مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
ما بين الممكن والمأمول!
ليس بالعمل البرلماني نظرية الفوز بإسكات الطرف الآخر، ولكن بمناقشات منطقية على أرض الواقع، العقل يقول إن من الأبجديات الضرورية لفهم الحقائق هو الإحساس أولا بها، وأن يمتلك المرء القدرة المعرفية والحكمة في تنوير الموضوع للرأي العام.
وجاءت كلمات جلالة الملك المعظم خلال جلسة مجلس الوزراء أمس لتؤكد أن نجاحات المسيرة الوطنية لا يمكن أن تتحقق إلا بتعاون السلطتين التنفيذية والتشريعية، في رسالة واضحة للجانبين بأهمية استمرار العمل وبذل العطاء لتحقيق أهداف الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي الذي يعزز من خلق الفرص النوعية للمواطنين.
اليوم أمام مجلس النواب الموقر قرار التصويت على التوافقات التي تمت بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول مشروع الميزانية الجديدة، التي ربما لا ترضي طموح كل مواطن، ولكن علينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا، وأن نوازن بين ما هو مأمول وما هو ممكن.
الرسالة هنا إلى الحكومة والنواب معا، فالنواب الذين يبالغون في مطالبهم ويستغلون وسائل التواصل الاجتماعي لممارسة الضغوط على الجانب الحكومي عليهم أن يدركوا حقائق الأمور، وهي مسؤولية كانت ولا تزال تقع على عاتق المعنيين في السلطة التنفيذية، الذين يجب عليهم تقديم شروحات وافية عن الأوضاع المالية والاقتصادية للمملكة، سواء على المستوى المحلي أو على المستويين الإقليمي والدولي، وما لها من تداعيات وتأثيرات على الشأن الداخلي.
الطرح الذي توصل إليه الجانبان يحمل في طياته بنودا يجب أن يدركها الرأي العام، فإذا كنا نبحث اليوم عن زيادات في الرواتب والمعاشات، وهو حق مشروع للمواطن في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، فلا يجب أن يكون ذلك على حساب الأجيال القادمة؛ لأن مبالغ الزيادات التي تم إعلانها سوف تؤدي إلى زيادة في عجز الميزانية بقيمة 110 ملايين دينار على مدار عامي 2023 و2024 بالإضافة إلى رفع سقف الدين العام بقيمة مليار دينار إضافية، والجميع يعرف أن حجم الدين العام للبحرين وصل إلى ١٦٫٧ مليار دينار حاليا.
لذا فإنه مع الموافقة على الميزانية الجديدة يجب البحث عن وسائل أخرى لتنمية إيرادات الدولة حتى لا تبقى الإيرادات النفطية هي المورد الرئيسي لتمويل الميزانية.
وعلى الرغم من الجهد المبذول في السنوات الأخيرة لتنويع مصادر الدخل، لكن علينا أن نقر بضرورة بذل المزيد في هذا الاتجاه، مع عدم اللجوء إلى الحلول السهلة المتمثلة في رفع الرسوم فحسب، لكن من خلال العمل على جذب استثمارات حقيقية ونوعية تدر قيمة مضافة على الاقتصاد وتخلق فرص العمل المنشودة من المواطنين.
مجلس النواب مسؤول أيضا في مساعدة الدولة في تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار من خلال تشريعات تشجع المستثمرين الحقيقيين - المنتجين في مختلف مجالات الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات - على الدخول إلى السوق البحريني، والعمل على رسم خريطة استثمارية واضحة لمعالم ومجالات الاستثمار التي تؤهل المملكة للمنافسة الإقليمية والعالمية.
جميع دول العالم تتنافس فيما بينها في الوقت الراهن من أجل جذب رؤوس الأموال من كل حدب وصوب، ولكن ما الذي يدفع رأس المال إلى أن يفضل سوقا على حساب سوق آخر؟
كلمة لا بد أن أقولها، يا حضرات النواب الأفاضل؛ عليكم أن تعلموا أن البيروقراطية الرسمية تفتقد المفكرين الذين يتحلون ببعد النظر والذين يرشدون رؤساءهم بالضروريات التي نحتاج إليها في بناء مجتمع منتج، كما مرت مجتمعات أخرى بهذه التجارب ونجحت في ذلك، ولنا في هونج كونج وسنغافورة مثلا جليا، فهما دولتان وصلتا إلى آفاق متطورة اقتصاديا رغم أنهما لا تمتلكان أيا من المواد الخام، فهل فيكم أنتم يا حضرات النواب من على علم بهذه الحقائق، وهل قدم النواب على طاولة الحوار مع الجانب الحكومي أي أفكار غير تقليدية لإرشاد المسؤولين بوسائل جديدة لترشيد الإنفاق الحكومي أو زيادة إيرادات الدولة غير النفطية؟
أقول هذا ونحن من جيل عاصر بدايات نهضة البحرين، إذ حرص كل منا على سلك طرق مبتكرة في مجالات التجارة والصناعة ظلت باقية وشاهدة على هذه البدايات التي تميزت بها البحرين على أقرانها، وأهمس في آذان أبناء الجيل الجديد؛ عليكم بالإبداع والابتكار في شتى القطاعات، وإدراك أن المستقبل محفوف بتحديات ليست باليسيرة، وأن علينا أن نتخلى عن الاعتماد على الحلول التقليدية لمواجهتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك