ ‬والعمال‭ ‬والبرجوازية‭ ‬الصغيرة‭ ‬وضد‭ ‬الشركات‭ ‬الاحتكارية‭ ‬الكبرى‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬فإن‭ ‬كلا‭ ‬الاتجاهين‭ ‬يصلان‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬واحدة‭ ‬رغم‭ ‬الخلافات‭ ‬بينهما،‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬يشتركان‭ ‬في‭ ‬فصلهما‭ ‬بين‭ ‬الليبرالية‭ ‬والديمقراطية‭.‬

ولكن‭ ‬الليبرالية‭ ‬كأيديولوجيا،‭ ‬تبلورت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أفكار‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬فلاسفة‭ ‬الغرب‭ ‬التجريبيين‭ ‬المؤمنين‭ ‬بمذهب‭ ‬المنفعة‭ ‬الخاصة‭ ‬ضمن‭ ‬أطر‭ ‬أخلاقية‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬الغربية،‭ ‬مرت‭ ‬بتغييرات‭ ‬كبيرة‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬النمط‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬تسويقه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬النموذج‭ ‬الأنجح‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬انتصاره‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الأيديولوجيات‭ (‬الشيوعية‭ ‬واليسارية‭)‬،‭ ‬ممّا‭ ‬سرّع‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬العولمة‭ ‬والأمركة،‭ ‬ولم‭ ‬يُترك‭ ‬مجال‭ ‬لباقي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ (‬الدول‭ ‬النامية‭) ‬سوى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الليبرالية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬ربطها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بالديموقراطية،‭ ‬سواء‭ ‬أحبت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أم‭ ‬أبت‭.‬

وتجسّد‭ ‬تعنّت‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬الليبرالية‭ ‬بالديموقراطية‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬مفكرين‭ ‬غربيين‭ ‬كُثر،‭ ‬من‭ ‬أهمهم‭ ‬أستاذ‭ ‬السياسة‭ ‬والسياسة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬ياباني،‭ ‬فرانسيس‭ ‬فوكوياما،‭ ‬الذي‭ ‬انتمى‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد‭.‬

ويرى‭ ‬فوكوياما‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬سنة‭ ‬1992‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬والرجل‭ ‬الأخير‮»‬‭ (‬The‭ ‬End‭ ‬of‭ ‬History‭ ‬and‭ ‬the‭ ‬Last‭ ‬Man‭)‬،‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬وأن‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬هي‭ ‬الحد‭ ‬الأعلى‭ ‬لتطور‭ ‬الفكر‭ ‬البشري‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬الأخرى‭. ‬يقول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭: ‬‮«‬ربما‭ ‬كنا‭ ‬نشهد‭ ‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬نقطة‭ ‬النهاية‭ ‬للتطور‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬للبشرية‭ ‬وتعميم‭ ‬الليبرالية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬كشكل‭ ‬نهائي‭ ‬للحكومة‭ ‬الإنسانية‮»‬‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نظريته‭ ‬لم‭ ‬تُعمّر‭ ‬طويلا،‭ ‬إذ‭ ‬تراجع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬أصول‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‮»‬‭ (‬The‭ ‬Origins‭ ‬of‭ ‬Political‭ ‬Order‭)‬،‭ ‬وأكد‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للتاريخ‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬ولا‭ ‬ينتهي‭. ‬وتراجع‭ ‬أكثر‭ ‬عن‭ ‬مواقفه‭ ‬السابقة‭ ‬المتبجّحة‭ ‬بانتصار‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الليبرالية،‭ ‬بحيث‭ ‬اعترف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬‮«‬من‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬حتى‭ ‬عولمة‭ ‬الديموقراطية‮»‬‭ (‬Political‭ ‬Order‭ ‬And‭ ‬Political‭ ‬Decay‭: ‬From‭ ‬the‭ ‬Industrial‭ ‬revolution‭ ‬to‭ ‬the‭ ‬Globalization‭ ‬of‭ ‬democracy‭)‬،‭ ‬باضمحلال‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬والأمريكية‭ ‬وصعود‭ ‬الأحزاب‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬ووصل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬ولائه‭ ‬لأفكار‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد‭.‬

إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬بقيت‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬صدام‭ ‬الحضارات‮»‬‭ ‬لأستاذه‭ ‬صامويل‭ ‬هنتنجتون‭ ‬هي‭ ‬النظرية‭ ‬السائدة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬الصراعات‭ ‬العالمية،‭ ‬التي‭ ‬ستزداد‭ ‬وبشكل‭ ‬أعنف‭ ‬عن‭ ‬السابق،‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬حضارية‭ ‬وثقافية‭ ‬وليست‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬أيديولوجية‭ ‬وعقائدية‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬

ويتّضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬ربط‭ ‬الديموقراطية‭ ‬بالليبرالية‭ ‬والتسويق‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬كخيار‭ ‬أمثل‭ ‬للتطور‭ ‬والرقي‭ ‬والعدالة‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬هي‭ ‬فكرة‭ ‬غير‭ ‬دقيقة،‭ ‬ربما‭ ‬نجحت‭ ‬نسبيًّا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬نتيجة‭ ‬توفر‭ ‬عناصر‭ ‬خاصة‭ ‬بسمات‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬ونسيج‭ ‬مجتمعاتها،‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬العدالة‭ ‬المزعومة،‭ ‬وكانت‭ ‬مدمرّة‭ ‬لباقي‭ ‬الشعxوب،‭ ‬لأنها‭ ‬استُخدمت‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التوسع‭ ‬الاستعماري‭ ‬وترسيخ‭ ‬التبعية‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬الغربية،‭ ‬وذلك‭ ‬بشهادة‭ ‬مفكري‭ ‬الغرب‭ ‬وخاصة‭ ‬صاحب‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬صدام‭ ‬الحضارات‮»‬‭ ‬نفسه‭.‬

 

القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأممية‭ ‬وأسطورة‭ ‬العدالة‭ ‬الكونية

بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬نقرأ‭ ‬بصورة‭ ‬واضحة‭ ‬أرقى‭ ‬العبارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬حول‭ ‬العدالة‭ ‬الكونية،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬السلام‭ ‬والكرامة‭ ‬والمساواة‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬ينعم‭ ‬بالصحة‮»‬‭. ‬وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬ديباجة‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نقرأ‭ ‬أيضا‭ ‬كلاما‭ ‬جميلا‭ ‬منمّقا‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬إنقاذ‭ ‬الأجيال‭ ‬المقبلة‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب،‭ ‬وضمان‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للإنسان؛‭ ‬ويؤكد‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬واحترام‭ ‬الالتزامات‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬المعاهدات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬تنم‭ ‬هذه‭ ‬الشعارات‭ ‬والعبارات‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬بصلة،‭ ‬لأن‭ ‬اقتراح‭ ‬وتنفيذ‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬والقرارات‭ ‬الأممية‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬وتُجسد‭ ‬قوانين‭ ‬وعدالة‭ ‬يحكمها‭ ‬الأقوياء‭ ‬أصحاب‭ ‬المشاريع‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬مصالحها،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬بفلسفة‭ ‬العدالة‭ ‬الكونية‭ ‬المزعومة‭ ‬والتي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يُروَّج‭ ‬لها‭ ‬عبر‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الليبرالية‭... ‬وأوجز‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬البنود‭ ‬الثلاثة‭ ‬التالية‭:‬

-1‭ ‬عدم‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬هيكلية‭ ‬

مؤسسات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬تشكيل‭ ‬مؤسسات‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬بُنيت‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬وضعها‭ ‬المنتصرون‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬ولم‭ ‬تُؤخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬مصالح‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭. ‬وبالتالي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عدالة‭ ‬كونية‭ ‬في‭ ‬بُعدها‭ ‬الدولي‭ ‬وليس‭ ‬المحلي،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬ولم‭ ‬تُطرح‭ ‬أبدا‭.‬

فمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬الدولية‭ ‬وتفادي‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬النبيلة‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬تأسيسه،‭ ‬فإنه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬المتصارعة‭ ‬والدول‭ ‬دائمة‭ ‬العضوية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬ومصالح‭ ‬أيديولوجياتها‭ ‬واستراتيجياتها‭ ‬واقتصاداتها‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬قضايا‭ ‬ومشاكل‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬الأخرى‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المراتب‭ ‬النهائية،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭.‬

وأكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬عمل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬أحداث‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬وصدام‭ ‬وصراعات‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬عاجلة‭ ‬ملزمة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أعضاءه‭ ‬قدّموا‭ ‬مصالح‭ ‬بلدانهم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصالح‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ولم‭ ‬يتوصلوا‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬عادل‭ ‬ومنصف‭ ‬للقضايا‭ ‬والمشاكل‭ ‬والحروب‭ ‬الدولية‭ ‬المطروحة‭ ‬أمامهم‭. ‬بل‭ ‬أدت‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬بلدان‭ ‬عديدة،‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬التدخل‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬بقرارات‭ ‬أممية‭ ‬تحت‭ ‬البند‭ ‬السابع،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وتفقير‭ ‬شعوبها‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬وتقاسم‭ ‬ثرواتها‭.‬

المثال‭ ‬الآخر‭ ‬المخزي‭ ‬والمحزن‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬يوميا‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭ ‬هو‭ ‬إبادة‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تحت‭ ‬عيون‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الذي‭ ‬وفّر‭ ‬لكل‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬أعضائه‭ ‬الدائمين‭ ‬‮«‬سيف‭ ‬ديموقليس‮»‬‭ (‬حق‭ ‬الفيتو‭) ‬ليستخدمه‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭ ‬ومتى‭ ‬شاء‭ ‬لإخضاع‭ ‬الشعوب‭ ‬وقتل‭ ‬الأبرياء‭. ‬

وعموما‭ ‬هناك‭ ‬شبه‭ ‬إجماع‭ ‬عام‭ ‬بأن‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬باتت‭ ‬مشلولة،‭ ‬وخاصة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬العظمى،‭ ‬ولا‭ ‬يُحقق‭ ‬العدالة‭ ‬المنشودة‭ ‬لباقي‭ ‬أعضاء‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬منها،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬مؤخرًا‭ ‬لتعالي‭ ‬الأصوات‭ ‬المطالبة‭ ‬بإجراء‭ ‬تغييرات‭ ‬تضمن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬أكثر‭ ‬عدلا‭ ‬وتمثيلا‭ ‬للشعوب‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

-2‭ ‬عدم‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة

من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ملزمة‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬حتى‭ ‬يسود‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والعدالة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬إن‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الأممية‭ ‬بقيت‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭... ‬والأكثر‭ ‬أسفاً‭ ‬أن‭ ‬أغلبية‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُنفذ‭ ‬تخص‭ ‬البلدان‭ ‬الضعيفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬لها‭ ‬أمام‭ ‬بطش‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭.‬

ومرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فإن‭ ‬عشرات‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬طوال‭ ‬الخمسين‭ ‬سنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لصالح‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وإنصاف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الضعيف،‭ ‬بقيت‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬تجاهلتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬مدعومة‭ ‬بحلفائها‭ ‬الغربيين،‭ ‬وواصلت‭ ‬التنكيل‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬أعضاء‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية،‭ ‬وآخرها‭ ‬قرارات‭ ‬وقف‭ ‬النار‭ ‬وقرارات‭ ‬الهدنة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬رمتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬القمامة،‭ ‬وواصلت‭ ‬عملية‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ممنهجة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬بقيت‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬تتفرج‭ ‬مشلولة،‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬قراراتها‭.‬

وفي‭ ‬الإطار‭ ‬نفسه،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬بأنه‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬الوقف‭ ‬الفوري‭ ‬لهجومها‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬رفح‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وفتح‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬لدخول‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬للقطاع،‭ ‬وكذلك‭ ‬ضمان‭ ‬وصول‭ ‬أي‭ ‬لجنة‭ ‬تحقيق‭ ‬أو‭ ‬تقصي‭ ‬حقائق‭ ‬بشأن‭ ‬تهمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬واصلت‭ ‬عدوانها‭ ‬على‭ ‬رفح،‭ ‬وامتد‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان،‭ ‬مدعومة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بحليفتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬أرسلت‭ ‬البوارج‭ ‬لحمايتها‭ ‬والتغطية‭ ‬على‭ ‬جرائمها‭. ‬فعلى‭ ‬أي‭ ‬عدالة‭ ‬كونية‭ ‬نتحدّث؟‭! ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬فصل‭ ‬العدالة‭ ‬المحلية‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية؟‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬وصفة‭ ‬تصلح‭ ‬لشعب‭ ‬دون‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬لدولة‭ ‬دون‭ ‬أخرى؟‭!‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأممية‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬تحتكرها‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬أو‭ ‬النافذة‭ ‬التي‭ ‬تُؤثر‭ ‬في‭ ‬توجهاتها‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تمثيل‭ ‬عادل‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬عضوية‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬أو‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭. ‬

-3‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬آليات‭ ‬محاسبة‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬المزعزعة‭ ‬للسلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭ ‬بالعمليات‭ ‬غير‭ ‬الشرعية

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬وزعزعة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صنيعة‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬فيها‭ ‬إحدى‭ ‬الطرق‭ ‬والأساليب‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬نفوذها‭ ‬ومواصلة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أو‭ ‬الجيوسياسية‭.‬

فكم‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬انقلاب‭ ‬تم‭ ‬التخطيط‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الغربية‭ ‬أساسا؛‭ ‬تارة‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬والتمويل‭ ‬اللازمين،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬استخدام‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكالها‭ (‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭... ‬وغيرها‭)‬

وكل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬وغير‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬لا‭ ‬تتبعها‭ ‬محاسبات‭ ‬وتُحفظ‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬لأن‭ ‬العدالة‭ ‬يحكمها‭ ‬الأقوياء،‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬للشعوب‭ ‬والدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬من‭ ‬يعتدي‭ ‬عليها‭.‬

إن‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬مفهوم‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجزئته،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬غابة‭ ‬دولية‭ ‬يرتع‭ ‬فيها‭ ‬الأقوياء،‭ ‬ولا‭ ‬يُترك‭ ‬للضعيف‭ ‬المجال‭ ‬حتّى‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭. ‬

هناك‭ ‬عدم‭ ‬توازن‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الأممي؛‭ ‬هناك‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية؛‭ ‬هناك‭ ‬أنظمة‭ ‬مالية‭ ‬واقتصادية‭ ‬دولية‭ ‬مجحفة؛‭ ‬هناك‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬العدالة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير؛‭ ‬والوضع‭ ‬الدموي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬ارتفع‭ ‬بمعدلات‭ ‬قياسية،‭ ‬وأصبح‭ ‬العالم‭ ‬يعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التخبط‭ ‬والغليان‭ ‬والإحباط‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬توفير‭ ‬العدالة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفردي‭ ‬‭-‬المجتمعي‭ ‬أو‭ ‬الإقليمي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجودِ‭ ‬قانونٍ‭ ‬دوليٍّ‭ ‬عادل‭ ‬يعطي‭ ‬جميعَ‭ ‬الدول‭ ‬والشعوبِ‭ ‬فرصًا‭ ‬متساوية‭ ‬ولو‭ ‬نسبيًّا؟

 

أسطورة‭ ‬المبادئ‭ ‬الكونية‭ ‬الإنسانية

لربما‭ ‬تكون‭ ‬العدالة‭ ‬الكونية‭ ‬المزعومة‭ ‬ضمن‭ ‬مفهوم‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم،‭ ‬وبشكل‭ ‬نسبي،‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬النظام‭ ‬الليبرالي‭ ‬الرأسمالي‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬ممارسة‭ ‬ديموقراطية‭ ‬حقيقية‭ ‬لشعوبه‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عدالة‭ ‬كونية‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬ومصالح‭ ‬الدول‭ ‬وتطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والقرارات‭ ‬الأممية‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأممية‭ ‬نفسها‭. ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬مبادئ‭ ‬الكونية‭ ‬الإنسانية‭ ‬تبقى‭ ‬أسطورة‭ ‬أو‭ ‬شعارا‭ ‬صعب‭ ‬المنال‭ ‬أمام‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬وأممي‭ ‬يحكمه‭ ‬الأقوياء،‭ ‬ويُفرض‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬النامية‭. ‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬لا‭ ‬يمكنُ‭ ‬قلبُ‭ ‬المعادلةِ‭ ‬الحالية‭ ‬المجحفة‭ ‬في‭ ‬مفاهيمِ‭ ‬العدالة‭ ‬الكونيَّة‭ ‬المتطرفة‭ ‬والمنحازة‭ ‬إلى‭ ‬صالح‭ ‬الدول‭ ‬القوية،‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تملكُ‭ ‬أكبرَ‭ ‬قوةٍ‭ ‬من‭ ‬أسلحةِ‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬لتكونَ‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬أكثرَ‭ ‬عدالة‭ ‬وإنسانيَّة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الدول‭ ‬الأصغر‭ ‬والأقل‭ ‬تسليحًا‭ ‬وقوة،‭ ‬إلا‭ ‬بالبدء‭ ‬بعملية‭ ‬إصلاح‭ ‬جذريَّة‭ ‬في‭ ‬هيكليَّة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬ونظام‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬لجميعِ‭ ‬الدول‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم‭ ‬حقوقَها‭ ‬العادلة‭. ‬

sr@sameerarajab‭.‬net‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا