مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
إنسانية الشرق وادعاءات الغرب
الحضارةُ الإنسانيَّةُ، تقومُ في أساسِها على الإسهاماتِ البشريَّةِ في جوانبِ الحياةِ وفقَ أطرِها الفكريَّةِ والثقافيةِ والاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ والسياسيَّةِ، بما يخلِّفُ أثرًا باقيًا في نفوسِ الأممِ المختلفةِ، تتوارثُه الأجيالُ المتتابعةُ، وتطوِّرُه بما يواكبُ المستحدثاتِ والتحولاتِ المحيطة بها، لتصنعَ التميُّزَ لكلِّ أمةٍ عن غيرِها.
الهويَّةُ الوطنيَّةُ لأي شعبٍ هي إحدى مقوماتِ نهضتِه، بناء على ارتباطِه بعواملَ أخرى كالانتماءِ الوطنيِّ والإقليميِّ والدينيِّ، وتسهمُ هذه الهويَّةُ في أن يكونَ هناك بصمةٌ فريدةٌ لكلِّ دولة، مقارنةً بالشعوبِ المجاورةِ له.
من هذا المنطلقِ تأتي أهميةُ أن نغوصَ عميقًا في جذورِنا التي تقودُنا إلى المستقبل، وصناعةِ المجد الذي يليقُ بالبحرين، تلك المملكةِ ذاتِ الانتماءِ الخليجيِّ العربيِّ الإسلاميِّ المتأصِّل في أبناءِ هذا البلد، الذي ورغم مساحتِه الجغرافيَّةِ الصغيرةِ كان ومازال مؤثِّرًا ومتفاعلا مع إقليمِه وأمتِه في مختلفِ القضايا والملفات، بفضل قيمٍ راسخةٍ تستندُ في الأساس على رغبة في الحداثة، تأسيسًا على مكانةٍ تاريخيَّةٍ وثقافيًّةٍ تميِّزُ حياةَ الإنسانِ البحرينيِّ.
الحديثُ عن الهويّةِ الوطنيَّةِ البحرينيَّةِ ليس حديثًا عن ذاتيةٍ أو انغلاقٍ على المحليَّة، لأن أحدَ المقوماتِ البحرينيَّةِ الأصيلة هي نموذجٌ للانفتاحِ والتعدديَّةِ من خلال اتصالِها التاريخيِّ بالعالم كأحد أهم الموانئ والمرافئ المائية للتجارةِ بين الشرق والغرب.
كان لقاؤنا مع معالي وزير الداخلية الفريق أول راشد بن عبدالله آل خليفة بمناسبةِ الاحتفالِ بيوم الشراكةِ المجتمعيَّةِ والانتماءِ الوطني، فرصةً لتأكيد المنهجيةِ البحرينيَّة في التطورِ ومواصلةِ الريادة كأحد المعايير التي تميِّزُنا، من خلال الكشف عن بدء تطبيق برنامج السجون المفتوحة مع حلول شهر رمضان الفضيل، مع إشارتِه الواضحةِ أننا نعيشُ في وطنِ الهويَّة، وطن الإنسانيةِ والقيمِ السمحة.
هذا الإعلانُ يؤكِّدُ بما لا يدعُ مجالا للشك، وضوحَ الرؤيةِ لدى صنَّاعِ القرار في المملكة، بمواطنِ القوةِ التي يجبُ أن نعززَها، في ظل التطوراتِ المتلاحقةِ التي تشهدُها المنطقةُ والعالم، والتي تلزمنا بأن نكونَ أكثرَ إدراكًا بما نمتلكُه من مقوماتٍ تمكِّنُنا من المنافسةِ الإقليميَّةِ والعالميَّةِ في شتى المجالات.
السجونُ المفتوحةُ تعدُّ نقلةً نوعيةً في تطبيقِ السياساتِ العقابيةِ، والانتقال بها إلى مرحلةٍ يمكنُ أن نطلقَ عليها «أنسنة العقوبات»، حيث تعتمدُ على إصلاحِ المحكومِ عليهم وإعادةِ تأهيلهم للانخراطِ في المجتمع، وتأتي السجونُ المفتوحةُ بعد النجاحِ اللافت لتطبيقِ قانون العقوبات والتدابير البديلة والذي استفاد منه 4815 محكومًا منذ بدء تطبيقه في 2017، هذا المشروعُ الذي سعت عديدٌ من دولِ المنطقةِ إلى الاستفادةِ من تجربةِ البحرين في تطبيقه.
هذه محطةٌ جديدةٌ من الاسهاماتِ البحرينيَّةِ في مجال تعزيز حقوق الإنسان، كأحد المظاهر السياسية والاجتماعية التي تسهمُ بها المملكةُ في الحضارةِ الإنسانيَّة.
وهنا لا بد أن نلقي الضوءَ على مبادرةِ «بحريننا» تلك المبادرةِ الوطنيَّة التي تمثِّلُ مظهرًا فكريًّا لحضارتِنا من خلال تركيزِها على الموروثِ الفكري لمجتمعنا، واهتمامها بزرع وترسيخِ هويتنا البحرينيَّة وتعزيز قيمِ المواطنة في نفوس أبناء هذا البلد، لأن الانتماءَ إلى البحرين هو انتماءٌ لهويَّةٍ وطنيَّةٍ تقومُ على التنوُّعِ الدينيِّ والمذهبيِّ، مع احترامِ وقبولِ الآخر، والعالمُ أحوجُ ما يكونُ إلى التجربةِ البحرينيَّةِ لمواجهةِ تنامي نزعات العنصرية في عديدٍ من دول العالم، على رأسها الدولُ المتقدمة، هذه النزعاتُ التي تتغذى على خطاباتِ الكراهيةِ وازدراء الأديان، وتؤدي في النهاية إلى سيطرةِ المتطرفين والمتشددين في كل مكان.
كلُّ هذه الخطواتِ تتمُّ من خلال مؤسسةٍ نظاميَّة مسؤولة عن إنفاذ القانون وهي وزارة الداخلية، وحينما نقارن بين ما يفعله رجالُ الأمن هنا، وما يحدثُ في إنجلترا، حيث هناك أكثر من 1500 رجلِ أمنٍ إنجليزي يواجهون دعاوى أمام القضاء الإنجليزي بتهمِ الفسادِ واللاأخلاقية، إضافة إلى ما حدث أول أمس ونقلته وكالاتُ الأنباءِ والمحطاتُ الإخبارية عن بدء تحقيق موسع حول اتهام الشرطة البريطانية بأنها مؤسسةٌ عنصريَّة تكره النساء.
ولعلَّ الخبرَ الذي ننشرُه على صفحتِنا الأولى الذي يكشفُ عن فيديو صادمٍ للشرطةِ الأمريكيَّةِ وهي تعاملُ شابًا مريضًا نفسيًّا وتضربُه حتى الموت.. وإفادة والدته أنه رغم معاناةِ ابنِها إلا أنه عُوملَ مثل الكلب، تأكيدًا لعنصرية الشرطةِ الأمريكيَّةِ ضد بعض فئاتِ المجتمع.
أضع هذه المقارنةَ أمام الجميع لأقولَ، آن الأوانُ أن يخجلَ الغربُ، حينما يتحدثُ عن حقوقِ الإنسان، ويتهمنا بأننا غيرُ ملتزمين، لأن لدينا قيمًا وعادات تمثِّلُ جزءا من هويتِنا الوطنيَّةِ في نشر قيم التسامح والتراحم بين بني الإنسان.
ونحن مقبلون على شهر رمضان الفضيل، تقدِّمُ البحرين إلى العالم تجربةً إنسانيَّةً فريدة، وهي فرصةٌ أن نستثمرَ هذا المناسبةَ الدينيَّةَ لتعزيزِ القيم الروحانيَّةِ والإنسانيَّة في النفوسِ البشرية، التي تمزقت أشلاؤها جراءَ الحروبِ والنزاعاتِ والصراعاتِ والكوارثِ الطبيعيَّة، التي لا ننفكُ من أزمةٍ منها حتى تلاحقُنا الأخرى.
أدعو شعوبَ الأرضِ إلى أن تستثمرَ هذا الشهرَ المبارك لالتقاطِ الأنفاس، ومراجعةِ النفس للتخفيفِ من معاناةِ البشريَّةِ في كلِّ مكان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك