بينما يواجه العالم تحديات ملحة لتغير المناخ وأمن الطاقة، تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عند مفترق طرق حاسمة. وفي الوقت الذي تبدو فيه العقبات كبيرة، فإن الفرص في المقابل أكبر بكثير، وذلك بفضل امتلاكها الموارد الطبيعية الفريدة، والموقع الاستراتيجي، والرؤى الوطنية الطموحة، حيث تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، القدرة على أن تصبح رائدة عالمية في الاستدامة والمرونة، عن طريق التعاون البَنّاء القائم على تعزيز الشراكات، التي تُمكن المنطقة من تسريع تحولها، وتحقيق الهدفين المتمثلين في إزالة الكربون؛ والنمو الاقتصادي.
ضرورة التعاون
إن تغير المناخ لا يعرف حدودا، وتتراوح آثاره بين ندرة المياه والحرارة الشديدة، التي نشعر بها في جميع أنحاء العالم، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست استثناءً من ذلك، بل في الواقع هي واحدة من أكثر المناطق المعرضة لهذه الآثار، ويجب على الحكومات والشركات والمجتمعات أن تجتمع معًا لتطوير وتنفيذ حلول مبتكرة. ولا يؤدي التعاون إلى تفاقم التأثير فحسب، بل يعمل أيضًا على تحسين الأداء من خلال استخدام الموارد وضمان تقاسم فوائد التنمية المستدامة بشكل عادل. وتتحدث الإحصاءات بوضوح حيث أظهرت دراسة صدرت في العام الماضي؛ من قبل منظمة العمل الدولية والبنك الإسلامي للتنمية، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن تخلق 10 ملايين وظيفة جديدة بحلول عام 2050، من خلال إزالة الكربون والنمو الصناعي الأخضر. بالإضافة إلى ذلك، يُرجح أن يتنامى الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.2%، ويُتوقع أن ينمو التوظيف بنسبة 5.3% على مدى العقود الثلاثة القادمة. وتؤكد هذه الأرقام الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لنهج موحد في مواجهة تحديات المناخ. وتؤكد هذه البيانات الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، المترتبة على اتباع نهج موحد في التعامل مع هذه المشكلة، والتصدي للتحديات المناخية.
ومع ذلك، فإن هذه النتائج ليست مضمونة. وتحقيقها يتطلب إطارا قويا للتعاون، يعطي الأولوية للالتزامات القابلة للتنفيذ، والاستثمار المستدام، والمشاركة الشمولية.
كسر الحواجز
إحدى العوائق الرئيسية أمام التعاون الفعَّال، هي الطبيعة المنعزلة للصناعات والقطاعات – الحكومية والخاصة. فغالبًا ما تعمل شركات الطاقة، ومرافق المياه، والمؤسسات المالية، والحكومات في عزلة، على الرغم من مصالحها المشتركة في الاستدامة، ودورها الحاسم في تحقيق أهداف الصفر الصافي. إن كسر هذه الحواجز بات أمرا ضروريا لخلق التآزر ودفع الابتكار.
وعلى سبيل المثال، يمكن أن يعزز دمج قطاعي المياه والطاقة المعروف عادةً باسم ترابط المياه والطاقة، التي ترفع من كفاءة استخدام الموارد بشكل كبير. وتُعد المبادرات التعاونية في تحلية المياه المدعومة بالطاقة المتجددة، أو إعادة تدوير مياه الصرف الصحي للاستخدام الصناعي، هي مجرد أمثلة على كيفية وصول الشراكات بين القطاعات إلى نتائج تحويلية
وبالمثل، يمكن لشرِكات التكنولوجيا، بخبرتها في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ورقمنه الأشياء، التعاون مع الصناعات التقليدية لتحسين العمليات وتقليل الانبعاثات، حيث لا تُسهم هذه الشراكات في تحقيق الأهداف البيئية فحسب، بل تذهب أبعد في تعزيز الكفاءة التشغيلية والربحية أيضاً.
وفي الوقت ذاته فإن التعاون ضروري أيضًا في تعبئة الموارد المالية؛ اللازمة للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. فحجم الاستثمار المطلوب هائل، ولا يمكن للقطاعين العام أو الخاص تحمله بمفردهما. وبهذا الصدد يمكن للحكومات أن تهيئ الأرضية الملائمة من خلال سن تشريعات واتخاذ قرارات وتقديم حوافز تمكينية، بينما يمكن لرأس المال الخاص أن يدفع الابتكار وقابلية التوسع.
إن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر لا يتعلق فقط بالاستثمار والتكنولوجيا والبنية التحتية؛ بل يتعلق أيضًا بالطاقة البشرية. وتسلط دراسة منظمة العمل الدولية والبنك الإسلامي للتنمية، الضوء على إمكانيات خلق الوظائف، بيد أن تحقيق هذه الإمكانيات يتطلب قوة عاملة ماهرة وقابلة للتكيف، وهذا مجال آخر يمكن أن يُحدث فيه التعاون فرقًا.
منتدى الشرق الأوسط للاستدامة
وإذا تساءلنا كيف يمكننا تسهيل التعاون في السعي نحو العمل والحلول؟ فالجواب يأتي من العمل الحثيث الذي تلعبه منصات مثل منتدى الشرق الأوسط للاستدامة، حيث تسهم في القيام بدور حيوي في تعزيز التعاون وجمع أصحاب الاختصاص من مختلف القطاعات والبيئات، وكذلك من القطاعين العام والخاص، للمشاركة في الحوار، وتبادل المعرفة، وتشكيل شراكات جديدة.
إن النسخة الثالثة من منتدى الشرق الأوسط للاستدامة، الذي تحتضنه مملكة البحرين في 28-29 يناير 2025 يركز على «تحريك العمل والاستثمار للمرونة المناخية والطاقة». هذا الموضوع يعكس الحاجة الآنية لذلك، من خلال ورش العمل، والندوات، وجلسات التواصل المصممة لتتجاوز حدود النقاش إلى مساحة وضع الرؤى وتهيئة بيئات العمل، وتساعد الحضور إما على تأسيس وإما تسريع رحلاتهم نحو الصفر الصافي. نحن نؤمن إننا نحتاج إلى إنشاء شراكات تساعدنا في تحقيق نتائج عملية، سواء كان ذلك من خلال التوافق على الأطر التنظيمية، أو تبادل أفضل الممارسات، أو إطلاق المشاريع المشتركة، وإن مثل هذه التجمعات هي محفز للتغيير في طريق يكتسي بالتحدي ويتجه نحو مستقبل منخفض الكربون ومستدام.
نحن فخورون بالحصول على دعم سعادة الدكتور محمد بن مبارك بن دينه وزير النفط والبيئة والمبعوث الخاص لشؤون المناخ، والمجلس الأعلى للبيئة، وغرفة التجارة الأمريكية في البحرين، وقائمة طويلة وبارزة من شركاء القطاع الخاص، الذين يكرسون جهودهم حقًا لبناء مستقبل مستدام.
ونتطلع إلى استقبال أكثر من 400 من قادة الأعمال الإقليميين والدوليين، وخبراء المناخ والاستدامة، لتقييم وضعنا اليوم كمنطقة والطريق لمستقبلنا. وبلا شك فإن المضي نحو المرونة المناخية والطاقة ليس رحلة فردية، بل إنها حقًا مسعى جماعي يتطلب المشاركة الفعالة من جميع أصحاب الاختصاص سواء كانوا حكومات، أو شركات، أو مجتمعات، أو حتى أفراد.
ختاما التعاون ليس مجرد استراتيجية؛ بل هو ضرورة، ونأمل أن تنضموا إلينا في منتدى الشرق الأوسط للاستدامة لعام 2025 في الفترة من 28 حتى29 من يناير في فندق كراون بلازا، في المنامة، لتسريع هذا الانتقال وتحقيق إمكانياته الواسعة، من خلال المساعدة في تحويل التحديات إلى فرص، ودفع التغيير الجوهري، للإسهام في ترك إرث من المرونة والازدهار للأجيال القادمة.
لمعرفة المزيد عن المنتدى وكيفية الشراكة والمشاركة تفضلوا بزيارة الموقع التالي: https://sustainmideast.com/
{ أمين سر مجلس إدارة غرفة التجارة الأمريكية في البحرين، المدير التنفيذي لشركة فين مارك كومينيكيشنس
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك