الموت ليس عدمًا مطلقًا، بل هو جسر ينقلنا من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة بدليل قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185) لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (186)) سورة آل عمران.
إذًا، فالحياة الدنيا عمل وابتلاء ، وأما الحياة الآخرة، فحساب وجزاء، ومن عظيم رحمة الله تعالى أنه سبحانه جعل للمسلم العاصي فرصًا عديدة للتكفير عن ذنوبه، ومجالًا لأن تتنامى حسناته، فترجح موازين حسناته على كفة سيئاته هذا فيما بينه وبين ربه سبحانه، أما الذنوب فيما بينه وبين العباد والتي تحتاج إلى توبة في الدنيا، أو أن يكون للعبد المذنب رصيد من الحسنات يكفر بها عن سيئاته، أو يعفو من له الحق في ذلك، والأمر بعد ذلك وقبله راجع إلى الله تعالى إن شاء غفر، وإن شاء عذب، وقد يدخل المسلم النار بقدر ما عليه من ذنوب، ثم يدخله الله تعالى بعد ذلك الجنة، وأما الكفار والمشركين، فهم المحرومون من الدخول في الجنة، وهم الخالدون في النار، وأما المؤمن مادام في دائرة الإيمان، فهناك رجاء عظيم في أن يعفو أصحاب الحقوق عن المذنبين في حقهم، ومعلوم أن الحسنات مرتبطة بأفعال العباد وهم في الحياة الدنيا، فإذا غيب الموت العبد المذنب، فإنه من رحمة الله تعالى أن ينشئ مشاريع استثمارية يستطيع العبد المذنب من خلالها تغطية العجز في رصيده من الحسنات وخاصة أن الله تعالى يستثمر ما لدى العبد من رصيده من الحسنات، ومع ثبات رصيد السيئات واستثمار الحسنات يجعل الرجاء في النجاة من النار ودخول الجنة أمر متحقق بإذن الله تعالى.
ولقد بشرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك فيما رواه
أبو هريرة (رضي الله عنه)، قال صلوات ربي وسلامه عليه: «إذًا مات الإنسان انقطع عمله: إلا من ثلاثة صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه الإمام مسلم في صحيحه.
إذًا، فهناك استثمار دائم يجب أن يحرص عليه المسلم، ليكون له ذخرا في الدنيا للآخرة، وهنا قد يكون هذا الاستثمار فرصة لا تعوض تعمل على اعتدال موازين العبد التي فيها في الدنيا ولَم يوليها ما تستحق من العناية والمداومة عليها، ونحن أمام رصيد من السيئات وقف عند حده بموت العبد المذنب، ومشاريع استثمارية متنامية، والتي يرجو المسلم المخطئ نجاته بها من النار، قال تعالى: (وأقمن الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (هود / 114).
وقد يحظى العبد بمكافأة نهاية العمر لحسن سيرته وسلوكه في رحمة ربه سبحانه وتعالى، يقول جل جلاله: (والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا(70)) سورة الفرقان. وإضافة إلى كل هذا فقد يكون العبد قد استطاع أن يترك صدقة وإن كانت صغيرة إلا أن عطاءها لا يقف عند حد، أو ترك أثرًا علمًا نافعًا ينير الطريق للسالكين، فإن لم يكن لديه مال أو علم ينتفع به الناس فلا أقل من أن يترك ولدًا صالحا يكون سببًا في الدعاء لوالده.
إن هذه مشاريع استثمارية لن يعدم الأب واحدًا منها، وقد تكون من أسباب نجاته، وتؤثر في مدة بقائه في النار، وتأخر دخوله الجنة، بل قد تكون هذه الأعمال في أن يكون من الذين يعفو الله تعالى عنهم.
وبعد عزيزي لا تحتقر من الأعمال صغيرها، فقليل دائم خير من كثير منقطع، وإذا قارنا ذلك بطول الأمد الذي يبقى فيه الإنسان في قبره حتى يوم البعث، فذلك زمن ليس محدودا، وهذا ينبهنا إلى أهمية عمل الصالحات، فمهما كان حكمها صغيرًا، أم قليلًا، - فهي عند الله، كثيرة ويتعاظم خيرها وتثقل موازين العبد يوم القيامة، فإذًا أضفنا إليها تحويلً السيئات إلى حسنات المذكورة في سورة الفرقان في الآيات (68 ، 69، 70) ثم أضفنا إليها ما وعد الله تعالى عباده في قوله سبحانه: (… إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (سورة الزمر / 10) وفهمنا العبارة {.. بغير حساب} على أنها: تأتي مرة بلا عَدٍ أي: بلا حصر، وتأتي مرة بمعنى بلا حساب ولا عقاب.
ذلكم هو الإسلام، وذلكم هو عطاؤه، وتلك رحمته وغفرانه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك