العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

سوريا في الحضن الذي يجب أن تكون

بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬تعليق‭ ‬أنشطتها‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الأحداث‭ ‬المؤسفة‭ ‬والمدمرة،‭ ‬استعادت‭ ‬سوريا‭ ‬مكانها‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬حضنها‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬وزراء‭ ‬الخارجية‭ ‬العرب‭ ‬رفع‭ ‬التجميد‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬سوريا‭ ‬بجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬بالتصحيحي‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تجمد‭ ‬عضوية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المؤسسة‭ ‬للجامعة‭ ‬بسبب‭ ‬أحداث‭ ‬داخلية،‭ ‬أيا‭ ‬تكن‭ ‬درجة‭ ‬خطورتها،‭ ‬لكن‭ ‬اتضح‭ ‬فيها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أهدافها‭ ‬أبعد‭ ‬بكثير‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الشعارات‭ ‬‮«‬الجميلة‮»‬‭ ‬والبراقة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬ترويجها‭ ‬مع‭ ‬اندلاع‭ ‬الأحداث‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬ذروتها‭ ‬التدميرية‭.‬

الكل‭ ‬يتذكر‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬السورية‭ ‬بدأت‭ ‬بمطالب‭ ‬وشعارات،‭ ‬في‭ ‬مضمونها‭ ‬هي‭ ‬مطالب‭ ‬شرعية‭ ‬لأبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬الشقيق،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬محب‭ ‬لسوريا‭ ‬وشعبها‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬لأبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الشقيق‭ ‬بالعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والديموقراطية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬السورية‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المطالب‭ ‬بأسلوب‭ ‬غير‭ ‬أسلوب‭ ‬العنف‭ ‬المفرط‭ ‬والذي‭ ‬وفر‭ ‬الفرصة‭ ‬للتدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬تحت‭ ‬حجة‭ ‬وذريعة‭ ‬‮«‬دعم‭  ‬المطالب‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬السوري‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬فإن‭ ‬المخطط‭ ‬كان‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المطالب،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬أية‭ ‬روابط‭ ‬تجمعهما،‭ ‬فما‭ ‬حدث‭  ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬تدميرية‭ ‬استهدفت‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬وتشرذم‭ ‬وتمزق،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬أيضا‭.‬

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ملابسات‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تفجرت‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬أكذوبة‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬رافق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬عربية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بمجريات‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬والتي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬تجميد‭ ‬عضوية‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬الوزاري‭ ‬العربي‭ ‬الأخير‭ ‬بشأن‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬أنشطة‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬متأخرا،‭ ‬فهو‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬يعد‭ ‬قرار‭ ‬صائبا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬نحو‭ ‬تصحيح‭ ‬الأوضاع‭  ‬غير‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬العربية‭ ‬والتي‭ ‬تضر‭ ‬بمصالح‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬وحدة‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬منها‭ ‬للانتهاك‭ ‬والاحتلال،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬إيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬للحالة‭ ‬غير‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬سوريا‭ ‬الشقيقة‭.‬

العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬خلل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬تجمعها‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬الحيوية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬والأرضية‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الميادين‭ ‬والمجالات،‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تجمع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬وهذا‭ ‬الخلل‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬الثغرة‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬مكنت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستغلها‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ومصالح‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إضعاف‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬والعبث‭ ‬بمكوناتها‭ ‬ينعكس‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تفاوت‭ ‬الأضرار‭ ‬والتأثير‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬وأخرى،‭ ‬وتجربة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وتدميره‭ ‬وانعكاس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬محيطه‭ ‬العربي،‭ ‬وتحديدا‭ ‬الجزء‭ ‬القريب‭ ‬جغرافيا،‭ ‬خير‭ ‬برهان‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭.‬

إبقاء‭ ‬سوريا‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬خطأ‭ ‬سياسيا،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المتسبب‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ،‭ ‬فبقاء‭ ‬سوريا‭ ‬خارج‭ ‬محطيها‭ ‬الطبيعي‭ ‬العربي،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬يخدم‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬للشعب‭ ‬السوري،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ضاعف‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬الأشقاء‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وأسهم‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صمام‭ ‬أمان‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬والقوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬صب‭ ‬الوقود‭ ‬على‭ ‬النيران‭ ‬السورية‭ ‬منذ‭ ‬اشتعال‭ ‬شرارتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬استغلتها‭ ‬لتأجيج‭ ‬الأوضاع‭ ‬وزجت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬والأساليب،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الدموي‭. ‬

فالعلاقات‭ ‬العربية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طوال‭ ‬من‭ ‬التصدعات‭ ‬والانشقاقات‭ ‬دفعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أثمانا‭ ‬باهظة‭ ‬جراء‭ ‬ذلك،‭ ‬هذه‭  ‬الحالة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادتها‭ ‬إلى‭ ‬وضعها‭ ‬الطبيعي‭ ‬وبذل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬وعمل‭ ‬لتصحيح‭ ‬مسارها،‭ ‬فالأحداث‭ ‬الكبيرة‭ ‬والكثيرة‭ ‬أيضا‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مركزا‭ ‬لها،‭ ‬تؤكد‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬للشك،‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭  ‬العلاقات‭  ‬العربية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬حالاتها،‭ ‬وكلما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ثغرات‭ ‬في‭ ‬جدار‭ ‬التضامن‭ ‬العربي،‭ ‬تشجعت‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬منطقتنا‭ ‬ودولنا‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭ ‬بما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مصالحنا‭ ‬القومية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا