يمثل إعداد ميزانية البحرين لعام 2025 فرصة محورية لمراجعة وتطوير استراتيجيات مالية جديدة من شأنها تعزيز الاستدامة الاقتصادية ودعم الاقتصاد الوطني على المدى البعيد. وفي ظل التحديات المالية الحالية والالتزامات التنموية المتزايدة يمكن للبحرين توجيه جهودها نحو تعزيز الاستقرار المالي وتنويع الإيرادات من خلال اتباع سياسات مبتكرة ومتكاملة تراعي احتياجات الحاضر وتستشرف آفاق المستقبل.
في البداية، تعتمد الميزانية الفعّالة على سياسات إنفاق ذكية تركز على توجيه الموارد نحو المجالات التي تحقق أعلى عائد اقتصادي واجتماعي. يمكن للحكومة أن تنظر في تخصيص جزء من ميزانية 2025 لدعم القطاعات التي تسهم بشكل مباشر في تنويع الاقتصاد ورفع الكفاءة الإنتاجية، مثل التعليم، الصحة، التكنولوجيا، والطاقة المتجددة. فالاستثمار في هذه المجالات لا يقتصر على تعزيز النمو الاقتصادي، بل يسهم أيضاً في تحسين خلق فرص عمل جديدة، ما يزيد من قدرة الاقتصاد البحريني على المنافسة الإقليمية والعالمية.
من جهة أخرى، تعتبر إدارة الدين العام بكفاءة عنصراً أساسياً لاستدامة الميزانية. ولتجنب الضغوط المالية المستقبلية، يمكن للحكومة دراسة خطط لإعادة هيكلة الدين، مثل تمديد آجال السداد أو التفاوض على شروط تمويل مخفضة، بهدف تقليل عبء الفوائد وتحقيق استقرار أكبر في المالية العامة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن توجيه الفوائض المالية نحو خفض الدين بدلاً من توسيع الإنفاق يمكن أن يعزز من ثقة المستثمرين في استقرار الاقتصاد البحريني، ويسهم في تحسين التصنيف الائتماني للبلاد، ما يجعل الوصول إلى تمويلات مستقبلية بكلفة أقل أكثر يسراً.
علاوة على ذلك، يأتي تنويع مصادر الإيرادات كإحدى الركائز الرئيسية لتعزيز الميزانية وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية المتقلبة. يمكن للبحرين أن تسعى لتنويع مصادر دخلها عبر تشجيع قطاعات اقتصادية جديدة، مثل السياحة، الخدمات المالية، والخدمات اللوجستية. كما يمكن توجيه استثمارات حكومية مدروسة نحو تطوير البنية التحتية لهذه القطاعات، ما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين.
ومن ضمن السياسات الضريبية الممكنة يمكن النظر في فرض ضرائب بيئية على الشركات التي تعتمد على ممارسات تؤثر سلباً على البيئة. هذا النوع من الضرائب يسهم في زيادة الإيرادات الحكومية ويشجع الشركات على التحول إلى ممارسات مستدامة، ما يعزز التنمية الاقتصادية ويحقق التوازن بين النمو وحماية البيئة. كذلك، يمكن توجيه جزء من هذه الإيرادات لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، ما يقلل من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية ويقلل من الأثر البيئي.
وفي إطار تحقيق الأهداف المالية، يتطلب التوازن بين الاستدامة الاقتصادية والإنفاق الحكومي إصلاحات تشريعية وإدارية تعزز من كفاءة العمل الحكومي وتجعل الاقتصاد البحريني أكثر جاذبية للاستثمارات. يمكن أن تشمل هذه الإصلاحات تسهيل الإجراءات البيروقراطية وتقليل التكاليف المرتبطة بإطلاق الأعمال التجارية، ما يجعل بيئة الأعمال أكثر تنافسية ودعماً لنمو القطاع الخاص.
علاوة على ذلك، يمكن للحكومة تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث تسهم هذه الشراكات في نقل الأعباء المالية لبعض المشاريع الكبرى من الميزانية الحكومية إلى استثمارات القطاع الخاص. هذه الاستراتيجية لا تعزز فقط من كفاءة المشاريع، بل تسهم أيضاً في تسريع تنفيذها وتقليل التكاليف.
ختاماً، تعكس ميزانية 2025 فرصة حقيقية للبحرين لتبني استراتيجية مالية متكاملة تحقق الاستدامة، وتعزز من تنوع مصادر الدخل، وتدعم النمو الاقتصادي. تحت قيادة جلالة الملك المعظم وبتوجيهات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهم الله ورعاهم، تتقدم البحرين بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتهم في بناء اقتصاد مزدهر ومستدام. فمن خلال التركيز على الإنفاق الذكي، وإدارة الدين بحكمة، وتنويع الإيرادات بطرق مبتكرة، تستطيع البحرين أن تحقق مستقبلًا ماليًا مستدامًا يضع البلاد على مسار النمو الدائم، محققة بذلك رؤية قيادتها الحكيمة نحو اقتصاد قوي ومستدام.
* ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIET)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك