العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

التفاهة حتى في السياسة العالمية!

{‭ ‬ونحن‭ ‬صغار‭ ‬كنا‭ ‬نتفرج‭ ‬بمتعة‭ ‬على‭ ‬الأفلام‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬وحيث‭ ‬كان‭ ‬الشر‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬الأدوار‭ ‬الشريرة‭ ‬التي‭ ‬يؤديها‭ ‬ممثلون‭ ‬معينون‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬مثل‭: ‬محمود‭ ‬المليجي‭ ‬وتوفيق‭ ‬الدقن‭ ‬وفريد‭ ‬شوقي،‭ ‬وغيرهم‭ ‬بأدوار‭ ‬أخرى‭ ‬أقل،‭ ‬حينها‭ ‬كنا‭ ‬ننتظر‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭ ‬وانكشاف‭ ‬الألاعيب‭ ‬الخبيثة‭ ‬التي‭ ‬يلعبها‭ ‬الشرير‭ ‬طوال‭ ‬الفيلم‭ ‬ليقع‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬شر‭ ‬أعماله‭! ‬وحين‭ ‬كبرنا‭ ‬قليلا‭ ‬كانت‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأفلام‭ ‬ذات‭ ‬البصمة‭ ‬الواضحة‭ ‬للصراع‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭ ‬أخذت‭ ‬منحى‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬وعينا‭ ‬نضحك‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬لأننا‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬الأزلي‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬حبكة‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العصابات‭ ‬أو‭ ‬البلطجية‭ ‬أو‭ ‬نماذج‭ ‬وعصابات‭ ‬الحانات‭ ‬والكاباريهات‭ ‬أو‭ ‬شهود‭ ‬الزور‭ ‬لتبرئة‭ ‬المجرمين‭ ‬إلخ‭.‬

{‭ ‬تعمق‭ ‬الوعي‭ ‬واتسعت‭ ‬الرؤية‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬الشر‭ ‬والخير،‭ ‬ولكن‭ ‬للطرافة‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬والخبرات‭ ‬الحياتية‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬تعود‭ ‬ذات‭ ‬الحبكات‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نراها‭ ‬ساذجة‭ ‬لتطل‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭! ‬قد‭ ‬يستغرب‭ ‬البعض‭ ‬ويضحك‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬أفلام‭ ‬الشر‭ ‬القديمة‭ ‬وما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬فما‭ ‬دخل‭ ‬العصابات‭ ‬والبلطجية‭ ‬وشهود‭ ‬الزور‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬العالمية؟‭! ‬ولكن‭ ‬الصلة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬وإن‭ ‬بدت‭ ‬مستغربة‭ ‬هي‭ ‬صلة‭ ‬واضحة‭ ‬حلت‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬كرأس‭ ‬مدبر‭ ‬لذات‭ ‬الحبكة‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬العصابات‭ ‬وإن‭ ‬عبر‭ ‬الاستعانة‭ ‬بتقنيات‭ ‬جديدة‭!‬

{‭ ‬ولنوضح‭: ‬كنا‭ ‬نرى‭ ‬أشرار‭ ‬الأفلام‭ ‬القديمة‭ ‬يدارون‭ ‬عبر‭ ‬رأس‭ ‬خفي‭ ‬نكتشفه‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الفيلم‭! ‬وقد‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬الرأس‭ ‬المدبر‭ ‬للشرور‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬نموذجا‭ ‬طيبا‭ ‬في‭ ‬الظاهر،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬يقوم‭ ‬بأعمال‭ ‬خيره‭! ‬لنضع‭ ‬مكان‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬والشر‭ ‬في‭ ‬الباطن‭ ‬قادة‭ ‬الشركات‭ ‬العولمية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬سياسات‭ ‬وتحركات‭ ‬الدول‭ ‬وخاصة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الكبرى‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬مجرد‭ ‬دمى‭ ‬تحركها‭ ‬بأصابعها‭ ‬وتدير‭ ‬عبرها‭ ‬الصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬والحروب‭! ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تحرك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بالحقوق‭ ‬الإنسانية‭ ‬والمساعدة‭ ‬الدولية‭ ‬مثلما‭ ‬تدير‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المال‭ ‬والبنوك‭ ‬والاقتصاد‭! ‬وتوظف‭ ‬‮«‬القاتل‭ ‬الاقتصادي‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬الديوان‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬لتخريبه‭ ‬لاحقا‭! ‬وتمول‭ ‬الرشاوى‭ ‬لشراء‭ ‬الذمم‭ ‬للعب‭ ‬أدوار‭ ‬التغيير‭ ‬بعناوين‭ ‬التطوير‭ ‬والتنوير‭ ‬والحداثة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬بحسب‭ ‬المصالح‭ ‬الكبرى‭ ‬لتلك‭ ‬الشركات‭ ‬المسيطرة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلف‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬وتتدخل‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬وقراراتها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬أجندتها‭ ‬الخاصة‭! ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الحلقة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى‭ ‬الأضعف‭ ‬والنامية‭ ‬أو‭ ‬المتخلفة،‭ ‬وتدير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬العصابات‭ ‬والمافيات‭ ‬والذين‭ ‬يديرون‭ ‬نظام‭ ‬التفاهة‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭! ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬تتبعنا‭ ‬الخيوط‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الرأس‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬خلف‭ ‬كل‭ ‬شرور‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬والباطن‭ ‬وبوجه‭ ‬الخير‭ ‬أحيانا‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬العولمية‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬الشركات‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬التي‭ ‬يشبه‭ ‬قادتها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬الشخصية‭ ‬الغامضة‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬نماذج‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭! ‬وفيما‭ ‬هي‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬المحرك‭ ‬لسياسات‭ ‬واقتصادات‭ ‬الدول‭ ‬وتهيمن‭ ‬على‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وأنظمة‭ ‬التجسس‭ ‬المعقدة،‭ ‬فهي‭ ‬تدير‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحرك‭ ‬طاقتها‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وتحويل‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬متجر‭ ‬كبير‭ ‬لبيع‭ ‬السلع‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والدواء‭ ‬وصناعة‭ ‬الفيروسات‭ ‬والأوبئة‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعلومات‭ ‬والعلم‭ ‬الزائف‭ ‬لنرى‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متخبطا‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬وبذات‭ ‬الكيفية‭ ‬الساذجة‭ ‬والمعقدة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشر‭!‬

{‭ ‬وكما‭ ‬ينكشف‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬أدار‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬منكشف‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يراقب‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬جذور‭ ‬الشر‭ ‬العالمي‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬يدير‭ ‬أغلب‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬العالمية‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬خلفها‭ ‬من‭ ‬عوائل‭ ‬باتت‭ ‬معروفة‭ ‬بالنخبة‭ ‬الشيطانية‭ ‬أو‭ ‬أتباع‭ ‬الدجال‭! ‬وهي‭ ‬عوائل‭ ‬تحتكر‭ ‬أكثر‭ ‬ثروات‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬والذهب‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬البنوك‭ ‬العالمية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬وغيرهما‭!‬

هي‭ ‬ذات‭ ‬الحبكة‭ ‬القديمة‭/‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشر‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬وقادتها‭ ‬ليصبح‭ ‬نموذج‭ ‬المليجي‭ ‬أو‭ ‬فريد‭ ‬شوقي‭ ‬هو‭ ‬الوجه‭ ‬القديم‭ ‬الجديد‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬العالم‭ ‬المتطور‭ ‬والدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬الذين‭ ‬باتوا‭ ‬اليوم‭ ‬يستخفون‭ ‬بالعقول‭ ‬ويتجرأون‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تدار‭ ‬أوكار‭ ‬العصابات‭ ‬قديما‭!‬

بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭ ‬الفارق‭ ‬أن‭ ‬عصابات‭ ‬الأفلام‭ ‬كانت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬كشفها‭ ‬تواجَه‭ ‬بالحساب‭ ‬والعقاب،‭ ‬أما‭ ‬عصابات‭ ‬ومافيات‭ ‬اليوم‭ ‬التي‭ ‬تلعب‭ ‬بالعالم‭ ‬كله‭ ‬والبشرية‭ ‬رغم‭ ‬انكشافها‭ ‬لغالبية‭ ‬الشعوب‭ ‬بل‭ ‬الدول‭ ‬فإنها‭ ‬تلعب‭ ‬وتعبث‭ ‬باستمرار‭ ‬وتمارس‭ ‬كل‭ ‬الشرور‭ ‬على‭ ‬المكشوف‭ ‬أو‭ ‬بالعلن‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬وخلف‭ ‬الكواليس‭ ‬المظلمة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬حساب‭ ‬ولا‭ ‬عقاب‭! ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتواطأ‭ ‬معها‭ ‬ويخدمها‭ ‬لأن‭ ‬مصالح‭ ‬الشر‭ ‬تتلاقى‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا