هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
سوريا في الحضن الذي يجب أن تكون
بعد أكثر من 11 عاما على تعليق أنشطتها على خلفية الأحداث المؤسفة والمدمرة، استعادت سوريا مكانها الطبيعي في حضنها العربي بعد أن قرر وزراء الخارجية العرب رفع التجميد المفروض على عضوية سوريا بجامعة الدول العربية، وهو القرار الذي يمكن وصفه بالتصحيحي إذ ما كان يفترض أن تجمد عضوية واحدة من الدول المؤسسة للجامعة بسبب أحداث داخلية، أيا تكن درجة خطورتها، لكن اتضح فيها بعد أن أهدافها أبعد بكثير جدا من الشعارات «الجميلة» والبراقة التي تم ترويجها مع اندلاع الأحداث السورية في شهر مارس من عام 2011 حتى وصلت إلى ذروتها التدميرية.
الكل يتذكر أن الأحداث السورية بدأت بمطالب وشعارات، في مضمونها هي مطالب شرعية لأبناء الشعب السوري الشقيق، فليس هناك محب لسوريا وشعبها لا يرضى لأبناء الشعب الشقيق بالعدالة الاجتماعية والديموقراطية، وكان من الواجب على السلطات السورية أن تتعامل مع هذه المطالب بأسلوب غير أسلوب العنف المفرط والذي وفر الفرصة للتدخلات الخارجية تحت حجة وذريعة «دعم المطالب المشروعة للشعب السوري»، لكن في حقيقة الأمر فإن المخطط كان أكبر من هذه المطالب، وليس هناك أية روابط تجمعهما، فما حدث لم يكن سوى حلقة من سلسلة تدميرية استهدفت عديدا من الدول العربية بدءا من جريمة غزو العراق في شهر مارس من عام 2003 وصولا إلى ما تشهده بعض الدول العربية من عدم استقرار وتشرذم وتمزق، كما هو حال ليبيا وسوريا أيضا.
بعيدا عن ملابسات الموقف العربي من الأحداث التي تفجرت في سوريا عام 2011، تحت مسمى أكذوبة «الربيع العربي»، وما رافق ذلك من مواقف عربية وعلاقاتها بمجريات تلك الأحداث والتي قادت إلى تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، فإن القرار الوزاري العربي الأخير بشأن عودة سوريا إلى أنشطة الجامعة العربية، وإن كان متأخرا، فهو بلا شك يعد قرار صائبا من شأنه أن يدفع نحو تصحيح الأوضاع غير الصحية التي تمر بها العلاقات العربية العربية والتي تضر بمصالح جميع الدول العربية، ويسهم في نفس الوقت في حماية والدفاع عن وحدة الأراضي السورية التي تتعرض أجزاء كبيرة منها للانتهاك والاحتلال، وفي نفس الوقت يدفع باتجاه إيجاد مخرج للحالة غير الصحية التي تمر بها سوريا الشقيقة.
العلاقات العربية العربية في مجملها تعاني من خلل ما كان يجب أن يحدث ما بين دول تجمعها من المصالح الحيوية والاستراتيجية والأرضية المشتركة في جميع الميادين والمجالات، ما لا تجمع غيرها من الدول، وهذا الخلل كان بمثابة الثغرة الخطيرة التي مكنت كثيرا من القوى الإقليمية والدولية من أن تستغلها لتحقيق مصالحها الجيوسياسية الخطيرة على حساب المصالح العربية بشكل عام، ومصالح كل دولة من دولنا العربية بشكل خاص، ذلك أن إضعاف أي دولة عربية والعبث بمكوناتها ينعكس بكل تأكيد على باقي الدول العربية، بغض النظر عن تفاوت الأضرار والتأثير بين دولة وأخرى، وتجربة غزو العراق وتدميره وانعكاس ذلك على محيطه العربي، وتحديدا الجزء القريب جغرافيا، خير برهان على هذه الحقيقة.
إبقاء سوريا بعيدة عن محيطها العربي، كان خطأ سياسيا، بغض النظر عن المتسبب في وقوع مثل هذا الخطأ، فبقاء سوريا خارج محطيها الطبيعي العربي، لم يكن في مصلحة الدول العربية، ولم يخدم المصالح الوطنية للشعب السوري، بل على العكس من ذلك ضاعف من معاناة الأشقاء في سوريا وأسهم في إضعاف التضامن العربي الذي كان يفترض أن يكون صمام أمان لجميع الدول والشعوب العربية، والقوى الإقليمية والدولية التي ساهمت في صب الوقود على النيران السورية منذ اشتعال شرارتها الأولى، وجدت في ذلك فرصة سانحة استغلتها لتأجيج الأوضاع وزجت من أجل ذلك بالكثير من الوسائل والأساليب، بما في ذلك التدخل العسكري المباشر في الصراع الدموي.
فالعلاقات العربية العربية التي عانت على مدى سنوات طوال من التصدعات والانشقاقات دفعت العديد من الدول العربية أثمانا باهظة جراء ذلك، هذه الحالة هي في أمس الحاجة إلى إعادتها إلى وضعها الطبيعي وبذل كل ما يمكن من جهد وعمل لتصحيح مسارها، فالأحداث الكبيرة والكثيرة أيضا التي شهدتها المنطقة العربية والتي كانت الكثير من الدول العربية مركزا لها، تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك، أنه كلما كانت العلاقات العربية العربية في أسوأ حالاتها، وكلما كانت هناك ثغرات في جدار التضامن العربي، تشجعت بعض القوى الإقليمية والدولية على استهداف منطقتنا ودولنا لتحقيق أهداف تتماشى مع مصالحها بما يتعارض مع مصالحنا القومية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك