مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
اجتمــــاع أصحــاب الضمائر في الصين
منذ 7 أكتوبر العام الماضي تغيرت رؤية العالم والعرب للقضية الفلسطينية 180 درجة، وهذه المتغيرات السياسية تفرض على المجتمعات والدول العربية اتخاذ مواقف جديدة كلية؛ لأن العدو الصهيوني لم يترك أي حلقة اتصال، ليس فقط مع العرب، بل مع الضمير البشري بأثره.
والمتغيرات الآتية يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع هي حصيلة للغطرسة للصهيونية بمشاركة الدول الغربية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
إذن، فإن أي تغيير في سياسات الدول العربية تجاه الغرب سيكون نتيجة طبيعية لمباركة هذه الدول للمجازر اللاإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وبالفعل هناك بعض الدول الغربية تستشعر وتتلمس هذا التغير العربي الوشيك، وتترقبه من كثب.
عموما، إن الفكر العربي لا ينتمي لا إلى الغرب ولا إلى الشرق، ونقول هذا ونحن على يقين بأن حكام العرب من داخل وجدانهم على دراية تامة بحقائق الأمور، وأحاسيس شعوبهم.
لذلك فإن زيارة جلالة الملك المعظم للصين ذات بعدين؛ الأول يرتبط بموقف البحرين، والثاني حمْل أمانة الثقة العربية من خلال ترؤس جلالته القمة العربية في دورتها الثالثة والثلاثين.
والرصيد البحريني في العلاقة البحرينية الصينية الممتدة منذ 35 سنة هو رصيد وشهادة مشرّفة، وفي الوقت نفسه علينا أن نعلم أن المهمة البحرينية في الحوار العربي الصيني ستكون كبيرة، والأجواء السياسية تمهد لمزيد من التقارب بين الصين والعرب، في ظل لا مبالاة من الدول الغربية الكبرى.
ومن المعروف أن الصين لا تتكتل، وأن النظرة الصينية في العلاقات الخارجية تقوم على المصالح المشتركة القائمة على ما يمكن أن نطلق عليه الدبلوماسية الاقتصادية؛ فالصين كقوى دولية حاضرة تضع الاقتصاد والتجارة كإحدى الأدوات الفاعلة في التعاون الثنائي، ولعل هذا نهج تاريخي مستمد من طريق الحرير.
كل المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن العنصر الزمني في صالح العلاقة العربية الصينية، وخاصة أن الاقتصادات التقليدية التي تسود هي في مرحلة الزوال، نتيجة التحديات التي أثبت الغرب أنه لا يستطيع مواجهتها.
فالغرب حتى الآن يدرك أنه غير قادر أبدا على إيقاف الحرب الأوكرانية، بل إن الدول الغربية تستعمل أوكرانيا ككبش فداء، وكذلك الغرب فشل فشلا ذريعا في إقناع إسرائيل لإيقاف همجيتهم ووحشيتهم ضد الفلسطينيين، أي أن الغرب ليس في موقع سيادي في الوقت الراهن وبات تابعا للصهيونية العالمية.
لذلك فإن الاتجاه العربي الاقتصادي نحو الشرق قد يكون إحدى الأدوات الفاعلة لإعادة التوازن لهذا العالم الذي تعصف به ازدواجية المعايير وتقوده إلى هوة تشبه العصور الحجرية.
إن ما فعلته إسرائيل منذ بداية هذه الحرب لم تترك من خلاله أي خط رجعة مع العرب، وتتحمل المسؤولية في ذلك كل الحكومات التي تؤيد الإسرائيليين أيضا؛ لأنهم يمحون كل مسارات الوصول إلى العيش المشترك بسبب الوحشية التي تمارس ضد غزة.
ويحمل المنتدى العربي الصيني العاشر الذي يعقد في بكين في 30 مايو الجاري أهمية استثنائية بمشاركة جلالة الملك المعظم وقادة دول الإمارات ومصر وتونس إلى جانب الرئيس الصيني شي جينبينغ، وتعد هذه الذكرى العشرين لتأسيس هذا المنتدى الحيوي، إذ تم توقيع وثيقة المنتدى بين الجانبين العربي والصيني في عام 2004، بهدف تعزيز التعاون بين الدول العربية والصين في مجالات الاقتصاد والتجارة والثقافة والسياحة والتعليم وغير ذلك.
المنتدى رسالة لتأكيد العمل على تعزيز العلاقات العربية مع الصين، التي تسعى في المقابل للانخراط بشكل أكبر مع القضايا السياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وسيكون المنتدى فرصة سانحة لطرح المبادرة البحرينية لعقد مؤتمر دولي للسلام، من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط ودعم حل الدولتين، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
ولا ينظر العرب إلى الصين كشريك اقتصادي فحسب، وإنما أيضا كتجربة رائدة في العديد من المجالات، إذ تقدم الصين نموذجا مهما للتنمية والتطور.
وهناك توافق في الرؤى بين الجانبين على مستوى النظام الدولي، فهناك عدد من الأسس فيما يتعلق بالعلاقات الدولية التي تحظى بالتوافق بين الجانبين ممثلة في احترام السيادة، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأهمية احترام قواعد القانون الدولي، إضافة إلى تأكيد ضرورة إصلاح الأمم المتحدة ورفض الأحادية القطبية والدعوة إلى التعددية، كما يدعم كل طرف الآخر في قضاياه المحورية، إذ تدعم الدول العربية وحدة الصين، كما تدعم الصين القضايا العربية في مقدمتها القضية الفلسطينية؛ إذ يحظى الموقف الصيني من القضية الفلسطينية بتقدير عربي، كونه يتوافق مع الرؤية العربية من خلال تأكيد أهمية حل الدولتين كحل وحيد للأزمة، مع ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ومع مرور عشرين عامًا على تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني، يأتي عام 2024 ليكون شاهدًا على تطورات هذه العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، وأصبح المنتدى «علامة ذهبية» لتعزيز الحوار الجماعي والتعاون العملي بين الصين والدول العربية، وقد قدم إسهامات مهمة في تنمية العلاقات الصينية-العربية، ويستعد الطرفان لمواصلة المضي قدما بروح الصداقة في المساعدة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة.
ومنطق التاريخ والزمان يقول إن الغرب يسير إلى غروبه، أما الشرق فإنه في شروقه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك