العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في اليوم العالمي للقضاء على العنف.. دعوة لإنصاف المرأة

بقلم: نبيلة رجب

الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬كفى‭ ‬صمتا‮»‬‭ ‬‭ ‬صرخة‭ ‬نسمعها‭ ‬مرارا‭ ‬وهي‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬مطالبة‭ ‬بوضع‭ ‬حد‭ ‬للعنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬مشكلة‭ ‬فردية،‭ ‬بل‭ ‬جرحا‭ ‬غائرًا‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويطال‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬والثقافات‭. ‬وبينما‭ ‬تستمر‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬العنف،‭ ‬يأتي‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لمناهضة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬للتذكير‭ ‬بأهمية‭ ‬الوقوف‭ ‬بحزم،‭ ‬والتآزر‭ ‬لبناء‭ ‬عالم‭ ‬ينصف‭ ‬المرأة‭ ‬ويحمي‭ ‬كرامتها‭.‬

العنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬يتجاوز‭ ‬الاعتداء‭ ‬الجسدي‭ ‬أو‭ ‬الجنسي‭ ‬أو‭ ‬النفسي،‭ ‬ليشمل‭ ‬استخدامه‭ ‬أداة‭ ‬لترهيب‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬النزاعات،‭ ‬مما‭ ‬يترك‭ ‬آثارًا‭ ‬صحية‭ ‬ونفسية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬على‭ ‬الناجيات‭. ‬وفقا‭ ‬لإحصاءات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وللأسف‭ ‬هي‭ ‬أرقام‭ ‬تصدم‭ ‬الضمير‭- ‬تعرضت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ثلاث‭ ‬نساء‭ ‬لشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنف،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬أهمية‭ ‬التصدي‭ ‬لهذه‭ ‬القضية‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬الممارسات‭ ‬التقليدية‭ ‬مثل‭ ‬ختان‭ ‬الإناث‭ ‬والزواج‭ ‬القسري‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الثقافات،‭ ‬مما‭ ‬يقمع‭ ‬الفتيات‭ ‬والنساء‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬التقاليد‭. ‬لكن‭ ‬الجهود‭ ‬مستمرة‭-‬ولله‭ ‬الحمد‭- ‬لرفع‭ ‬الوعي‭ ‬ومكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعزز‭ ‬حقوق‭ ‬النساء‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬أكثر‭ ‬عدلا‭ ‬وسلاما‭.‬

ومع‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ظهر‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬وهو‭ ‬العنف‭ ‬الرقمي،‭ ‬حيث‭ ‬تتعرض‭ ‬النساء‭ ‬للتحرش‭ ‬والابتزاز‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭. ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬حلولا‭ ‬تقنية‭ ‬وتشريعية‭ ‬متكاملة‭ ‬تضمن‭ ‬سلامتهن‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭. ‬ويعد‭ ‬تطوير‭ ‬التشريعات‭ ‬الرقمية‭ ‬لمكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬لصون‭ ‬حقوقهن‭.‬

في‭ ‬خطوة‭ ‬مبتكرة‭ ‬لحماية‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬أطلقت‭ ‬فرنسا‭ ‬تطبيقا‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬App‭-‬Elles‮»‬،‭ ‬مصمما‭ ‬ليكون‭ ‬بمثابة‭ ‬خط‭ ‬أمان‭ ‬فوري‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭. ‬يتيح‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬للنساء‭ ‬إرسال‭ ‬تنبيهات‭ ‬فورية‭ ‬إلى‭ ‬أشخاص‭ ‬موثوقين،‭ ‬مثل‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬أو‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬مع‭ ‬تسجيل‭ ‬صوتي‭ ‬تلقائي‭ ‬للحادثة،‭ ‬مما‭ ‬يوفر‭ ‬دليلا‭ ‬فوريا‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭. ‬

والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬للتطبيق‭ ‬مشاركة‭ ‬موقع‭ ‬المرأة‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬المختصة،‭ ‬لتقديم‭ ‬استجابة‭ ‬سريعة‭ ‬في‭ ‬اللحظات‭ ‬الحرجة‭. ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الابتكار‭ ‬التكنولوجي‭ ‬يقدم‭ ‬نموذجا‭ ‬فعالا‭ ‬لمواجهة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬باستخدام‭ ‬الأدوات‭ ‬الحديثة،‭ ‬ويبرز‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬بيئة‭ ‬أكثر‭ ‬أمانا‭ ‬للنساء‭.‬

كذلك‭ ‬استطاعت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تقديم‭ ‬نماذج‭ ‬ملهمة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬مما‭ ‬يثري‭ ‬الجهود‭ ‬العالمية‭ ‬ويقدم‭ ‬حلولا‭ ‬فعالة‭.‬

‭ ‬في‭ ‬إسبانيا،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أسست‭ ‬الحكومة‭ ‬نظاما‭ ‬متكاملا‭ ‬لتوفير‭ ‬خط‭ ‬ساخن‭ ‬ومجاني‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة،‭ ‬مدعوم‭ ‬بفريق‭ ‬مختص‭ ‬لتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬والقانوني‭ ‬للنساء‭ ‬الناجيات‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬برامج‭ ‬لإعادة‭ ‬التأهيل‭ ‬النفسي‭ ‬للمعتدين‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬العنف‭.‬

وفي‭ ‬كندا،‭ ‬يعتمد‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬ملاذ‭ ‬آمن‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬إيواء‭ ‬بسرية‭ ‬تامة‭ ‬ويؤمن‭ ‬لهن‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للبدء‭ ‬بحياة‭ ‬جديدة‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬السويد،‭ ‬فتتميز‭ ‬التجربة‭ ‬بدمج‭ ‬حملات‭ ‬التوعية‭ ‬ضمن‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬لتثقيف‭ ‬الأجيال‭ ‬الناشئة‭ ‬حول‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬وأهمية‭ ‬المساواة،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬النظرة‭ ‬المجتمعية‭ ‬نحو‭ ‬العنف‭ ‬ويجعل‭ ‬الوقاية‭ ‬منه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭.‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬المحلي،‭ ‬أحرزت‭ ‬مملكتنا‭ ‬تقدما‭ ‬ملحوظا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬حيث‭ ‬اتخذت‭ ‬البحرين‭ ‬خطوات‭ ‬شجاعة‭ ‬منها‭ ‬إلغاء‭ ‬المادة‭ ‬353‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتيح‭ ‬للجاني‭ ‬المغتصب‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬عبر‭ ‬زواجه‭ ‬من‭ ‬ضحيته‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أنشأت‭ ‬مراكز‭ ‬إيواء‭ ‬تقدم‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬والقانوني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للمتضررات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكنهن‭ ‬من‭ ‬التعافي‭ ‬وبدء‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬دوامة‭ ‬العنف‭.‬

تسهم‭ ‬حملات‭ ‬التوعية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬فهم‭ ‬المجتمع‭ ‬لأهمية‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬ومعالجة‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعنف‭. ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الدولية،‭ ‬تعزز‭ ‬البحرين‭ ‬سياساتها‭ ‬التوعوية‭ ‬ببرامج‭ ‬ناجحة‭ ‬عالميا،‭ ‬مما‭ ‬يحسن‭ ‬سبل‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬المحلي‭.‬

ورغم‭ ‬الإنجازات،‭ ‬تظل‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬الجهود‭ ‬التشريعية‭. ‬وتفعيل‭ ‬آليات‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬للرقابة‭ ‬القانونية‭ ‬وتعزيز‭ ‬العقوبات‭ ‬إذ‭ ‬تعد‭ ‬خطوة‭ ‬ضرورية‭ ‬لضمان‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭ ‬وعادلة‭ ‬تصان‭ ‬فيها‭ ‬حقوق‭ ‬النساء‭ ‬وتحترم‭ ‬مكانتهن،‭ ‬بما‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬البحرين‭ ‬التقدمية‭.‬

الهدف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬واضح‭ ‬وملح‭: ‬رفع‭ ‬الوعي‭ ‬بحقوق‭ ‬النساء،‭ ‬تطوير‭ ‬القوانين‭ ‬لحماية‭ ‬كل‭ ‬النساء،‭ ‬وتأسيس‭ ‬مجتمعات‭ ‬تتمتع‭ ‬بالأمان‭. ‬لنكن‭ ‬جميعا،‭ ‬أفرادًا‭ ‬ومؤسسات،‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬النساء‭ ‬ويعزز‭ ‬كرامتهن،‭ ‬ونسعى‭-‬بإذن‭ ‬الله‭- ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬عالم‭ ‬يقدر‭ ‬المرأة‭ ‬ويمنحها‭ ‬ما‭ ‬تستحق‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬وعدالة،‭ ‬مجتمعات‭ ‬تكفل‭ ‬فرص‭ ‬العيش‭ ‬بعزة‭ ‬وسلام‭ ‬للجميع‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا