مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
رأي القراء يرسم أجندة المستقبل
عطفًا على المقالِ السابقِ الذي نشرناه الثلاثاء الماضي تحتَ عنوان «ما بين الممكنِ والمأمول»، تسلَّمتُ أكثرَ من 160 رسالةً وتعليقًا عبرَ منصاتِ الجريدةِ الالكترونيَّةِ، بعضها غاضبة والأخرى محايدة والبعض مؤيد، المهم في ذكرِ هذه التفاصيل إعطاءُ الصورة الواضحة للقرَّاء الذين بادروا بالكتابةِ إلينا وفي الوقتِ نفسِه للرأي العام.
هناك نقطةٌ أساسيَّةٌ في كل رأي أو نظرية بأن الاختلافَ واردٌ، والسببُ يرجعُ إلى مستوى الفهمِ وقوةِ الإدراك والمعلوماتِ المتاحةِ من شخصٍ إلى آخر، وأقول إنني شاكرٌ للقراءِ الذين تفاعلوا معنا بغضِ النظر عن آرائهم المختلفةِ.
إنني من الأشخاصِ الذين يشعرون بقلقٍ وأرقٍ كبيرين حينما لا أرى في الصحافةِ العربيَّةِ آراءَ القراءِ على صفحاتِ الجرائد، فمع الأسفِ الشديد نحن كثيرو الكلام قليلو الكتابة، في الوقتِ الذي نرى في الصحفِ غيرِ العربيَّة أهمَّ صفحاتِ الجريدة تتركَّزُ في بريدِ القراء، حتى يستطيعَ المرء والمجتمعُ والدولةُ أن يستقيَ الرؤيةَ الصحيحةَ لآفاق الفكرِ وتطلعات الأمة.
في الواقع مثل هذه المعلومات تصلُ إلى مستوى أهميةِ استطلاعات الرأي، وهذه الآراءُ لها الثقلُ الأكبر لأنها لا تأتي من تجمعاتٍ شعبيَّة أو مؤسساتٍ حزبيَّة بل نابعةٌ من عقلِ وثقافةِ الفرد، أي إنها مستقلةٌ من دون تأثيرٍ من أيِّ جهة.
واليوم مع إقرارِ مشروع الميزانيَّة العامةِ الجديدةِ من مجلس الشورى، لا بدَّ من أن نؤكِّدَ أن هذه ليست نهايةَ مرحلة العمل المشترك بين السلطتين التنفيذيَّة والتشريعيَّة، ولكنها بدايةٌ لطريقٍ طويل من الجهودِ المتواصلة من أجل وضع وضمان آلياتٍ صحيحة لزيادة تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وعدم ترك الأمر لمفاوضات وتوافقات من هنا أو هناك من أجل إقرار زيادات قد لا ترضي بعضَ الأطراف.
ومن خلال ما رصدتُه من آراءِ المواطنين هناك أمورٌ تستحقُ الدراسةَ المتعمقةَ من الحكومةِ ومجلسي الشورى والنواب حتى خلال الإجازةِ البرلمانية، وعلى رأسها، مخاطرُ استمرار رفع الدين العام، إذ يجبُ على الجانبين أن يضعا الحلولَ الناجعةَ للسيطرةِ على سقفِ الدين العام، والوصول إلى مرحلةِ سداده لتخفيفِ الضغوط على الميزانية، حتى يتمَّ توجيهُ الفوائضِ لصالح المواطنين.
وهناك من يقوُل: «بمجرد أن تفرضَ ضرائبُ على الأموالِ المحوَّلة إلى الخارج سوف تعودُ الميزانيةُ أقوى ويُغطى العجزُ، بل ويوجدُ فائضٌ ينعشُ الاقتصادَ الوطني بشخطةِ قلم!!»، وهي رسالةٌ مباشرة بضرورةِ بحث ملف الضرائب بصورةٍ شاملة سواء ضرائب الشركات أو الضرائب على تحويلات العاملين غير البحرينيين.
وكذا ضرورة العمل على ترشيد الإنفاق الحكومي وتوجيهه بصورةٍ صحيحة نحو أولوياتِ الوطن والمواطن، مع ضرورةِ استمرار إصلاح أحوال صناديق التقاعد من دون إضافةِ أعباء على المواطنين، وذلك من خلال استثماراتٍ ذات عائدٍ استثماري لا يسببُ خسائرَ لأموال المتقاعدين.
يجبُ الإشارةُ هنا إلى أن التخطيطَ للمستقبل هو في صالح كل المجتمع وفئاته وأجياله، فالمحافظةُ على حقوقِ الأجيال القادمة في المواردِ الطبيعيَّة هو في طياته يصبُّ في مصلحةِ أبناء الجيل الحالي أيضا، من خلال إلزامِ المعنيين بوضع خطط اقتصادية ذات مردودٍ آني للمواطن، من دون الاعتماد على الحلول السهلة الميسَّرةِ التي تقومُ على الثرواتِ الطبيعية والنفطية فحسب.
ومن خلال التعليقاتِ يجبُ على الحكومةِ ومجلسي الشورى والنواب إجراءُ دراسةٍ متأنيَّة لمستوى معيشة المواطن في البحرين والوقوف على الفئات المستحقة للدعم وخاصة ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وهذا دورٌ منوط به اللجنةُ المشتركة بإعادة توجيه الدعم والتي يجبُ عليها الإسراعُ في تقديمِ رؤاها ومقترحاتها في هذا الشأن لتكونَ حاضرةً أمامَ السلطةِ التشريعيَّةِ في دور الانعقاد القادم، ليتمَّ الأخذُ بها في ميزانية 2025/2026.
كما كان أحدُ الهواجسِ الرئيسيَّةِ لدى قرائنا، ضرورةَ إيجادِ حلول حاسمة لمشكلة البطالة وتعطل الخريجين، وذلك من خلال تحقيق الأولوية الفعلية للمواطن في التوظيف والتشغيل في شتى المجالات، وهذا يتطلبُ من البرلمانيين والحكومة سنُّ التشريعاتِ اللازمة لرفع مستوى كفاءة الخريجين لتتناسبَ مع متطلباتِ سوق العمل، وكذلك يجبُ على القطاع الخاص الاضطلاعُ بمسؤولياته وإفساحُ المجال أمام المواطن للحصول على فرصِ التوظيف بدلا من الأجانب.
وكان واضحًا أن البعضَ يظنُّ أن الاستثمارَ القادمَ من الخارج قد يكونُ بوابةً للاستيلاء على خيراتِ البلاد، وهذا غيرُ صحيحٍ مطلقًا، لأن جذبَ الاستثمارِ يسهمُ في خلق الفرصِ النوعيَّة للتوظيف، ومن دون شك يجبُ أن تكونَ هناك شروطٌ وضوابط لضمانِ الأولويَّة للبحرينيين والبحرينيات في هذا التوظيف.
ونتركُ مسكَ الختامِ لمطالب القراء، وبلغةٍ منطقيَّة وواقعيَّة «وضع سلم للأجور»، وهذه مشكلةُ كلّ الدولِ الرأسماليَّة تعاني منها، أي أنها لا تستطيعُ أن تحددَ حقيقةَ الاحتياجات الحياتية للطبقة العاملة، إلا في النمطِ الياباني الذي يعتمد منهجًا لمنح الأجور للموظف بناء على المؤهلاتِ التعليميَّة بغض النظر عما كان يعمل سواء في الصرَّافات أو المستشفيات أو المصانع أو المؤسسات التجاريَّة ومن ثمَّ يتمُّ رفعُ هذه الأجور بناء على معيار الكفاءة، لذلك يجبُ على رجالاتِ الدولة وصناعِ القرار وضعُ هذه الحقيقة نصبَ أعينهم أثناء وضع أجندة عمل المرحلة المقبلة.
إن نشرَنا لما قرأتم من الآراءِ هو لهدفٍ معلوماتيِّ، ومن واجب بيروقراطية الدولة تقديمه إلى المسؤولين ولكن كما قلنا في المقال السابق إن البيروقراطيَّةَ الموجودةَ في دوائرِ المسؤولين غير مؤهلةٍ لتناول مثل هذه التقارير وتقديمها لرؤسائهم عن الأوضاعِ الحياتيَّة والاجتماعيَّة في البلاد.
وآخر كلمةٍ عندنا إن أكبرَ دعمٍ للمجتمع والدولة حينما تكونُ الصحافةُ وأصحابُ الأقلام يؤدون دورًا رائدًا في تقويةِ الدولة وتجنيبها سلبيةَ الأداء، لأن أيَّ زائرٍ حينما يأتي إلى بلدٍ ما يستطيعُ أن يصنّفَ حقيقة واقع شعبها من خلال أمرين، انضباطِ حركة المرور وانفتاح الصحافة، وهذان دليلان يدركهما أي زائر على تطوُّرِ ذلك المجتمع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك