هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
«التأشيرة السياحية» تربك سوق العمل
البحرين، كغيرها من جميع دول العالم الأخرى تقريبا، لا يمكن أن تكتفي ذاتيا من الأيدي العاملة، وفي مختلف التخصصات، فليس هناك دولة في العالم لا توجد بها عمالة وافدة، وخاصة في مؤسسات القطاع الخاص، هذه حقيقة يدركها الجميع وهي نفس الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو القفز عليها، وهي أن وجود بطالة عاطلة عن العمل في أوساط المواطنين، ليست ظاهرة منحصرة في مجتمع دون آخر، وما تعانيه البحرين من نسبة بطالة، تعانيه دول أخرى، مع اختلاف النسب، وبحسب مذكرة رفعها وزير العمل إلى مجلس الوزراء حول مستجدات التوظيف والتدريب للعام الماضي (2022)، أظهرت انخفاض نسبة البطالة من 7,7 بالمائة في عام 2021 إلى 5,4 بالمائة حتى نهاية العام الماضي، وهي نسبة بطالة لا تعتبر مرتفعة مقارنة بما تعانيه دول أخرى.
وفي سعيها لامتصاص القوى العاملة الوطنية التي تتدفق سنويا إلى سوق العمل، تطرح وزارة العمل عدة برامج تدريبية لتأهيل المواطنين لمتطلبات التوظيف التي يحتاج إليها سوق العمل، والتي تتغير باستمرار، الأمر الذي يتسبب أحيانا في وجود بطالة بين خرجين في تخصصات، إما أن يكون سوق العمل متشبعا بها، أو أنها لم تعد مطلوبة في السوق، فجهود وزارة العمل لتمكين البحريني من أن يكون قوة عمل مطلوبة في السوق بائنة، مثل برامج التدريب وحوافز التوظيف التي تشجع مؤسسات القطاع الخاص على استقطاب العمالة الوطنية، كلها جهود تعطي نتائج إيجابية.
هذه الجهود المثمرة والنتائج الإيجابية التي تسفر عنها معالجات الوزارة لوضعية العمالة الوطنية وحقها المشروع في الاستفادة من فرص العمل التي يوفرها السوق، لا تعني أن الوزارة نجحت في سد الثغرات التي تعاني منها سياسة التوظيف التي تسببت حتى الآن في وجود عاطلين بحرينيين عن العمل وفي تخصصات وظيفية تشغلها عمالة وافدة، والأمر هنا لا يتعلق بتلك الوظائف والمهن التي تعزف الغالبية العظمى من المواطنين عن امتهانها في السنوات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بقطاع الإنشاءات على سبيل المثال لا الحصر.
لجنة التحقيق البرلمانية التي تشكلت لمناقشة أداء هيئة تنظيم سوق العمل، كشفت أن أعداد العمالة التي تغيرت تأشيرات إقامتهم في مملكة البحرين من تأشيرات سياحية إلى تأشيرات عمل خلال الفترة من 2019 حتى فبراير 2023 وصلت إلى 84526 تأشيرة، وفي أول شهرين من هذا العام (يناير وفبراير) فقط كان عددهم 7878 «سائحا»، أي أن هؤلاء «السياح» استحوذوا على هذه الأرقام الكبيرة من الوظائف التي من المؤكد أنها ليست كلها من تلك التي يعزف المواطن البحريني عن امتهانها، وهذا يعني أننا أمام ثغرة تحتاج إلى معالجة.
اللجنة البرلمانية طالبت بالوقف الفوري لتحويل التأشيرة السياحية إلى إقامة عمل لحين التحقق من مدى قانونية قيام الهيئة بمنح تصاريح عمل للسياح الداخلين إلى مملكة البحرين بموجب تأشيرة سياحية، في حين قال جميل حميدان وزير العمل رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل، «إن الأجانب الموجودين بالمملكة تتطلب عملية البتّ في طلبات إصدار تصاريح العمل بشأنهم لدى الهيئة أن يكون وجودهم بالمملكة بسند إقامة ساري الصلاحية»، مضيفا «أنه في حال رغبة صاحب العمل في استخدام عامل أجنبي يجب أن يتقدم للهيئة بطلب إصدار تصريح تتوافر فيه شروط إصدار تصريح العمل المنصوص عليها في القانون».
ما يقوله وزير العمل صحيح، لكن الأمر لا يتعلق بالظروف الطبيعية التي يحتاج فيها صاحب العمل إلى استقدام عمالة أجنبية للعمل لديه، وإنما الأمر هنا يتعلق تحديدا بالتأشيرة السياحية، التي يبدو أنها تستغل من قبل البعض للالتفاف على مطالب ودعوات التوطين الوظيفي، ذلك أن العدد الكبير جدا من حملة التأشيرات السياحية الذين تغيرت تأشيرات إقامتهم في البحرين من تأشيرات سياحية إلى تأشيرات يعني أن هناك ثغرة يجب معالجتها، وخاصة أن قانون العمل لا يحول دون حق صاحب العمل في استقدام العمالة من الخارج، وهو ما يعني أنه ليس بحاجة إلى انتظار «السياح» لتوظيفهم.
من شأن استمرار هذه الثغرة أن تشوش على جهود وزارة العمل لتوطين المزيد من الوظائف وجعل أولوية التوظيف للبحريني، لأن ذلك يتماشى مع الأهداف المعلنة للوزارة، وهي تمكين وجعل المواطن أولوية في سوق العمل وفي نفس الوقت المحافظة على النسبة المتدنية من البطالة في البلاد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك