«كفى صمتا» – صرخة نسمعها مرارا وهي تتردد في أرجاء العالم، مطالبة بوضع حد للعنف ضد النساء، الذي لا يعد مجرد مشكلة فردية، بل جرحا غائرًا في ضمير الإنسانية، ويطال جميع المجتمعات والثقافات. وبينما تستمر النساء والفتيات في مواجهة هذا العنف، يأتي اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة للتذكير بأهمية الوقوف بحزم، والتآزر لبناء عالم ينصف المرأة ويحمي كرامتها.
العنف ضد النساء يتجاوز الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي، ليشمل استخدامه أداة لترهيب المجتمعات في مناطق النزاعات، مما يترك آثارًا صحية ونفسية طويلة الأمد على الناجيات. وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، وللأسف هي أرقام تصدم الضمير- تعرضت واحدة من كل ثلاث نساء لشكل من أشكال العنف، مما يعكس أهمية التصدي لهذه القضية.
لا تزال الممارسات التقليدية مثل ختان الإناث والزواج القسري قائمة في بعض الثقافات، مما يقمع الفتيات والنساء تحت غطاء التقاليد. لكن الجهود مستمرة-ولله الحمد- لرفع الوعي ومكافحة هذه الممارسات، الأمر الذي يعزز حقوق النساء ويسهم في بناء مجتمعات أكثر عدلا وسلاما.
ومع الانتقال إلى العصر الإلكتروني، ظهر نوع آخر من العنف، وهو العنف الرقمي، حيث تتعرض النساء للتحرش والابتزاز عبر الإنترنت. مما يستدعي حلولا تقنية وتشريعية متكاملة تضمن سلامتهن في الفضاء الرقمي. ويعد تطوير التشريعات الرقمية لمكافحة هذه الظواهر ركيزة أساسية لصون حقوقهن.
في خطوة مبتكرة لحماية النساء من العنف، أطلقت فرنسا تطبيقا يسمى «App-Elles»، مصمما ليكون بمثابة خط أمان فوري في حالات الطوارئ. يتيح هذا التطبيق للنساء إرسال تنبيهات فورية إلى أشخاص موثوقين، مثل أفراد العائلة أو الأصدقاء، مع تسجيل صوتي تلقائي للحادثة، مما يوفر دليلا فوريا إذا لزم الأمر.
والأهم من ذلك، يمكن للتطبيق مشاركة موقع المرأة مع السلطات المختصة، لتقديم استجابة سريعة في اللحظات الحرجة. هذا النوع من الابتكار التكنولوجي يقدم نموذجا فعالا لمواجهة العنف ضد المرأة باستخدام الأدوات الحديثة، ويبرز كيف يمكن للتكنولوجيا أن تخلق بيئة أكثر أمانا للنساء.
كذلك استطاعت بعض الدول تقديم نماذج ملهمة ومؤثرة في مجال مكافحة العنف ضد المرأة، مما يثري الجهود العالمية ويقدم حلولا فعالة.
في إسبانيا، على سبيل المثال، أسست الحكومة نظاما متكاملا لتوفير خط ساخن ومجاني يعمل على مدار الساعة، مدعوم بفريق مختص لتقديم الدعم النفسي والقانوني للنساء الناجيات من العنف، بالإضافة إلى إطلاق برامج لإعادة التأهيل النفسي للمعتدين للحد من تكرار العنف.
وفي كندا، يعتمد برنامج «ملاذ آمن»، الذي يمكن النساء من الوصول إلى أماكن إيواء بسرية تامة ويؤمن لهن الدعم المالي والاجتماعي للبدء بحياة جديدة. أما في السويد، فتتميز التجربة بدمج حملات التوعية ضمن المناهج التعليمية لتثقيف الأجيال الناشئة حول حقوق المرأة وأهمية المساواة، مما يعزز من تغيير النظرة المجتمعية نحو العنف ويجعل الوقاية منه جزءًا من الثقافة السائدة.
على الصعيد المحلي، أحرزت مملكتنا تقدما ملحوظا في دعم حقوق المرأة، حيث اتخذت البحرين خطوات شجاعة منها إلغاء المادة 353 من قانون العقوبات، التي كانت تتيح للجاني المغتصب الإفلات من العقاب عبر زواجه من ضحيته. إضافة إلى ذلك، أنشأت مراكز إيواء تقدم الدعم النفسي والقانوني والاجتماعي للمتضررات، وبالتالي يمكنهن من التعافي وبدء حياة جديدة بعيدة عن دوامة العنف.
تسهم حملات التوعية في تعزيز فهم المجتمع لأهمية حماية المرأة ومعالجة الصور النمطية المرتبطة بالعنف. بالاستفادة من التجارب الدولية، تعزز البحرين سياساتها التوعوية ببرامج ناجحة عالميا، مما يحسن سبل حماية المرأة في إطارها المحلي.
ورغم الإنجازات، تظل هناك حاجة إلى استمرار الجهود التشريعية. وتفعيل آليات أكثر صرامة للرقابة القانونية وتعزيز العقوبات إذ تعد خطوة ضرورية لضمان بيئة آمنة وعادلة تصان فيها حقوق النساء وتحترم مكانتهن، بما يعكس رؤية البحرين التقدمية.
الهدف في هذا اليوم العالمي واضح وملح: رفع الوعي بحقوق النساء، تطوير القوانين لحماية كل النساء، وتأسيس مجتمعات تتمتع بالأمان. لنكن جميعا، أفرادًا ومؤسسات، جزءًا من التغيير الذي يحمي النساء ويعزز كرامتهن، ونسعى-بإذن الله- إلى بناء عالم يقدر المرأة ويمنحها ما تستحق من حماية وعدالة، مجتمعات تكفل فرص العيش بعزة وسلام للجميع.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك