هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الواقع على الأرض ينذر بالأسوأ للسودان
كل التطورات العسكرية واتساع حدة ونطاق الصراع العسكري بين الفريقين المتناحرين في السودان الشقيق، مع ما يصاحب ذلك من بطء، بل وتعثر الجهود السياسية لإيجاد مخرج لهذا الصراع العبثي وعدم التقيد الدقيق من جانب الطرفين بإعلانات الهدنة التي يتوصلان إليها، كل هذه التطورات تعطي مؤشرا قويا على أن هذا الصراع مرشح للتطور نحو الأسوأ وكلما طال أمد الصراع، دون أن تلوح في الأفق أية علامات على تزحزح أي من الطرفين عن موقفه، بل على العكس من ذلك فإن كل منهما متمسك بمطالبه، وهي مواقف في ظروف احتدام الصراع العسكري بينهما، تعد مواقف تعجيزية، أصبح الأمر الذي لا يبشر بالخير، وهو ما لا يتمناه أي محب للسودان وشعبه الشقيق.
الخوف من انزلاق الأوضاع إلى ما لا يحمد عقباه، هو خوف قائم ومشروع، تدعمه تطورات نوعية سلبية، تمثلت في ظهور حالات انفلات أمني خطير تمثل في دخول عناصر «مجهولة الهوية» على خط الصراع واستهدافها للدبلوماسيين لعدد من الدول، كما حدث مثلا مع مساعد الملحق الإداري للسفارة المصرية بالخرطوم الذي قتل بسبب معارك الطرفين وألقى كل منهما المسؤولية على الطرف الآخر، إلى جانب تطور أمني خطير هو الآخر، تمثل في اقتحام الملحقية الثقافية السعودية في الخرطوم من قبل «مجموعة مسلحة خربت الأجهزة والكاميرات واستولت على بعض ممتلكات الملحقية، وعطلت أنظمة وخوادم الملحقية»، بحسب ما جاء في بيان وزارة الخارجية السعودية.
هذه التطورات الأمنية الخطيرة ليست عفوية، ولم يكن مقتل الدبلوماسي المصري نتيجة طلقة «طائشة»، هذا لا يعني أن واحدًا من طرفي الصراع يقف وراء هذه الجريمة، وكذلك الحال مع «المجموعة المسلحة» التي اقتحمت الملحقية السعودية، وإذا صدقت رواية الطرفين عن عدم مسؤولية كل منهما عن مثل هذه الحوادث الأمنية الخطيرة، فهذا في حد ذاته اعتراف بتطور أمني خطير يعطي مؤشرا على أن الأوضاع تسير نحو الانفلات الأمني وما يتسبب فيه ذلك من دخول عديد من العناصر والجماعات المسلحة، وعصابات الجريمة على خط الصراع، ليس بالضرورة لمناصرة ودعم أي من الطرفين، وإنما لكسب الغنائم وممارسة أعمال النهب والسلب.
عندما يكون هناك انهيار السلطة الأمنية والذي عادة من يعقبه انفلات أمني، في أي دولة من دول العالم، لأسباب عدة في مقدمتها نشوب صراعات داخلية بين قوى سياسية وعسكرية، كما هو حال السودان الآن، فمن الطبيعي أن تنشط العصابات والجماعات، حتى الأفراد الخارجين على القانون، ذلك أن الأجواء في مثل هذه الحالات تكون مهيئة لنجاح أنشطتها الإجرامية، وفي مثل هذه الحالات تبرز حاجة المكونات العرقية أو الدينية والطائفية، لتوفير الحماية الذاتية لتعويض الحماية العامة وسد الفراغ الناجم عن انهيار السلطة الأمنية، وفي مثل هذه الحالة يكون الثمن باهظًا جدا إذ من شأن مثل هذه النتيجة أن تهيئ المناخ والظروف لتمزيق المجتمع ومن ثم بروز الكيانات شبه المستقلة والذي من شأنه أن يقود إلى التقسيم.
هذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل السودان مع استمرار الصراع بين الجانبين المتصارعين واتساع نطاقه، فهذا التهديد موجود بالفعل خاصة مع الحديث عن بدء دخول أطراف «هامشية» و«مجهولة» في الصراع لأهداف ودوافع قد لا تكون لها علاقة بجوهر الأسباب التي أدت إلى اندلاع المواجهة بين الطرفين الرئيسيين، كما أن من بين هذه الأطراف من هو يقف إلى جانب أحد المتحاربين ضد الآخر، أضف إلى ذلك، فإن القوى والأحزاب والفعاليات السياسية السودانية التي لم تنزلق إلى أتون هذا الصراع العبثي، لا تملك ما يكفي من القوة الكفيلة بالتأثير على الطرفين المتناحرين.
هذا الوضع يقود إلى تأكيد أن مستقبل السودان ووحدته يتحملها بالدرجة الأولى القوات المسلحة السودانية وقوات التدخل السريع، باعتبارهما الطرفين الرئيسيين اللذين يخوضان هذه الحرب العبثية والتي بالتأكيد تحمل في أحشائها التهديد الجدي والمباشر للوحدة الجغرافية والسياسية لجمهورية السودان، وما لم يصغيا إلى العقل والمنطق والتجاوب مع الجهود المخلصة، خاصة الجهود التي تقوم بها عدد من الدول العربية وكذلك جامعة الدول العربية وهي الجهات المعنية والحريصة أكثر من غيرها على مصلحة الشعب السوداني ومستقبل السودان، السياسي والجغرافي، فالأجيال السودانية الحالية والقادمة لن تغفر لأي طرف يتسبب في ضياع مستقبل الوطن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك