القراء الأعزاء،
يُقال إن القضاء الأمريكي قد انتهى إلى استخدام جملة (القانون لا يحمي المغفلين) في حكم أصدره أحد القضاة في مجموعة قضايا رفعها المتضررون من تصرف فقير أراد أن يُحقق ثروة باستخدام ذكائه، حيث كان يعاني وعائلته من الفقر الشديد، ففكّر بخطة محكمة يحصل منها على الأموال التي يريدها في وقت قصير، وتمثلت الخطة في أن يقوم بنشر إعلان في إحدى الصحف الأمريكية، طلب فيه من الأشخاص الراغبين في الثراء إرسال دولار واحد إلى عنوان بريده، وقد صدّقه الملايين من الأمريكيين وقاموا بإرسال الدولارات، حتى تمكن هذا الرجل من جمع ملايين الدولارات بسهولة واختفى، ولكنه ظهر بعد فترة ليضع إعلانا صحفيا جديدا، يشرح فيه للناس أسهل طريقة للحصول على الأموال، وكتب في إعلانه «هكذا تصبح ثريا»، وقد كانت هي الطريقة التي فعلها مسبقاً كي يتمكن من جمع الأموال والتي بدأت بإرسال دولار أمريكي واحد إلى عنوان بريده، وعندما انتشر الخبر بين الأشخاص الذين أرسلوا له المال إلى صندوق بريده في وقت سابق، قاموا برفع دعاوى قضائية ضده لاستعادة الأموال التي أخذها منهم بالاحتيال والنصب، ورفض القضاء الدعوى على أساس من أن الأشخاص الذين صدقوا إعلانا كاذبا اشتروا الوهم، والقانون في هذه الحالة لن يتمكن من حمايتهم لأن القانون لا يحمي المغفلين.
وسأحكي لكم قصة حدثت منذ فترة وقعت ضحيتها إحدى الفتيات، حيث قام فيها شخص من أصول عربية ومن المفترض أن يكون من الثقات، باستغلالها مادياً والاستيلاء منها على مبالغ طائلة بدعوى تقديم المشورة المتخصصة لها في مناسبة وطنية مهمة، استغل خلالها قلة خبرتها وحداثتها في هذا الشأن استغلال المتمرّس فتحصّل منها على تلك المبالغ دون وجه حق وبمختلف وسائل الاحتيال، ولكن بطرق قانونية مُحكمة وغير قابلة للتشكيك فيها، فوقفت فتاتنا وجهاً لوجه أمام مقولة (القانون لا يحمي المغفلين).
ويقال في أمثالنا الشعبية إن (المال عديل الروح) لذا أريدكم أن تشعروا معي بمدى قسوة وقوع الإنسان ضحية الثقة في شخص ينبئ ظاهره وحضوره في المجتمع وجميع المعطيات المحيطة به بأنه أهل للثقة، ليقوم بسلب أمواله جهاراً نهاراً والتمتع بها أمام عينه، وبحجم المعاناة التي قد يمرّ بها هذا الشخص(الضحية) وبخاصة إذا كان الاحتيال قد تمّ بإجراءات قانونية مُحكمة غير قابلة للطعن عليها، وتخيلوا شعور الضحية الذي لا شك سيتراوح بين الغبن والقهر، وقد يؤثر في سكينته واطمئنانه واستقراره النفسي والمجتمعي.
وحيث إننا في واقعنا نسمع هذه الجملة تتردد كثيراً، وقد ضاعت بناء عليها حقوق ضعفاء أو مستضعفين وقعوا ضحايا لأشخاص بلا إنسانية ولا دين، متمرسين في النصب والاحتيال بمنتهى الحرفنة والدقة التي تستطيع أن تقلب موازين الحقيقة لتُظهر الباطل عليها، وتجعلهم أصحاب الحق بخلاف الواقع، الأمر الذي يستوجب اجتهاد القضاء في الوصول إلى قاعدة جديدة تنسخ تلك القاعدة وتلغيها، حيث إن الأصل أن القانون قد وُجد ليحقق الحماية للمصالح والحقوق والحريات على أسس من مبدأ المساواة، ودون تمييز بين عاقل وغير عاقل، وبين فطين ومُغفّل، ( ولو أنني لا أعتقد بصفة المغفل في مسائل الاحتيال، لأنها تقوم بعمل يهدف إلى تضليل إنسان آخر عمدًا للحصول على منفعة منه أو الاستيلاء على أمواله باستخدام الطرق الاحتيالية أو وسيلة من وسائل التدليس بما فيها الكذب والخداع والإيهام) لاسيما وأن الاحتيال والاستغلال والاستغفال قد يرد على أيّ كان حين يُحاط بعوامل عدّة قد تُسهّل حدوثه، بل إنه وبخلاف المقولة الشهيرة فإن من اعتبرته مغفلا في مثل هذه الظروف هو الذي -في رأيي- يستحق حماية أكبر لأنه أصبح لظروف وملابسات معينة في وضع جعله عرضة للوقوع ضحية للاحتيال وأضعفت مركزه القانوني إلى حدّ تسميته -جوراً- بالمغفل، أخذاً بالاعتبار أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان قد حافظت على مبدا الحماية الأفضل والأوسع لحقوق الانسان وقررت بأنه لا يُعد إخلالا بمبدأ المساواة منح حقوق خاصة لازمة وضرورية لأصحاب المراكز القانونية الضعيفة لتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص.
أما فتاتنا صاحبة الحق فأفوّض أمرها إلى الله ولعل جهة مختصة ما تتدخل من أجل إرجاع أموالها المغصوبة وحماية الضحايا المستقبليين من أمثاله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك