مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
بين التحضر والانحدار
بصفتي معاصرا في عمل الصحافة تقريبا نصف قرن من حياتي، حتى الآن مازالت الأحداث تفاجئنا كل يوم بكثير من الأخبار غير المتوقعة، ومن تصرفات غير لائقة، ليس من الأشخاص العاديين بل من الذين يدعون أنهم من أرباب الكلمة وممن يرتدون قبعات الفكر والالتزام بالبروتوكولات السياسية والدبلوماسية.
في الأسبوع الماضي نشرت الجريدة واحدا من أعظم الأخبار الاجتماعية المفرحة والرزينة والعاقلة، بشأن إعلان مجموعة النساء الفاضلات من قبيلة مطير الكويتية إيقاف مظاهر البذخ المترف في المناسبات الاجتماعية كالمَلكة والزواج وحفلات التخرج وغيرها من المناسبات، وهذه المبادرة يجب أن ننظر إليها باهتمام يليق بها، كما قامت الفاضلة المصرية هدى هانم شعراوي قبل قرن من هذا اليوم؛ لأن التجديد والتغيير في نمط العيش والسلوك هو أمر حياتي من دونه سنتخلف عن الركب الحضاري العالمي.
وكم أتمنى من جميع الفاضلات في الدول الخليجية والعربية أن يباركن هذه الخطوة الكويتية كمبدأ في وجدان المجتمع العربي.
أقول هذا لأن أمهاتنا وأخواتنا قادرات أكثر من الرجال على أن يفرضن على المجتمع إصلاح ما هو غير صالح من العادات والسلوكيات الخاطئة، وهن بذلك سيحميننا من ألسنة الأعداء، منها ما نشرناه الأسبوع الماضي أيضا حول ما قاله السير شيرارد كوبر كولز السفير البريطاني الأسبق لدى السعودية، الذي تطاول علينا بلسان من الشتائم والحقد، وأنكر إسهامات هذه الأمة تاريخيا في شتى العلوم خلال عهد الحضارتين الأموية والعباسية، متجاهلا ما قاله أحد فلاسفة الإنجليز أنفسهم، الفيلسوف برتراند آرثر ويليام راسل في كتابه الذي حمل عنوان «فلسفة الغرب»، وهو أستاذ في علوم الرياضيات، الذي أكد فيه أنه من دون إسهامات ابن رشد وابن سينا والخوارزمي والفارابي والكندي لما بقي من آثار الحضارة الإغريقية في العالم شيء، بل كانت على وشك الاندثار.
فللعرب فضل ليس فقط في المحافظة على حضارة الإغريق، بل أضافوا إليها، وجميعنا نعلم أن هذه المحاولات العلمية بدأ أساسها بعد اليونان في مكتبة الإسكندرية القديمة المعروفة بين المصريين والإغريق على حد سواء، ورغم أنها كانت مركزا للعلوم والثقافة فإنه مع الأسف الشديد في يوم من الجنون والخوف من هذه القلعة الفكرية العريقة أمر يوليوس قيصر بإحراق أعظم مكتبة تاريخيا في عام 48 قبل الميلاد.
يا سيد شيرارد ألم تقرأ عن هذا؟! هل تعلم بهذا!
أعتذر أنني كنت في أشد الحاجة إلى هذه المقدمة الطويلة، ولكني أضعها أمام القارئ للخروج من عباءة سلبيات الفكر الغربي القائم على الاستهلاك، والانطلاق إلى فكر تنموي إنتاجي.
إننا في «أخبار الخليج» نؤمن بقدرات المرأة، ونحترمها ونجلها لأنها ليست نصف المجتمع فحسب بل هي المجتمع، وذلك اقتداء برسولنا الأكرم الذي قال «استوصوا بالنساء خيرا».
وبناتنا في المجتمع البحريني أثبتن أنفسهن بكفاءة عالية في جميع المجالات، العلمية والتعليمية والتجارية، وأن يكن رائدات ليس فقط على مستوى البحرين بل في منطقة الخليج.
بعد يومين، نحتفل بالذكرى الثانية والعشرين لتأسيس المجلس الأعلى للمرأة، الذي قام بأعمال جبارة لتعزيز تمكين وتقدم النساء البحرينيات، ووفر لهن المنصة التي يقفن عليها بحيث صرن وزيرات وسفيرات ومديرات، واقتحمن كل المجالات، حتى قيادة الطائرات والسفن.
هذه التطورات أتت بفضل تفكير عميق لمؤسسي هذه المؤسسة من أجل نقل الصورة النسائية إلى آفاق أعلى بكثير وفي فترة من الزمن.
وبإلقاء نظرة على التركيبة العائلية سواء في مجتمعنا أو في المجتمعات غير العربية نجد أن المرأة هي وتد الخيمة في العائلة مع الرجل الذي يعتبر عمود الخيمة، من أجل نجاح الأسرة، كما أن المرأة هي القلب الذي يغذي أوردة أي أسرة بالود والحب الذي يعزز التآلف بين أفرادها.
ومما يميز الحضارة العربية الإسلامية أن تكريم المرأة لم يبدأ من الغرب لكنه نشأ في الشرق، أول امرأة أصبحت رئيسة للوزراء في ستينيات القرن الماضي هي السيدة سيريمافو باندرانايكا في سريلانكا، وبعدها السيدة أنديرا غاندي، قبل هاتين الفاضلتين وحينها لم تكن أي امرأة غربية قد وصلت إلى هذه المكانة في بلادها، وإلى اليوم مازالت الغربية مظلومة في معاشها ورزقها مقارنة بالرجال في مجتمعاتهن.
المعين الفكري العربي، وإن أصابه بعض الخلل في مرحلة مراحله، لكنه يبقى معينا ثريا بعطاءات أبنائه، وفي القلب منه نون النسوة القادرات على قيادة أي نهضة اجتماعية من خلال تنشئة أجيال جديدة تدرك دورها في الإسهام الحضاري، وكذا المشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية المستدامة لأوطاننا، ولنا في التاريخ الأمثلة الصالحة، وفي الحاضر النجاحات الحاضرة، وفي المستقبل الأمل المشرق.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك