مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
ضمائر العالم على أرض التعايش
البحرين اليومَ على موعدٍ مع محطةٍ جديدةٍ في مسيرةِ تجربتِها الديمقراطيَّةِ التي انطلقت قبلَ أكثر من 20عامًا، إذ تحتضنُ أرضُ المملكةِ أكبرَ تجمُّعٍ برلمانيٍّ عالميِّ، عندما تستضيفُ أعمالَ اجتماعاتِ الجمعيةِ العامة الـ 146 للاتحادِ البرلمانيِّ الدوليِّ، بمشاركةِ حوالي 2000 برلمانيِّ يمثلون أكثرَ من 143 دولةً.
ونحن إذ نرحبُ ببرلمانيِّ العالم، نذكِّرُهم بأنهم يمثلون ضمائرَ أممِهم وشعوبِهم، ونقولُ لهم: اليوم أنتم في موقعٍ تستطيعون من خلاله أن ترون بأعينِكم وأسماعِكم وأحاسيسِكم حقائقَ هذا المجتمعِ، لأننا مع الأسفِ الشديد، ورغم أننا في عصرِ الاتصالاتِ السريعةِ الذي تنتقلُ فيه المعلوماتُ والأخبارُ من أقصى الأرضِ إلى أقصى الأرض، إلا أنه وفي معظمِ الأوقاتِ نعاني من انتشار للمعلوماتِ المغلوطةِ المفبركةِ المسيَّسةِ لتشويه سمعةِ الأوطان من خلال بعض الفوضويين أصحابِ الأصواتِ الشاذةِ الذين يمكنُ أن نطلقَ عليهم «شارلتونات العصر» «snatalrahc».
في الحقيقةِ يهمُّنا ألا تترددون في طرحِ كل سؤالٍ يدورُ في أخلادِكم، لأننا نؤمنُ بأهميةِ لغةِ الحوار، وفقط بالحواراتِ المفتوحةِ بيننا وبينكم، تستطيعون أن تستنبطوا وتستنتجوا حقائقَ مجتمعِنا.
في الوقتِ نفسه، نتمنى من حضراتِ السادةِ البرلمانيين من أبناءِ جلدتِنا أن يحرصوا على تبادلِ الأفكارِ والآراء مع البرلمانيين الضيوف، لأن تبادلَ الرأي وكسبَ المعرفة والاستماعَ إلى المدارسِ البرلمانيَّةِ المختلفة، يسهمُ في صقلِ التجربةِ البحرينيَّةِ من خلال الاطلاعِ على نمطِ وطبيعةِ العملِ البرلمانيِّ في بقيةِ دولِ العالم.
وحسنًا، تبنَّى الاتحادُ البرلمانيُّ الدوليُّ موضوعَ )تعزيز التعايش السلمي والمجتمعات الشاملة للجميع: مكافحة التعصب ) ، في دورتِه الحالية في مملكةِ البحرين أرضِ التعايشِ التي احتضنت على أرضها منذ مئاتِ السنين كلَّ الأديانِ والمعتقداتِ بكلِّ حرية، وكرَّست قيمَ التسامحِ في أبناء هذا الشعب جيلا بعد جيل، وتميَّزت حضاريًّا وثقافيًّا باحترامِ التنوُّع وقبولِ الآخر.
تجربتُنا الديمقراطيَّةُ ورغم حداثتِها مقارنةً بالديمقراطياتِ العريقةِ، استطاعت أن تحتلَّ موقعًا متقدمًا بين التجاربِ المقارنةِ في المنطقة، بل واستطاعت في أن تزاحمَ الدولَ المتقدمةِ في مجالاتٍ عدة، حيث رسَّخت البنيةَ القانونيَّةَ في مملكةِ البحرين حقوق المرأة في المجالاتِ السياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ والثقافيَّةِ والاقتصاديَّةِ، حتى وصلت المرأةُ إلى رئاسةِ البرلمانِ في دورتِه السابقةِ، كأول امرأةٍ في تاريخِ الحياةِ البرلمانيَّةِ البحرينيَّةِ تصلُ إلى هذه المكانةِ بالانتخاب، بما يعدُّ خيرَ شاهدٍ على تطوِّر الحياةِ الديمقراطيَّةِ في المملكة.
وأكدت نسبةُ المشاركةِ في الانتخاباتِ النيابيَّةِ والبلديَّةِ 2022، والتي وصلت 73.18%، دخولَ العمليَّةِ السياسيَّةِ مراحلَ متطورة من المشاركةِ الشعبيَّةِ في الحكم، ومما يدعو إلى الفخرِ هو نسبةُ مشاركة الشبابِ في الانتخابات والتي تجاوزت 45%، وهو ما يؤكِّدُ أننا نقفُ على أرضٍ صلبةٍ في العمليَّةِ الديمقراطيَّةِ قوامُها شبابٌ طموحٌ يسهمُ بدورِه الإيجابيِّ في التغيير، عبرَ الإيمانِ بدورِ البرلمان المتزايدِ في تحقيقِ طموحاتِ المواطنين، لأن استقرارَ العمليَّةِ الديمقراطيَّةِ يتحققُ من خلال استمراريَّةِ الممارسةِ الصحيحةِ التي تصححُ أخطاءها، وصولا إلى الممارساتِ الفضلى سواء في التشريعِ أو الرقابة.
ونحن نتحدثُ عن إنجازاتِنا التي يجبُ أن تكونَ حاضرةً أمامَ برلماناتِ العالم خلال هذه الفترة، نؤكِّدُ أن أعضاءَ البرلمان بمجلسيه النوابِ والشورى عليهم مسؤولياتٌ عظيمة في البناء على ما تحققَ في مسيرتِنا الديمقراطيَّةِ، من خلال العملِ الجاد على بناءِ القدراتِ والمهاراتِ البرلمانيَّةِ التي تؤهلهم إلى الاضطلاعِ بأدوارِهم التشريعيَّةِ والرقابيَّةِ على جميعِ الأصعدة، والانصراف عن السقوطِ في هوةِ الملاسناتِ ولغو الحديث الذي لا يهدفُ إلى البناءِ أو التنميةِ الحقيقيةِ، وكم من مشاجراتٍ رأيناها تحت قبب البرلماناتِ بسبب «كلمة» من هنا أو من هناك.
أمانة أدركُ حجمَ المسؤولياتِ النيابيَّةِ المتزايدة يومًا بعد يوم على عاتقِ النواب، ووقوعهم تحت ضغوطِ الشارعِ الانتخابيِّ، لكن ما لا أقبلُه أن ينزلقَ البعضُ منهم وفي محاولةٍ للخروجِ من هذا المأزقِ نحو استخدامِ العبارات غير اللائقةِ تجاه زملائِه أو ممثلي السلطةِ التنفيذيَّة.
على الجميعِ أن يدركَ أن الشهرةَ المكتسَبةَ من وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، هي شهرةٌ زائلةٌ لا تبقى في ذاكرةِ الوطنِ أو المواطن، وما يبقى فقط هو العملُ الجاد والاقتراحاتُ التي تحققُ المكتسباتِ الملموسةَ للمواطنِ البحرينيِّ، ولنا في تجربةِ معالي خليفة الظهراني رئيسِ مجلسِ النواب الأسبق شيخِ البرلمانيين البحرينيين الأسوةُ الحسنة، حيث كان اقتراحُه بإنشاءِ صندوق احتياطي الأجيال القادمة، أحدَ التشريعاتِ الإيجابيَّةِ التي جاءت لتعززَ المشهدَ السياسيَّ والاقتصاديَّ للمملكة، لأنه كان مقترحًا ينظرُ إلى المستقبل، وهذا الصندوقُ كان أحد الأدواتِ التي مكَّنت البحرين من تجاوزِ تحدي جائحة كورونا التي تأثَّرت بها كلُّ دولِ العالم.
الحياةُ البرلمانيَّةُ البحرينيَّةُ تتطورُ بمثلِ هذه النماذجِ الإيجابيَّةِ، لأن الوصولَ إلى التنميةِ لن يتحققَ إلا بتكاملِ الأدوارِ بين السلطتين التشريعيَّةِ والتنفيذيَّةِ، ولكن الانشغالَ بتقديم مقترحاتٍ غير ذاتِ جدوى أو تخرجُ عن نطاقِ المعقولية في التطبيقِ أمرٌ يحتاجُ إلى ضبطٍ في الأداءِ البرلماني، لأنها تستنزفُ وقتَ المجلسِ التشريعي، وتصرفُه عن التركيزِ في أداء دورِه الرقابيِّ الإيجابي.
النقدُ الإيجابيُّ للتجربةِ الديمقراطيِّة البحرينيَّةِ هو أحدُ المقومات التي يمكنُ من خلالها تطويرُ الأداء وتحقيقُ الأهدافِ المنشودة، وهو أحدُ معاييرِ حرية الرأي والتعبير التي انطلقت مع بدء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، وصولا إلى احتضانِ مملكة البحرين لهذا العرسِ الديمقراطيِّ العالمي.
كلُّ نائبٍ وكلُّ عضو في مجلسِ شورى وكلُّ إعلاميِّ وصحفيِّ وكلُّ مواطنٍ مسؤولٌ عن إبرازِ الصورةِ الحقيقيَّةِ للبحرين أمام ممثلي برلماناتِ العالم، لأنهم يمثلون أصوات شعوبِهم، ونتطلعُ أن ينقلوا بصدقٍ ما يرونه من تقدُّمٍ في البحرين إلى بلادِهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك