القراء الأعزاء،
أحيانا، حين يضّج فكري بالمواضيع الكثيرة، يتبادر إلى ذهني قرار واحد هو تركها جميعا واللجوء إلى منطقة آمنة في فكري أستمد منها طاقة كي أعود إلى مواجهة زخم الأفكار، واليوم زاحمتني مواضيع عدّة للكتابة عنها، ولكنني وجدت أن الكتابة عن الشعر قد تكون الأفضل لي ولكم في ظل الكم المُحبط من المواضيع المحيطة بنا.
وقبل الدخول في موضوع الشعر وهو رافد من روافد الأدب يهمني الوقوف عند النشاط الثقافي الأدبي الجميل الذي لا تنقطع موارده هنا في البحرين، ولعل أهم فعالياته الأخيرة تمثلت في مهرجان البحرين للموسيقى بكل التفاصيل والفرق الجميلة التي أسهمت في نجاحه وتميزه، ومن ثم مهرجان السينما الذي أقيم خلال الأسبوع الماضي، وتزامن معه مهرجان الفرق المسرحية الخليجية والذي نظمته اللجنة العليا للفرق المسرحية الخليجية وعُرضت مسرحياته على مسرح الصالة الثقافية، ولا ننسى أبداً الدور البارز الذي يلعبه مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في رفد الثقافة البحرينية بكل ما هو مميز من نتاج أدبي عربي وعالمي، ونحن على أبواب شهر ديسمبر ونترقب جميع الفعاليات الثقافية والوطنية والترفيهية المرتبطة بهذا الشهر المهم لكل بحريني، وننتظر بلهفة مهرجان ( ليالي المحرق ) الذي سيظهر في حلّته الثالثة هذا العام بتميز أكبر عن سنواته الأولى.
وعوداً على موضوعنا الأساسي وهو الشعر، ومن المعلوم أن الشعر هو عنصر من عناصر الهوية الوطنية، وهو ديوان العرب، وأن الكلمة تُضاهي السيف حداً ونصلاً وأثراً إن قيلت في موضعها الصحيح وفي الوقت الصحيح، وفيما يخصّني أهتم كثيراً بالشعر العامي إيماناً بالهوية المحلّية للشاعر، وبدوره في الإسهام في الحفاظ على الموروث اللغوي المحكي، باعتبار أن مفرداته قابلة للاندثار بفعل التطور التكنولوجي وانفتاح الأجيال على اللغات العالمية الحيّة والتي منها من أصبح لغة عالمية أولى، فتراجعت أمامها لغتنا العربية الفصحى، بجانب تراجع اللهجة العامية، فلا حافظنا على هذه ولا حفظنا تلك، ثم إن للهجة المحلية موقعها ووقعها المؤثر في حياة وهوية الكل، والتي لا يستطيع أن يتنصل منها أو يُنكرها، فهي أداة تواصله مع أصوله وأقرانه، لذا تستحق التقدير والعناية جنباً إلى جنب مع العربية الفصحى لغة القرآن الكريم.
وبالحديث عن الشعر العامي أو المحكي أو النبطي، يهمني بيان أنني شخصيًّا أشارك بشكل مستمر في مهرجانات مختلفة في الدول العربية والخليجية، بعضها يتم تنظيمه من قبل الدولة والأخرى من قبل جمعيات متخصصة بدعم من الوزارة المختصة ولعل أهمها مؤخراً مهرجان عشتار الدولي الذي نظمته جمعية عشتار للثقافة والفنون ( دور الشاعر الأردني الكبير عرا 2024)، وجميعها ناجحة ومتميزة وتبرز الشعر واسم الدولة وشعرائها بصورة جميلة، بينما نجد أنه من الملحوظ غياب المهرجان الشعري المتخصص بشكل سنوي عن الساحة الشعرية البحرينية، وهي التي تعد ساحة الشعر والأدب الأولى في منطقة الخليج سابقاً، والتي يعتز كبار الشعراء بالتحليق في فضاءاتها شعراً ، وبأن حضور الشعر فيها لا يعدو أن يكون باجتهادات فردية أو مؤسسية في أضيق الحدود وبحسب الإمكانيات المحدودة، بعكس فيما إذا تم تنظيم هذا المهرجان بجهود رسمية من وزارة أو هيئة مختصة تُقدّم المهرجان بصورة تليق بالبحرين ويكون مساحة لإبراز نجوم شعر بحرينية من عقر دارهم.
لذا فالرسالة موجهة إلى الموقرين في هيئة البحرين للثقافة والآثار بأهمية تبني مهرجان شعري يبرز الشعر والشعراء في مملكة البحرين والصلة الوثيقة بينه وبين الموروث الشعبي البحريني وهويّة البحرين الثقافية من هذا الجانب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك