العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

الثامن من مارس ومكاسب المرأة النوعية

لم‭ ‬يأت‭ ‬اختيار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬يوم‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يوما‭ ‬للمرأة،‭ ‬مجرد‭ ‬رقم‭ ‬‮«‬روزنامي‮»‬،‭ ‬بأكثر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬اعتراف‭ ‬أممي‭ ‬بالنضال‭ ‬الذي‭ ‬خاضته‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نيل‭ ‬حقوقها‭ ‬المصادرة‭ ‬والمنتهكة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يوم‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬صدفة،‭ ‬وإنما‭ ‬له‭ ‬جذور‭ ‬تاريخية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بمسيرة‭ ‬المرأة‭ ‬النضالية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حقوقها،‭ ‬ففي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1908،‭ ‬خرجت‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬مطالبات‭ ‬بساعات‭ ‬عمل‭ ‬أقصر‭ ‬وأجر‭ ‬أفضل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬العامة،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1910،‭ ‬اقترحت‭ ‬سيدة‭ ‬تدعى‭ ‬كلارا‭ ‬زيتكين‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭ ‬للنساء‭ ‬العاملات‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الدنماركية‭ ‬كوبنهاغن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬يوما‭ ‬عالميا،‭ ‬حيث‭ ‬وافقت‭ ‬الحاضرات‭ ‬بالإجماع‭ ‬على‭ ‬المقترح،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬احتفل‭ ‬بهذا‭ ‬اليوم‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عام‭ ‬1911،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬النمسا‭ ‬والدنمارك‭ ‬وألمانيا‭ ‬وسويسرا‭.‬

تخصيص‭ ‬يوم‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يوم‭ ‬عالمي‭ ‬للمرأة،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬النظر‭ ‬إليه،‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬واحدة،‭ ‬أي‭ ‬إنه‭ ‬تقدير‭ ‬للمرأة‭ ‬وتأكيد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تمارسه‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬فاعلة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الميادين،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬اعتراف‭ ‬ضمني‭ ‬وغير‭ ‬مباشر‭ ‬بوجود‭ ‬تمييز‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬والميادين،‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬تمييزا‭ ‬مقننا‭ ‬أم‭ ‬مجتمعيا،‭ ‬وهذا‭ ‬التمييز‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬دون‭ ‬آخر،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬تفاوت‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬وحدَّة‭ ‬هذا‭ ‬التمييز،‭ ‬بين‭ ‬مجتمع‭ ‬وآخر،‭ ‬لكن‭ ‬وجود‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التمييز،‭ ‬بل‭ ‬واستمراره‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول،‭ ‬لا‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬والتأثير‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬التمسك‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬واستقبال‭ ‬يوم‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭.‬

مضى‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬النسوية‭ ‬المطلبية‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬وكذلك‭ ‬المؤتمر‭ ‬النسائي‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬كوبنهاغن،‭ ‬والتي‭ ‬أثمرت‭ ‬عن‭ ‬اعتراف‭ ‬عالمي‭ ‬بمكانة‭ ‬المرأة‭ ‬ودورها‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التنموية‭ ‬الشاملة‭ ‬في‭ ‬بلدانها،‭ ‬واستطاعت‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬انتزاع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حقوقها‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬غيبت‭ ‬وانتهكت‭ ‬وصودرت‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬وحجج‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وباتت‭ ‬المرأة‭ ‬اليوم‭ ‬تحتل‭ ‬مواقع‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬واستعادت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬حقوقها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهي‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬المرأة،‭ ‬بنضالها‭ ‬الطويل‭ ‬والمستمر‭ ‬وإصرارها‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬نفسها‭ ‬كرقم‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهلية‭ ‬عن‭ ‬الرقم‭ ‬الذكوري،‭ ‬أن‭ ‬تنتزعها‭ ‬وتثبتها‭ ‬بقوة‭ ‬القانون‭ ‬والتشريعات‭.‬

هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الإيجابية‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬وما‭ ‬حققته‭ ‬وانتزعته‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬ومكاسب،‭ ‬نجد‭ ‬صورتها‭ ‬تتجسد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬حيث‭ ‬قطعت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬أشواطا‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬نيل‭ ‬واستعادة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حقوقها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬باتت‭ ‬تشغل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬وأصبحت‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحقوق،‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬حيث‭ ‬الدستور‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬ثبت‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية،‭ ‬حق‭ ‬الانتخاب‭ ‬والترشح‭ ‬للمجلس‭ ‬النيابي‭ ‬والمجالس‭ ‬البلدية‭ ‬وغيرها‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬واكتسبته‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬ثبتها‭ ‬الدستور‭ ‬والقوانين‭ ‬المتممة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬حقوق‭ ‬أصبحت‭ ‬شبه‭ ‬محصنة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحصين‭ ‬أيضا،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحولات‭ ‬مجتمعية‭ ‬نوعية‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬المرأة‭ ‬أيضا،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تواجه‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬الآن‭ ‬أية‭  ‬عقبات‭ ‬تعترض‭ ‬طريقها‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المهن‭ ‬والالتحاق‭ ‬بالجامعات‭ ‬والمعاهد‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬المجتمعية‭ ‬النوعية،‭ ‬جاءت‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬أثبتته‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬من‭ ‬أهلية‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬وبأنها‭ ‬ليست‭ ‬أقل‭ ‬أهلية‭ ‬من‭ ‬أخيها‭ ‬الرجل‭.‬

مقابل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الجميلة‭ ‬لأوضاع‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬فإن‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬تمييز‭ ‬مدقع‭ ‬وخطير‭ ‬يحرمها‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬كحقها‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬ملبسها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ولكن‭ ‬التمييز‭ ‬الأخطر‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬المرأة‭ ‬الأفغانية‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬الرجعية‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬الهروب‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬أفغانستان‭ ‬وإسقاط‭ ‬الحركة‭ ‬عن‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬فمع‭ ‬عودة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬أعيدت‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الجدران‭ ‬الأربعة‭ ‬وحرمت‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬حقوقها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬التعليم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا