العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

معلمة من غزة تروي مشاهد الرعب والألم..
أنا خائفة مثلكم.. أضعت حساب الأيام والتواريخ

بقلم: هيا فريج

الجمعة ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

الليل‭ ‬لا‭ ‬يخفي‭ ‬الويل،‭ ‬فالحرب‭ ‬المجنونة‭ ‬علينا‭ ‬تستعر‭ ‬ليل‭ ‬نهار،‭ ‬ويحمي‭ ‬وطيسها‭ ‬أكثر،‭ ‬ويزداد‭ ‬جنونها‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬الانفجارات‭ ‬المدوية‭ ‬والمخيفة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف،‭ ‬أسمع‭ ‬من‭ ‬سريري‭ ‬صوت‭ ‬قذائف‭ ‬البوارج‭ ‬البحرية،‭ ‬وصواريخ‭ ‬الطائرات‭ ‬الجوية،‭ ‬وقنابل‭ ‬المدفعيات‭ ‬المتمركزة‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬وأرى‭ ‬وهج‭ ‬النار‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أسمع‭ ‬صوت‭ ‬الانفجار،‭ ‬ويملأ‭ ‬حلقي‭ ‬وأنفي‭ ‬بالغبار‭ ‬والرماد،‭ ‬وأرى‭ ‬الشظايا‭ ‬المتناثرة‭.‬

يتخلل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬آهات‭ ‬الباكيات‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬بعد‭ ‬الإصابة،‭ ‬وهتاف‭ ‬الرجال‭: (‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬إسعاف‭)‬،‭ ‬وأنين‭ ‬الأطفال‭ ‬الفزِعين‭ (‬يهود‭ ‬يهود‭)‬،‭ ‬وصوت‭ ‬أمي‭ ‬الذي‭ ‬يعلو‭ ‬بالشهادتين‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬قصف،‭ ‬وأبواق‭ ‬سيارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬التي‭ ‬تقطع‭ ‬شارعنا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬أنا‭ ‬خائفة‭ ‬مثلكم،‭ ‬لكن‭ ‬الصوت‭ ‬الوحيد‭ ‬المطمئن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النفق‭ ‬الأسوَد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نور‭ ‬فيه‭:‬

هو‭ ‬صوت‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬الموت،‭ ‬الناجين‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬الذين‭ ‬يهرولون‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬أطلّ‭ ‬عليه؛‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬الصالون‭! ‬

تخيل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أنيسك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬المطبق‭: ‬

طرق‭ ‬نعال‭ ‬الماشين‭ ‬الهاربين‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬النجاة‭ ‬وسط‭ ‬الظلام‭ ‬الحالك‭. ‬والحقيقة‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬أخاف‭ ‬الموت،‭ ‬أنا‭ ‬جارة‭ ‬المقبرة،‭ ‬شهدتُ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬تشييع‭ ‬الشهداء،‭ ‬ورأيت‭ ‬جثامينهم،‭ ‬وسمعت‭ ‬هتافات‭ ‬الشباب‭ ‬المودّعين،‭ ‬وأحفظ‭ ‬كل‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬هتفوها‭ ‬للقدس‭ ‬وفلسطين،‭ ‬وللشهداء‭ ‬المبشرين‭ ‬بالجنة،‭ ‬والدعاء‭ ‬بالصبر‭ ‬لأم‭ ‬الشهيد‭.‬

لكني‭ ‬لا‭ ‬أحتمل‭ ‬صفير‭ ‬الصواريخ‭ ‬قبل‭ ‬الانفجار،‭ ‬لدرجة‭ ‬أني‭ ‬صرتُ‭ ‬أشد‭ ‬شعري،‭ ‬وأتعوّذ‭ ‬من‭ ‬فواجع‭ ‬الأقدار،‭ ‬ومن‭ ‬المبنى‭ ‬المنهار،‭ ‬وأصعد‭ ‬على‭ ‬الأدراج‭ ‬لأفتش‭ ‬عن‭ ‬إخوتي،‭ ‬

لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬جثثنا‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض؛‭ ‬لذلك‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬مكان‭ ‬نوم‭ ‬أخيه؛‭ ‬كي‭ ‬يفتش‭ ‬عنه‭!  ‬في‭ ‬الليل‭ ‬متسعٌ‭ ‬لي؛‭ ‬كي‭ ‬أتفقد‭ ‬أحاسيسي‭ ‬التي‭ ‬أنساها‭ ‬وسط‭ ‬زحمة‭ ‬النهار،‭ ‬ومشاغله‭: ‬

أنا‭ ‬ابنة‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬عركتني،‭ ‬وأذاقتني‭ ‬ويلاتها،‭ ‬وأعرف‭ ‬كيف‭ ‬يُصدم‭ ‬الأطفال،‭ ‬وكيف‭ ‬تضيع‭ ‬أحلام‭ ‬المراهقين،‭ ‬وكيف‭ ‬تزول‭ ‬أماني‭ ‬الشباب‭.‬

لكني‭ ‬مللتُ‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وأشمئز‭ ‬من‭ ‬الردود‭ ‬الباردة‭ ‬للقريب‭ ‬والبعيد‭. ‬أشعر‭ ‬بالتوجّس‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموت‭ ‬البطيء،‭ ‬ومن‭ ‬الانتظار‭ ‬المرّ،‭ ‬متى‭ ‬يحين‭ ‬الرحيل؟‭ ‬أو‭ ‬متى‭ ‬تكون‭ ‬النجاة؟‭  ‬أكذب‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬إيماني‭ ‬يكفي‭ ‬للشعور‭ ‬بالطمأنينة،‭ ‬أنا‭ ‬قلقةٌ‭ ‬جدًّا‭ ‬من‭ ‬التهديد،‭ ‬والوعيد‭ ‬والقتل‭ ‬والترويع،‭ ‬والتلويح‭ ‬بالحرب‭ ‬البرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبقي‭ ‬ولا‭ ‬تذر،‭ ‬لا‭ ‬نجاة‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬ولا‭ ‬أمان‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يريد‭ ‬الاحتلال‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ننزح‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يقتلنا‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭!‬

أغبط‭ ‬الشهداء‭ ‬على‭ ‬نجاتهم،‭ ‬وخلاصهم،‭ ‬محظوظون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يغادرون‭ ‬هذا‭ ‬العذاب‭ ‬سريعًا،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬الأشقياء‭ ‬فنبقى‭ ‬أحياء‭ ‬عالقين‭ ‬في‭ ‬ذنوبنا‭ ‬وخطايانا‭. ‬

في‭ ‬غزة‭ ‬الفتية،‭ ‬معظم‭ ‬الشهداء‭ ‬من‭ ‬الأطفال،‭ ‬وحين‭ ‬أرى‭ ‬صورهم،‭ ‬أحزن‭ ‬على‭ ‬موتهم‭ ‬الحزين،‭ ‬وأبكي‭ ‬جلودهم‭ ‬الغضّة‭ ‬التي‭ ‬تذيبها‭ ‬الصواريخ‭ ‬الحارقة‭ ‬المحرمة‭ ‬دوليًّا،‭ ‬ماذا‭ ‬جنوا‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يحميهم‭ ‬العالم‭ ‬المتحضّر؟‭ ‬وماذا‭ ‬فعلنا‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬الحرب؟‭ ‬ومقتلي‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬أسئلتي‭ ‬التي‭ ‬تدور‭! ‬

أفكر‭ ‬كيف‭ ‬ستصبح‭ ‬حياتي‭ ‬لو‭.. ‬وتنقطع‭ ‬الأحلام‭ ‬بمجرد‭ ‬سماع‭ ‬الصاروخ‭ ‬الهابط‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬القدر‭ ‬النافد‭..‬

لا‭ ‬يمنع‭ ‬دعاء‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬بالسلامة‭ ‬نزولَ‭ ‬المصائب،‭ ‬فالشهداء‭ ‬يرتقون‭ ‬تباعًا،‭ ‬وأرواح‭ ‬الشباب‭ ‬تتصاعد‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬جماعاتٍ،‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬الولادة‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬الآحاد‭. ‬

مشكلة‭ ‬الإنسان‭ ‬الأزلية‭ ‬الأبدية‭ ‬في‭ ‬ندمه‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬الأشياء‭ ‬الضائعة،‭ ‬كم‭ ‬مرةً‭ ‬بكى‭ ‬آدم‭ ‬فردوسه‭ ‬المفقود؟

ونحن‭ ‬الآن‭ ‬نشعر‭ ‬بالندم،‭ ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬جمال‭ ‬غزة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نظرنا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬الركام،‭ ‬كم‭ ‬مرة‭ ‬أكلنا‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬غزة،‭ ‬ومضينا‭ ‬لنلعن‭ ‬حياتنا‭ ‬فيها؟‭ ‬

سامحنا‭ ‬يا‭ ‬رب،‭ ‬نحن‭ ‬ممتنون‭ ‬لك‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأيام‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬عشناها،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬باركتها‭ ‬لنا،‭ ‬سامحنا‭ ‬على‭ ‬الجحود‭ ‬والإنكار‭.. ‬أعدنا‭ ‬يا‭ ‬رب،‭ ‬يا‭ ‬مبدئ،‭ ‬يا‭ ‬معيد‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬عهدناها‭! ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معجزة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬انقطاع‭ ‬النبوة،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬كرامة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬وليّ‭ ‬بيننا‭ ‬يوقف‭ ‬دعاؤه‭ ‬الحرب‭ ‬علينا‭.  ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬البغيض،‭ ‬لا‭ ‬أحسب‭ ‬الأيام،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬التواريخ،‭ ‬ولا‭ ‬أميّز‭ ‬بين‭ ‬الخميس‭ ‬الونيس،‭ ‬والسبت‭ ‬التعيس،‭ ‬والثلاثاء‭ ‬المنحوس،‭ ‬كل‭ ‬الأيام‭ ‬منكوبة‭! ‬بعد‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬كسرت‭ ‬حاجز‭ ‬الأرقام،‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭. ‬أتذكر‭ ‬قبل‭ ‬شهرين‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬كنا‭ ‬نبكي‭ ‬على‭ ‬شبابنا‭ ‬العابرين‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬اليونان‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬شرعية،‭ ‬يا‭ ‬ليتها‭ ‬كانت‭ ‬مصيبتنا‭ ‬الأكبر،‭ ‬وليتنا‭ ‬سمحنا‭ ‬لهم‭ ‬بالهجرة،‭ ‬وما‭ ‬رأيناهم‭ ‬مقطعين‭ ‬أشلاء،‭ ‬وملفوفين‭ ‬بالأكياس،‭ ‬ومحمولين‭ ‬على‭ ‬الأكتاف‭ ‬دون‭ ‬نظرة‭ ‬وداع‭.‬

يقطع‭ ‬تفكيري‭ ‬رسالة‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬من‭ ‬صديقة‭ ‬أخرى‭ ‬تسألني‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬عن‭ ‬قريبها‭ ‬المفقود،‭ ‬وتبعث‭ ‬لي‭ ‬الرجاءات،‭ ‬والدعاء‭ ‬بستر‭ ‬عرضي‭ ‬أن‭ ‬أسأل‭ ‬لها‭ ‬عنه،‭ ‬وعدتها‭ ‬أن‭ ‬أسأل‭ ‬إخوتي،‭ ‬لكنني‭ ‬أخفيتُ‭ ‬عنها‭ ‬الإجابة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وهي‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬استشهد‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬في‭ ‬المخيم،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬اليوم‭ ‬إنّه‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬قد‭ ‬دفِن،‭ ‬فالمشافي‭ ‬تدفن‭ ‬مجهولي‭ ‬الهوية‭ ‬بعد‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬استشهادهم‭. ‬أحاول‭ ‬التخفيف‭ ‬عنها‭ ‬بأن‭ ‬الشهداء‭ ‬أحياء‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬يرزقون،‭ ‬وأن‭ ‬الشهيد‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بألم‭ ‬قبض‭ ‬الروح،‭ ‬وأن‭ ‬الهمّ‭ ‬موزّعٌ‭ ‬على‭ ‬الخلائق‭ ‬بالعدل‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فعدد‭ ‬الشهداء‭ ‬مجهولي‭ ‬الهوية‭ ‬فاق‭ ‬الألف‭ ‬شهيد،‭ ‬ويجري‭ ‬دفنهم‭ ‬بموافقة‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬والداخلية‭ ‬وبفتوى‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف،‭ ‬وننتظر‭ ‬جميعًا‭ ‬التهدئة‭ ‬للتفتيش‭ ‬عن‭ ‬بقايا‭ ‬البيوت،‭ ‬وعن‭ ‬الجثث‭ ‬والأشياء‭. ‬

أحاول‭ ‬أن‭ ‬أمازحها‭ ‬متعاليةً‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬الجلل‭ ‬‭ ‬بأسلوبي‭ ‬المعهود‭ ‬لتجاوز‭ ‬الألم،‭ ‬وأقول‭: ‬هل‭ ‬تذكرين‭ ‬كم‭ ‬كنا‭ ‬نتأفف‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الخصوصية‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬ولا‭ ‬ندري‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬نعمة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الكل‭ ‬يعرف‭ ‬الكل،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فمجهولون‭ ‬كثر‭ ‬دفنوا‭ ‬دون‭ ‬التعرف‭ ‬عليهم‭ ‬أو‭ ‬وداعهم‭! ‬

أشتم‭ ‬رائحة‭ ‬البارود‭ ‬والنار‭ ‬والفسفور،‭ ‬من‭ ‬غرفتي‭ ‬الغربية‭ ‬نفسها،‭ ‬أندب‭ ‬مع‭ ‬العجائز‭ ‬في‭ ‬المخيم،‭ ‬كلنا‭ ‬خسرنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وكلنا‭ ‬دفعنا‭ ‬ثمنًا‭ ‬باهظًا،‭ ‬كلنا‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الموت‭ ‬القادم،‭ ‬والموت‭ ‬أهون‭ ‬من‭ ‬الفسفور‭ ‬الذي‭ ‬يذبحنا،‭ ‬ويحرق‭ ‬وجوهنا،‭ ‬ويأكل‭ ‬أنوفنا‭...‬

أضع‭ ‬الغطاء‭ ‬على‭ ‬وجهي،‭ ‬أغطي‭ ‬قدميّ‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمان،‭ ‬أتضرع‭ ‬إلى‭ ‬الرب؛‭ ‬يا‭ ‬ربّ‭ ‬أنقذ‭ ‬وجهي‭ ‬ورجليّ‭ ‬من‭ ‬الشظايا،‭ ‬أرجوك‭ ‬إن‭ ‬كتبت‭ ‬لي‭ ‬الحياة،‭ ‬فلا‭ ‬يتشوّه‭ ‬جسدي،‭ ‬ولا‭ ‬يحترق‭ ‬جسمي،‭ ‬الموت‭ ‬أهون‭ ‬عليّ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

لا‭ ‬أريد‭ ‬النوم،‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬منامي‭ ‬مشهد‭ ‬الخيمة،‭ ‬والقدور‭ ‬الفارغة،‭ ‬وكرت‭ ‬المؤن،‭ ‬وطابور‭ ‬الإغاثة،‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬أريده‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الله‭ ‬علينا‭ ‬نعمه‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬فقد‭ ‬اعتدنا‭ ‬الرفاهية،‭ ‬ولم‭ ‬نخشوشِنْ،‭ ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬أحتمل‭ ‬ذلّ‭ ‬الجنوب،‭ ‬أو‭ ‬جنوب‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬سيناء‭! ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬الكابوس‭ ‬الذي‭ ‬وقعنا‭ ‬فيه‭ ‬حال‭ ‬يقظتنا‭ ‬ومنامنا؟

المعجزة‭ ‬وحدها‭ ‬طريق‭ ‬النجاة‭.‬

والحسرة‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬والدمع‭ ‬في‭ ‬العين،‭ ‬والجرح‭ ‬في‭ ‬الكف،‭ ‬وهذه‭ ‬الحكاية‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬إذا‭ ‬كُتبت‭ ‬لنا‭ ‬الحياة‭...‬

{‭ ‬معلمة‭ ‬فلسطينية‭ ‬من‭ ‬غزة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا