مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
الــتــاريخ لـــن يــــرحمَكم..
فاضَ الكيلُ، لم يعد الضميرُ يحتملُ كمَّ الظلمِ الذي تعيشُه غزةُ وفلسطين وحيدة، فيما يقفُ العالمُ صامتًا وهو يشاهدُ أفظعَ الجرائمِ الإنسانيَّةِ على وجه الأرض، بل ويشاركُ فيها بمساعدةِ القاتلِ على ارتكابِ الإبادةِ الجماعيَّة بحق كلِّ أشكالِ الحياةِ على أرضِ غزة.
فاضَ الكيلُ، ونحن ننظرُ إلى قادةِ العالم غربِه وشرقِه، وهم يتشدقون بعباراتِ الإدانةِ والاستنكارِ الجوفاء لما يقدمُ عليه هذا الكيانُ الصهيونيُّ الغاصب لحقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ، مكتفيًا بترديدِ كلمات من طرف اللسان من دون أن يحركَ ساكنًا لردعِ مجرمي الحرب من الاحتلالِ الإسرائيليِّ.
فاضَ الكيلُ، ونحن نقفُ عاجزين عن تلبيةِ صرخةِ طفلةٍ فلسطينيَّةٍ واحدة فقدت كلَّ أهلِها على يدِ عصابةٍ من القتلةِ صنيعةِ الصهيونيَّةِ الغربيَّة، التي سقط قناعُها المزيفُ، ولم تعد تتخفى وراءَ ستارِ التحضُّر أو دعواتِ التقدُّم.
فاضَ الكيلُ، ونحن نرى كلَّ قيمِ الإنسانيَّةِ تنهارُ مع كلِّ طلقةِ رصاص تخرجُ من فوهةِ جندي إسرائيليٍّ جبان يتستَّرُ وراءَ سلاحِه وعتادِه العسكري ليقتلَ بدمٍ بارد بسمةً من بسماتِ أطفالِ فلسطين.
فاضَ الكيلُ، من سماعِ دروسِ الغرب وهم يحدثوننا عن الديمقراطيَّةِ وحقوقِ الإنسان وقيمِ المدنيَّةِ الحديثة، وهم في الأصلِ حفنةٌ من البلطجيَّة المتعطشين للحروبِ ومص دماء كلّ ما هو عربيّ، سواء من البشرِ أو من المواردِ الطبيعية.
فاضَ الكيلُ، ونحن نراقبُ الغربَ وهو يربي وحشًا على أرضِنا ويسقيه ويطعمه، حتى يأكلَ الأخضرَ واليابسَ ويتحولَ إلى وحشٍ شرس يخيفُ كلَّ من يجرؤ على الاقترابِ منه.
فاضَ الكيلُ، ونحن نرى الولاياتِ المتحدة تزوِّدُ إسرائيلَ بـ100 قنبلةٍ خارقةٍ للتحصينات، وعشراتِ الآلافِ من الأسلحةِ الأخرى لاستخدامِها في الحرب ضد غزةَ، ويقفُ وزيرُ خارجيتها ليدَّعي أنهم يسعون إلى هدنةٍ إنسانيَّة.
فاضَ الكيلُ، ونحن نرى مخططاتِكم تُرسمُ وتُنفّذُ على حسابِ فلذاتِ أكبادنا وأحلامِهم وطموحاتِهم في مستقبلٍ آمنٍ ومستقر، من أجل أن يعيشَ أبناؤكم في رغدٍ ورفاهية دون اكتراثٍ بآلامِنا ودمائنا.
فاضَ الكيلُ، ونحن ندفعُ الثمنَ غاليًا لجرائمِكم على مدار قرونٍ مضت، النازيةُ صنيعتُكم، الصهيونيَّةُ صنيعتُكم، وكلاهما يشربُ من المعين نفسه، وهي الوحشيَّة.
فاضَ الكيلُ، ونحن نصدِّقُ كلامَكم المعسولَ عن حلِ الدولتين، لكن ورقةَ التوتِ هذه قد سقطت، وتكشَّفت عوراتُكم، لأنكم غيرُ صادقين أو جادين في تنفيذِها على أرضِ الواقع، وأنتم تدفعون بآلافِ اليهود من كلِّ أرجاءِ الأرض ليغتصبوا أرضَ فلسطين إرضاءً لأطماعِ مجرمي الحرب في إسرائيل، حتى تقطَّعت السبلُ بالفلسطينيين، فابنُ غزةَ لا يمكنه أن يصلَ إلى الضفةِ الغربيَّة إلا بعد أن يحصلَ على عشراتِ الموافقاتِ من المحتل، أنَّى لكم كيف تحكمون؟!
فاضَ الكيلُ، ونحن نتابعُ وسائلَ إعلامِكم وهي تبذلُ الغاليَ والثمينَ من أجل غسيلِ الأدمغة تحقيقًا لأغراضِ سياستِكم المشبوهةِ، حتى وسائل التواصل الاجتماعي كشفت عن وجهها القميء وهي تطمسُ الحقائقَ وهي التي كانت تتغنى بحريةِ الرأي والتعبير.
فاضَ الكيلُ، وأنتم تدعمون القتلَ الجماعيّ لشعوبِنا، وفي كلِّ مرةٍ تتذرعون بحجةٍ واهية تسوقونها إلينا ونجبرُ أنفسَنا على تصديقِها، أملا في الوصول إلى غايةِ السلام والتعايش.
فاضَ الكيلُ، وأنتم تبررون جرائمَ الصهاينة في غزةَ وتدافعون عن السفاحين في إسرائيل، بدعوى حق الدفاعِ عن النفس، أيُّ دفاعٍ عن النفسِ هذا، هل تريدون أن تحمِّلون الضحايا مسؤوليةَ جرائم القتلة؟!
استقيموا فالتاريخُ لن يرحمَ أحدًا..
عليكم أن تدركوا أن العارَ سيلحقُكم جميعًا، واعلموا أن الصمودَ الفلسطينيَّ لن ينتهيَ، واسمعوا بأذانكم زغاريدَ الأمهاتِ الفلسطينيات وهم يزفون شبابَهم الشهداء إلى بارئِهم، لأن هذا شعبٌ لن تنكسرَ إرادتُه، وسيعود الحقُ ولو بعد حين.
فاليوم الطفلُ الفلسطينيُّ الذي يلهو بين أنقاضِ بيتِه الذي دكَّته صواريخُ الصهاينةِ، سيصنعُ من بين الركامِ نفقًا جديدًا يعيشُ فيه، ليخرجَ منه ماردًا قادرًا على أن يعيدَ الحقَ الفلسطينيَّ الضائع.
على العالمِ أن يخجلَ من صمتِه، وأن يعلمَ أن منطقَ الغابةِ الذي نعيشُه الآن سيولِّد المزيدَ من الفخاخ التي ستستهدفُ الجميعَ في شتى الأنحاء، وما نراه اليوم بذَرَ بذورَ الكراهيةِ في قلبِ كلِّ طفلٍ تجاه هذا العالَمِ الظالم.
مع استعراضِنا لكلِّ هذه الحقائقِ المفجِعة، هل مازلنا نظنُّ أن الغربَ أصدقاءنا أو يضعون أيَّ اعتبارٍ لنا؟!
ونحن نسمعُ ما يقولون من دون أن يفعلوا أيَّ شيء لإيقافِ هذه المجزرة!
مع إنني إنسانٌ واقعيٌّ، كنتُ أرددُ وأقولُ لزملائي في العمل عليكم أن تعلموا أن هذا العصرَ ليس عصرَ العرب، رغم ذلك لم أكن أعلمُ أن لهذه الدرجةِ العصرَ بعيدٌ عن العرب!
كيف نتحدثُ إلى أولادِنا وأحفادِنا الذين ينظرون إلى أعينِنا متسائلين لماذا نحن كما نحن؟!
هل فقدنا إرادتَنا؟!
هل الأمةُ فاقدةٌ لرسالتِها؟!
هل البشريةُ ككل رجعت إلى بدائيتِها وعصرِها الحجريِّ؟!
نحو مئتي دولةٍ أعضاء في بيتِ العائلة الأمميَّة تحت مسمى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أين أصواتُ هؤلاء؟، ما قيمةُ قراراتِهم؟، فأكثر من 120 دولةً منهم أصدروا قرارًا لإيقافِ إطلاق النار في غزةَ ولم تتمكَّن من فرضِه على آلةِ القتلِ الإسرائيليَّة.
أليست هذه الجمعيةُ قادرةً على الضغطِ على الولاياتِ المتحدة الأمريكيَّة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسرائيل للوقفِ الفوري للإبادةِ الجماعية بحق الشعبِ الفلسطينيِّ الأعزل، أم إن هذه الدولَ الأربع باستثناء إسرائيل دولٌ عاجزة، إذن من أين تستمدُ إسرائيلُ قوتها، أليس منهم؟!
هم يبحثون عن شتاءٍ دافئ، يوقدون فيه المشاعلَ للتدفئة ويتركون أطفالا صغارًا عرايا تحت ويلاتِ صواريخِهم، أين ضمائرُكم؟!
إسرائيلُ تعلمُ أنها لن تستطيعَ القضاءَ المطلق على حماس، ولو طالت المعركةُ أشهرا عديدة، ولكن عملهم على تدمير غزةَ كليًّة هي سياسةُ قتل للفلسطينيين جميعًا حتى تصبحَ غزةُ أرضًا بلا شعب في تكرار لنكبةِ 1948 وهذا لن يتكرَّرَ أبدًا.
فصمودُ الشعبِ الفلسطينيِّ لا نهائي، وتمسكُه بأرضِه سرمديٌّ، ومدادُ المقاومةِ لم ولن يجفَّ أبدًا.
والجميعُ شاهدَ الفلسطينيين يعودون إلى بيوتِهم المهدَّمة في شمال غزةَ فورَ إعلان الهدنة المؤقتة رغم تحذيراتِ الاحتلال.
بطولاتُ الشعبِ الفلسطينيِّ وتمسكه بأرضه دليلٌ قاطع على عدالةِ قضيته، التي ستعيشُ للأبد وتتوارثُها الأجيالُ حتى تتحققَ الحريةَ لفلسطين مهما حاولَ الغربُ والاحتلالُ محوها من التاريخِ بجرائمِه الوحشيَّة.
ولن تبقى غزةُ وحيدةً في نضالِها، فهي صرخةٌ في ضميرِ كلِّ حر من أحرارِ العالم، وستبقى في دمعةِ رحمة من عين مشتاقةٍ إلى أرضها، وستبقى في مقاومةِ شاب وشابة يحملون بين حنايا صدورِهم حلمَ فلسطين المستقلَّة، وستبقى في ابتسامةِ ثغر طفل بين شفتيه هتافُ الحريةِ لفلسطين.. وقبلَ كلِّ هؤلاء ستبقى في وعدِ الله المحتوم على كلِّ البشر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك