أثارت مؤخرًا تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة تسلا الأمريكية الملياردير إيلون ماسك، خلال مؤتمر «نحن الربوت» الذي نظمته شركة تسلا المملوكة له، وأيضًا على هامش أعمال مبادرة مستقبل الاستثمار، التي أقيمت أواخر شهر أكتوبر الماضي في العاصمة السعودية الرياض، الكثير من الدهشة والاستغراب، إلى جانب إنها أثارت حفيظة البعض!
إذ وفق تصريحاته أشار إلى أنه يعتقد بحلول عام 2040م، سيبلغ عدد الربوتات نحو ما يقارب الـ10 مليارات ربوت، حيث سيتخطى عددها سكان العالم! هذا وستكون هذه الربوتات بهيئة إنسان، وقادرة على القيام بالمهام اليومية للبشر! كحمل الأشياء الثقيلة، وتبضع الاحتياجات، والمشاركة في الاجتماعات، وتقليم الحشائش، وتمشية الكلاب، بالإضافة إلى أنه ألمح إلى أن الربوت يمكن أن يحتضن جنينا كأم حاضنة بديلة، وذلك حتى اكتمال فترة نموه، أي ما يقدر بتسعة أشهر!
الأمر الذي خلق نوعا من الجدل ما بين مصدق ومستنكر لهذه الفرضية، ولوتيرة تطور الذكاء الاصطناعي التي أصبحت متسارعة بشكل يصعب على العقل البشري استيعابه، ومازاد من حدة هذا الجدل هو التصريح المتعلق باحتمالية أن يكون الربوت أمّا بديلة! فما بين من يؤيد وجود مثل هذه التقنيات الحديثة التي تسهل الحياة البشرية، بما يحقق مزيدا من الرفاهية خاصة للسيدات اللواتي يعانين من مشاكل في الإنجاب، هناك من يرفض الفكرة معتبرًا إياها معضلة أخلاقية وربما دينية، واختراق صريح لطبيعة العلاقات الإنسانية، وللمغزى الحقيقي من وجودها، الأمر الذي يثير الكثير من القلق والمخاوف، لاسيما إبان عدم وجود ضوابط واضحة بخصوص هذا الشأن.
التساؤلات التي تطرح نفسها، هل العالم مستعد لغزو الربوتات؛ خلال ما يقارب الـ15 عامًا وفق توقعات إيلون ماسك؟! وكيف من الممكن أن تؤثر هذه الثورة التكنولوجية على الحياة البشرية بشكل عام؟ ما الآثار التي سيخلفها هذا الوجود التكنولوجي على الصحة النفسية والحياة الاجتماعية للبشرية؟ وكيف من الممكن أن تؤثر على الفرص الوظيفية والحالة الاجتماعية؟ وماذا عن التبعات القانونية التي قد تترتب بناء على هذا الوجود؟
لا شك ان هناك العديد من التحديات التي قد ترافق هذا التطور، كارتفاع كلفة تطوير وصيانة هذه الروبوتات، الحاجة الى وجود طاقة تشغيلية مستدامة فترات طويلة؛ من دون الحاجة الى شحن مستمر، تطوير الذكاء الاصطناعي بما يضمن تفاعلية الربوتات مع البشر والبيئة المحيطة بشكل أمثل.
ناهيك عن ان انتشار هذه الربوتات البشرية قد يؤثر بشكل بارز على خريطة العلاقات الاجتماعية الإنسانية، وذلك من خلال الاعتماد الكلي على التكنولوجيا في تسيير الأمور الحياتية، مما قد يقلل التواصل البشري، الأمر الذي قد يولد الشعور بالوحدة والانعزال، وقد يترتب عليه مشكلات تؤثر على الصحة النفسية كالاكتئاب وما شابه، ولذلك لا بد من تحقيق وجود وعي مجتمعي، يضمن استخداما صحيا ومتوازنا للتكنولوجيا لتلافي ذلك.
ومن جانب آخر، لا شك أن هذه الربوتات ستؤثر على سوق العمل، حيث من المتوقع أن يؤدي انتشارها إلى تغييرات جذرية على عرض الوظائف، خاصة انها ستكون قادرة على أداء العديد من المهام البشرية في مختلف القطاعات: كالتعليم، والصحة، والصناعة، والخدمات، والإعلام... إلخ، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف من مشاكل البطالة، ويزيد من رقعة الطبقة الاجتماعية الدنيا، وهو ما سيلقي على عاتق الدول مسؤوليات جديدة، تتجسد في إيجاد حلول قادرة على خلق توازن ما بين التطور التكنولوجي والتوظيف البشري، وذلك من خلال خلق فرص وظيفية جديدة، وذلك يتطلب تأهيلا وتدريبا للأفراد.
وفي سياق آخر، لا بد من وجود تبعات قانونية يترتب عليها وجود هذه الروبوتات، وذلك للمحافظة على حماية الخصوصية وتحقيق الأمان، وحماية البيانات التي قد يتعامل معها الربوت من أي انتهاك، وكذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار، في حال ما وقع الربوت بأي خطأ؛ من سيكون المسؤول؟ هل ستتحمل الجهة المستخدمة تبعات الضرر؟ أم ستتولى ذلك الشركة المصنعة؟ أم سيعتبر الربوت كائنا قائما بحد ذاته؟! لهذا يجب وجود أطر قانونية تعنى بحماية الحقوق، وتكفل التعامل السليم مع هذه الثورة التكنولوجية.
إن الغرض الأساسي من وجود التكنولوجيا هو تحسين جودة حياة الأفراد، لا لخلاف ذلك! وإذا ما تحققت رؤى وأحلام إيلون ماسك الجريئة والطموحة، فنحن أمام نقلة نوعية عالمية، وانطلاقة عصر تكنولوجي غير مسبوق، إلا انها انطلاقة تستوجب أن يتم الإعداد لها بشكل جيد، كما تستوجب الكثير من الدراسة، والتأني، والحذر، وذلك لتقليل الأضرار والمخاطر، وتعزيز المكاسب والفوائد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك