عالم يتغير
فوزية رشيد
التفاهة حتى في السياسة العالمية!
{ ونحن صغار كنا نتفرج بمتعة على الأفلام المصرية القديمة في صراع الخير والشر، وحيث كان الشر يتجسد في الأدوار الشريرة التي يؤديها ممثلون معينون في الأغلب مثل: محمود المليجي وتوفيق الدقن وفريد شوقي، وغيرهم بأدوار أخرى أقل، حينها كنا ننتظر نهاية الفيلم وانكشاف الألاعيب الخبيثة التي يلعبها الشرير طوال الفيلم ليقع في النهاية في شر أعماله! وحين كبرنا قليلا كانت مثل تلك الأفلام ذات البصمة الواضحة للصراع بين الخير والشر أخذت منحى آخر في وعينا نضحك من خلاله لأننا اكتشفنا أن الصراع الأزلي بين الخير والشر أكثر تعقيدا من ذلك وأنه لا يقتصر على حبكة الأحداث من خلال العصابات أو البلطجية أو نماذج وعصابات الحانات والكاباريهات أو شهود الزور لتبرئة المجرمين إلخ.
{ تعمق الوعي واتسعت الرؤية حول مفهوم الشر والخير، ولكن للطرافة وبعد كل التجارب والخبرات الحياتية لدى الشعوب والدول تعود ذات الحبكات القديمة التي كنا نراها ساذجة لتطل من جديد ولكن هذه المرة في السياسة الدولية! قد يستغرب البعض ويضحك ربما لأنه لا يجد علاقة بين أفلام الشر القديمة وما نعيشه اليوم في العالم! فما دخل العصابات والبلطجية وشهود الزور في السياسة العالمية؟! ولكن الصلة هذه المرة وإن بدت مستغربة هي صلة واضحة حلت فيها بعض القوى الدولية الكبرى كرأس مدبر لذات الحبكة القديمة في عمل العصابات وإن عبر الاستعانة بتقنيات جديدة!
{ ولنوضح: كنا نرى أشرار الأفلام القديمة يدارون عبر رأس خفي نكتشفه في آخر الفيلم! وقد يبدو هذا الرأس المدبر للشرور في الخفاء نموذجا طيبا في الظاهر، بل حتى يقوم بأعمال خيره! لنضع مكان هذا النموذج الذي يجمع بين الخير في الظاهر والشر في الباطن قادة الشركات العولمية الكبرى التي تدير سياسات وتحركات الدول وخاصة الرأسمالية الكبرى وتجعل من رؤساء تلك الدول مجرد دمى تحركها بأصابعها وتدير عبرها الصراعات والأزمات والحروب! وفي الوقت ذاته تحرك الكثير من المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بالحقوق الإنسانية والمساعدة الدولية مثلما تدير وتسيطر على المؤسسات العالمية في إدارة المال والبنوك والاقتصاد! وتوظف «القاتل الاقتصادي» عبر الديوان في أكثر من بلد لتخريبه لاحقا! وتمول الرشاوى لشراء الذمم للعب أدوار التغيير بعناوين التطوير والتنوير والحداثة في الدول بحسب المصالح الكبرى لتلك الشركات المسيطرة التي تقف خلف عديد من الدول الكبرى وتتدخل في سياساتها وقراراتها بما يخدم أجندتها الخاصة! وتجعل من تلك الدول الحلقة التي تقع بينها وبين دول العالم الأخرى الأضعف والنامية أو المتخلفة، وتدير من أجل ذلك العصابات والمافيات والذين يديرون نظام التفاهة عبر العالم! فإذا ما تتبعنا الخيوط وصلنا إلى أن الرأس الكبير الذي يقف خلف كل شرور العالم في الظاهر والباطن وبوجه الخير أحيانا هي تلك الشركات العولمية الكبرى أو الشركات العابرة للقارات التي يشبه قادتها في كثير من التفاصيل تلك الشخصية الغامضة التي تحرك نماذج الشر في الأفلام القديمة والجديدة! وفيما هي تلعب دور المحرك لسياسات واقتصادات الدول وتهيمن على التقنيات الحديثة والتكنولوجية ووسائل التواصل الإلكتروني وأنظمة التجسس المعقدة، فهي تدير في الوقت ذاته كل ما يحرك طاقتها الإنتاجية وتحويل الحياة إلى متجر كبير لبيع السلع بدءا من الأسلحة والدواء وصناعة الفيروسات والأوبئة وصولا إلى صناعة الأفكار والمعلومات والعلم الزائف لنرى العالم كما هو متخبطا في فوضى كبيرة في كل المجالات وبذات الكيفية الساذجة والمعقدة في إدارة الشر!
{ وكما ينكشف الوجه الحقيقي الذي أدار الشر في الأفلام هو اليوم منكشف لمن يريد أن يراقب ويبحث عن جذور الشر العالمي بأنه من يدير أغلب الشر في العالم وهو تلك الشركات الكبرى العالمية ومن يقف خلفها من عوائل باتت معروفة بالنخبة الشيطانية أو أتباع الدجال! وهي عوائل تحتكر أكثر ثروات العالم من النقد والذهب وتسيطر على أكبر البنوك العالمية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما!
هي ذات الحبكة القديمة/الجديدة في إدارة الشر وهذه المرة في السيطرة على الدول وقادتها ليصبح نموذج المليجي أو فريد شوقي هو الوجه القديم الجديد لعدد من رؤساء العالم المتطور والدول الكبرى، الذين باتوا اليوم يستخفون بالعقول ويتجرأون في إدارة العالم كما كانت تدار أوكار العصابات قديما!
بين الأمس واليوم الفارق أن عصابات الأفلام كانت بعد أن يتم كشفها تواجَه بالحساب والعقاب، أما عصابات ومافيات اليوم التي تلعب بالعالم كله والبشرية رغم انكشافها لغالبية الشعوب بل الدول فإنها تلعب وتعبث باستمرار وتمارس كل الشرور على المكشوف أو بالعلن كما في السر وخلف الكواليس المظلمة، ولكن لا حساب ولا عقاب! بل هناك من يتواطأ معها ويخدمها لأن مصالح الشر تتلاقى!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك