مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
من شرفة مجلس النواب
مع أنَّ الحضارةَ الإغريقيَّةَ هي التي أولدت الديمقراطيَّةَ يقولُ الفيلسوفُ الكبيرُ أرسطو: «الحقوقُ للجميع، ولكن الديمقراطيةَ للنخبة»، هنا يقفُ المرء ويتحيَّرُ، لماذا قال أرسطو ذلك؟!
الآن حينما نرى المناقشاتِ البرلمانيَّةَ سواء في الغربِ أو في الشرق، نجدُ أن أعضاءَ البرلمانِ معظمَهم وليس كلهم، لا يلتزمون بآدابِ الحوار، والسبب ليس دفاعًا عما يدورُ في خلدهم، بقدرِ ما هو رغبةُ البعضِ في الانتصارِ لرأيه، المشكلةُ أنه يستطيعُ أن يتطاولَ على المسؤولِ الحكوميِّ، كما قال السير وينستون تشرشل رئيسُ وزراء بريطانيا الأعظم: «الصحفيًّ يستطيعُ أن يشتمني، ولكن أنا كرئيس وزراء لا أستطيعُ أن أشتمه».
لذلك يجبُ على حضراتِ النواب أن يكونوا على علمٍ بأن المسؤولَ الحكوميَّ ليس عاجزًا عن الرد بنفسِ الأسلوب، ولكن سكوتَه ضريبةٌ أخلاقيَّة لأي شخص يتبوأ منصبًا رسميًّا.
يجبُ علينا أن نتذكَّرَ، إنْ أردنا ألا نُنتقدَ، علينا ألَّا نقولَ أيَّ شيء، وألَّا نعملَ أيَّ شيء، وألَّا نكونَ أيَّ شيء!
وما دام نحن في الحركةِ والعطاء، فالأخطاءُ واردة، وما ننشدُه هو الإخلاصُ في العمل.
أقولُ هذا ومنيتي أن نرى صفحاتٍ جديدةً في تاريخِ البرلمانِ البحرينيِّ من الآن فصاعدا، تتحلى بالالتزام بأدبِ النقاش والحوار، لأننا في نيتنا تغطية الحوارات المختلفة تحت قبة البرلمان حرفيا ليطلعَ القارئ على نمط وجودة الكلام الذي يدورُ في هذه القاعة.
وخصوصًا يوم أمس عندما كنتُ أطلُّ على مجلس النواب من شرفتِه، حرصتُ على التركيز على مداخلاتِ النوابِ أثناء مناقشةِ أسئلة النواب لوزراء العمل والمالية والاقتصاد الوطني والتربية والتعليم ووزير شؤون مجلسي الشورى والنواب.
لا أهدفُ من حديثي التضييقَ على عملِ مجلس النواب تجاه السلطة التنفيذية، لأن هذا من صلبِ مهام السلطةِ التشريعيَّةِ، التي نصبو إليها جميعًا، ولكن في الوقتِ نفسِه، لا ينبغي أن ننسى أن هناك فارقا بين النقدِ والتطاولِ، وكذلك هناك فارقٌ شاسع بين الرقابةِ البرلمانيَّةِ الحقة وشهوةِ الكلام لدى بعض النواب.
علينا الاتفاق على أن مصلحةَ الوطن والمواطن هي الأرضيةُ والقاسمُ المشترك لعمل السلطتين التنفيذيَّة والتشريعيَّة معا، وقد كرَّس الدستورُ البحرينيُّ للمبدأ الديمقراطي المستقر القائم على الفصل بين السلطات الثلاث «التشريعيَّة والتنفيذيَّة والقضائيَّة»، مع التعاونِ بين هذه السلطاتِ وفق أحكام الدستور، وغاياتُ التعاون تتطلبُ من البرلمانِ والحكومةِ إدراكًا تاما للصلاحياتِ المنوطةِ لكلِّ منهما، والابتعاد عن التداخل الذي يعرقلُ المسيرة، وكذا يجبُ أن يكونَ هناك تفُّهمٌ من السلطةِ التنفيذيَّةِ لدورِ السلطةِ التشريعيَّة الرقابي على عملِها.
في عصرِ التواصلِ الاجتماعيِّ ابتُلينا بظاهرةٍ غريبة، وهي محاولةُ البعض امتطاء الموجة «The trend» وذلك من خلال تقديم اقتراحات غير موضوعيَّةٍ أو ترديد عبارات غير موفقة في عرض أفكاره، وكم حزنتُ من الاستماعِ عبر «تويتر» لبعض التعبيرات التي تصفُ حالَ المواطنِ البحريني بصورةٍ لا تتناسبُ مع قيمتِه الحقيقيَّة.
هناك أدواتٌ برلمانيَّةٌ في يدِ كلِّ نائب عليه أن يستعملَها بكفاءةٍ للوصول إلى أهدافِه في الرقابةِ الحقيقيَّةِ على أداء الوزراء، بعيدًا عن استخدامِ ميكرفون البرلمان في التقليل من مسؤولٍ ما، وعلى النائبِ أن يدركَ أن الإقلالَ من هيبةِ الوزير هو في الوقت نفسه إقلالٌ من هيبةِ النائب، مثلما أن العكسَ صحيحٌ بكل المقاييس، كما أنه تعدٍّ على استقلالِ السلطتين واحترامهما لبعضهما ويعيق التعاونَ فيما بينهما ويضر بالمصلحةِ العامة.
ويجبُ على البرلمان أن يطرحَ الأفكارَ المبتكرةَ للتعاملِ مع المشكلات والتحديات التي تواجه عمليةَ التنمية، بعيدًا عن الكلامِ الأجوف البعيد عن الموضوعيَّة، وعدم الانجرار وراء «حب الظهور» فقط، وكذلك عليه مسؤولية جسيمة في ملاحقة التقصير، ورصد المخالفات، ومساءلة المسؤولين عنها بقوة.
ومن المعروف أن الحصانةَ البرلمانيَّةَ هي نوعٌ من الحمايةِ القانونيَّةِ التي يعطيها الدستورُ لنواب الشعب في البرلمان كنوعٍ من الحمايةِ السياسيَّة والقانونيَّة حتى يستطيعَ النائبُ أن يؤديَ وظيفتَه الدستوريَّةَ كاملةً بعيدًا عن تأثير السلطة التنفيذيَّة في أعضاء البرلمان بالترغيبِ أو الترهيب، ولكن أيضا لا يجبُ إساءة فهم هذه الصلاحية من خلال التجريح أو التطاول المتكرر.
في المقابل على الوزراء أن يعرفوا أهميةَ دورِ النواب في نقل نبض الشارع لهم، للوقوف على السلبياتِ لتصحيح مسار الأداءات الحكومية في مختلف القطاعات، وكذلك فإن أصوات النقد البنَّاءة هي الوسيلةُ الفاعلة لترجمة الممارسة الديمقراطيَّة السليمة.
في الوقت نفسِه، فإن رئاسةَ مجلس النواب تقعُ على عاتقها مسؤولية بحكم اللائحة الداخلية للمجلس في ضبط الأداء النيابي، فلا يجب أن تكونَ سيفًا مسلطًا على رقاب النواب للتضييق على ملاحظاتهم تجاه أي وزير، كما يجبُ أن يتحلَّى الرئيسُ بصدرٍ رحب في تقبل آراء النواب، كما أن هناك دورا مهما لوزير شؤون مجلسي الشورى والنواب في ألا يقفَ مكتوفَ الأيدي عن تصحيحِ أي مداخلة غير صحيحة من النواب، حتى لا يتحول المجلسُ التشريعيُّ إلى بوقٍ لترديد المغالطات أو الشائعات التي تضرُّ بالمشهدِ السياسيِّ أو الاقتصاديِّ للمملكة.
إننا الصحافةَ الوطنية لا نريدُ أن يتحولَ البرلمانُ إلى ساحةٍ للتجريح أو التقليلِ من مؤسساتِنا، لأن هذا مسارٌ غير محمود، يؤدي في النهاية إلى فقدان الشارع الثقة في ممثليه تحت قبةِ البرلمان، كما أننا ننشدُ أن يصدِّر البرلمان صورةً مضيئة للحوار والنقاش الهادئ بعيدًا عن «التشنجات».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك