هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الثامن من مارس ومكاسب المرأة النوعية
لم يأت اختيار الأمم المتحدة في عام 1975، يوم الثامن من مارس من كل عام يوما للمرأة، مجرد رقم «روزنامي»، بأكثر ما هو اعتراف أممي بالنضال الذي خاضته المرأة في جميع أنحاء العالم من أجل نيل حقوقها المصادرة والمنتهكة، فلم يكن يوم الثامن من مارس صدفة، وإنما له جذور تاريخية مرتبطة بمسيرة المرأة النضالية من أجل حقوقها، ففي مثل هذا التاريخ من عام 1908، خرجت 15 ألف امرأة في مسيرة في مدينة نيويورك مطالبات بساعات عمل أقصر وأجر أفضل، إلى جانب حقها في التصويت في الانتخابات العامة، وفي عام 1910، اقترحت سيدة تدعى كلارا زيتكين في مؤتمر دولي للنساء العاملات في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن أن يصبح 8 مارس يوما عالميا، حيث وافقت الحاضرات بالإجماع على المقترح، ومن ثم احتفل بهذا اليوم لأول مرة عام 1911، في كل من النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا.
تخصيص يوم الثامن من مارس من كل عام على أنه يوم عالمي للمرأة، لا يجب النظر إليه، فقط من زاوية واحدة، أي إنه تقدير للمرأة وتأكيد على ما تمارسه من أدوار فاعلة ومؤثرة في جميع الميادين، وإنما هو اعتراف ضمني وغير مباشر بوجود تمييز بين الجنسين في مختلف المجالات والميادين، في جميع دول العالم، سواء كان تمييزا مقننا أم مجتمعيا، وهذا التمييز لا ينحصر في مجتمع دون آخر، ولكن هناك تفاوت في درجة وحدَّة هذا التمييز، بين مجتمع وآخر، لكن وجود مثل هذا التمييز، بل واستمراره في عديد من المجتمعات والدول، لا يقلل من الأهمية والتأثير الذي يمثله التمسك والاستمرار في الاحتفال واستقبال يوم الثامن من مارس من كل عام.
مضى حتى الآن أكثر من قرن على الحركة الاحتجاجية النسوية المطلبية في نيويورك وكذلك المؤتمر النسائي العالمي في كوبنهاغن، والتي أثمرت عن اعتراف عالمي بمكانة المرأة ودورها الحيوي في العملية التنموية الشاملة في بلدانها، واستطاعت المرأة في جميع أنحاء العالم انتزاع الكثير من حقوقها الإنسانية التي غيبت وانتهكت وصودرت تحت عناوين وحجج تختلف من مجتمع إلى آخر، وباتت المرأة اليوم تحتل مواقع متقدمة في مراكز صنع القرار في عديد من دول العالم واستعادت كثيرا من حقوقها الإنسانية، وهي الحقوق التي استطاعت المرأة، بنضالها الطويل والمستمر وإصرارها على تثبيت نفسها كرقم لا يقل أهلية عن الرقم الذكوري، أن تنتزعها وتثبتها بقوة القانون والتشريعات.
هذه الصورة الإيجابية عن وضع المرأة وما حققته وانتزعته من حقوق ومكاسب، نجد صورتها تتجسد على أرض الواقع لدينا في البحرين حيث قطعت المرأة البحرينية أشواطا طويلة على طريق نيل واستعادة الكثير من حقوقها الإنسانية، وهي الآن باتت تشغل الكثير من المراكز المتقدمة في المؤسسات الرسمية والأهلية وأصبحت على قدم المساواة مع الرجل من حيث الكثير من الحقوق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الحقوق السياسية حيث الدستور الصادر عام 2002 ثبت المساواة بين الجنسين في ممارسة الحقوق السياسية، حق الانتخاب والترشح للمجلس النيابي والمجالس البلدية وغيرها.
إلى جانب ما حققته واكتسبته المرأة البحرينية من حقوق ثبتها الدستور والقوانين المتممة، الأمر الذي يمكن القول إنها حقوق أصبحت شبه محصنة، فإن ما يعزز من هذا التحصين أيضا، أن هناك تحولات مجتمعية نوعية تصب في صالح المرأة أيضا، إذ لا تواجه المرأة البحرينية الآن أية عقبات تعترض طريقها في ممارسة مختلف أنواع المهن والالتحاق بالجامعات والمعاهد الدراسية في أي مكان في العالم، هذه التحولات المجتمعية النوعية، جاءت نتيجة ما أثبتته المرأة البحرينية من أهلية وقدرة على مواجهة التحديات وبأنها ليست أقل أهلية من أخيها الرجل.
مقابل هذه الصورة الجميلة لأوضاع المرأة في عديد من دول العالم، فإن المرأة في بلدان أخرى تعاني من تمييز مدقع وخطير يحرمها من أبسط حقوقها الإنسانية، كحقها في اختيار ملبسها على سبيل المثال، ولكن التمييز الأخطر هو ذلك الذي تعاني منه المرأة الأفغانية بعد عودة حركة طالبان الرجعية إلى سدة الحكم في أفغانستان على أثر الهروب الأمريكي والأوروبي من هذا البلد بعد أكثر من عشرين عاما من غزو أفغانستان وإسقاط الحركة عن سدة الحكم، فمع عودة «طالبان» إلى السلطة في شهر أغسطس من عام 2021، أعيدت المرأة إلى ما بين الجدران الأربعة وحرمت تماما من جميع حقوقها الإنسانية، بما في ذلك حقها في التعليم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك