هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
دعوة مباشرة إلى الإبادة الجماعية
قبل أقل من يومين من قيام حشد من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بإضرام النار في عشرات المنازل والسيارات الفلسطينية في بلدة حوارة الفلسطينية، وهي الجريمة التي أسفرت عن سقوط شهداء ومصابين وتدمير عشرات السيارات المملوكة للمواطنين الفلسطينيين، سبق هذه الجريمة أن أطلق وزير المالية لدى سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» بتسلئيل سموتريتش دعوة صريحة بقوله إن «قرية حوارة بحاجة إلى أن تمحى»، وهو موقف لا يمكن وصفه سوى أنه دعوة مباشرة إلى ارتكاب جريمة تندرج تحت تصنيف جريمة الإبادة الجماعية والتي أجمع الحقوقيون على تعريفها بأنها «التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم».
دعوة وزير مالية سلطات الاحتلال قوبلت بانتقادات واسعة وشديدة اللهجة، ليس من الجانب الفلسطيني والعربي فقط، حيث وصفها مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بأنها «تحريض على العنف والعداء، ولا يمكن توقع تداعياتها»، فيما أصدر 120 من قادة مجتمع اليهود الأمريكيين بيانا مشتركا أدانوا خلاله بشدة دعوة وزير المالية «الإسرائيلي» مؤكدين ضرورة عدم منحه منصة للحديث وسط الجالية اليهودية الأمريكية، حيث يزمع هذا المسؤول المشاركة في مؤتمر استثماري في العاصمة الأمريكية واشنطن في الفترة من 12 إلى 14 مارس الجاري، فيما وصفت واشنطن دعوة الوزير بأنها «بغيضة وغير مسؤولة ومثيرة للاشمئزاز».
الدعوة العلنية للقتل الجماعي لأبناء الشعب الفلسطيني، في القرية سالفة الذكر، وضعت مؤيدي وداعمي سياسة سلطات الاحتلال الاستعمارية أمام موقف محرج لأن السكوت عن مثل هذه الدعوات الخبيثة يعني تأييدا مباشرا لجرائم القتل الجماعي، وبالتالي كان من الطبيعي جدا أن تواجه بمثل هذه الإدانات والاستنكارات الشديدة من مختلف الدول، وفي المقدمة منهم حلفاء سلطات الاحتلال، الذين لم يجدوا أمامهم من خيار سوى التعبير عن «استيائهم» لمثل هذه المواقف المتطرفة والعنصرية.
ومع ما تكتسبه مثل هذه المواقف الرافضة لهذه الدعوة البغيضة من أهمية، إلا أنها، أي المواقف، لن تغير من الواقع شيئا، فسلطات الاحتلال تمارس الجرائم والقتل شبه اليومي بحق الفلسطينيين وتغض الطرف عن الجرائم التي ينفذها المستوطنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحق المواطنين الفلسطينيين، بل إن مثل هذه الجرائم تنفذ بعلم وبحراسة جنود الاحتلال وقوى الأمن الداخلي، كما حدث مؤخرا مع الجريمة التي ارتكبها هؤلاء ضد أبناء قرية حوارة الفلسطينية، حيث مرت هذه الجريمة من دون محاسبة أو مساءلة.
لم تأت هذه الدعوة من فراغ وإنما هي ترجمة مباشرة لما هو حاصل على أرض الواقع، حيث هناك صعود غير مسبوق لليمين الديني العنصري المتطرف، وهناك دعوات سابقة تطالب بترحيل الفلسطينيين من مدنهم وقراهم في الضفة الغربية المحتلة، من منطلق أيديولوجي ديني متطرف يرى في الضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من الوطن التاريخي المزعوم، وهذا التوجه المتطرف ليس وليد هذه الدعوة العنصرية الإجرامية، وإنما ترجمته تتجسد في الأعمال الاستيطانية المتواصلة والتي تأتي كلها على حساب الأراضي والأملاك الفلسطينية حيث تصادر وتنهب وتغتصب.
مثل هذه الدعوة للقتل الجماعي، والتي لم تواجه بأي شكل من أشكال الرفض أو حتى الانتقاد من جانب رأس السلطة في الهيكل الحكومي لسلطات الاحتلال، ما كانت لتمر دون مساءلة أو محاسبة من جانب المؤسسات الدولية، لو لم يكن هناك غطاء سياسي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين للسياسة العدوانية التي تمارسها وتنتهجها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة على مدى أكثر من سبعة عقود، رغم جميع ما صدر عن المؤسسات الشرعية الدولية من قرارات، خاصة تلك المتعلقة بوضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن الغطاء الأمريكي والغربي يحول دون أن يأخذ أي من هذه القرارات مجراه نحو التطبيق.
فقبل أيام فقط من صدور هذه الدعوة الإجرامية، عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تعطيل مناقشة مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويطالب سلطات الاحتلال بوقفه أو التوسع فيه، وهذه رسالة تأييد أمريكية صريحة لما تقوم به هذه السلطات من أفعال إجرامية تتمثل في الاستيطان الذي تعتبره جميع القوانين والقرارات الدولية أعمالا غير مشروعة، مثل هذه المواقف الداعمة لسياسة سلطات الاحتلال، هي التي تشجع على التطرف وتحدي الشرعية الدولية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك