هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
استمرار مخططات تدمير الدول العربية!
صادف شهر مارس الجاري انطواء الذكرى العشرين لجريمة الغزو الأمريكي للعراق (مارس 2003)، وهي الجريمة التي ارتكبت من دون أي مسوغ قانوني ولا حتى أسباب مقنعة، وأعني هنا تحديدا كذبة «أسلحة الدمار الشامل العراقية»، وهي الكذبة التي فضحتها الجريمة نفسها، هذه الكذبة لوحت بها أمريكا وحلفاؤها خلال تحضريهم لارتكاب هذه الجريمة وعملوا جاهدين من أجل تسويقها في أوساط المجتمع الدولي ودفعوا بمختلف الأكاذيب والتلفيقات من أجل الحصول على الغطاء الشرعي لتنفيذ هذه الجريمة عبر مجلس الأمن الدولي، إلا أن جميع هذه المساعي أخفقت في الحصول على هذا الغطاء، حتى كبسولة وزير الخارجية الأمريكي الراحل كولن بأول لم تساعد على تحويل المواقف المعارضة للغزو إلى مواقف مؤيدة.
رغم المعارضة الدولية الواسعة لمشروع الغزو الذي أعدته واشنطن ولندن، بما في ذلك معارضة أقرب حلفاء الدولتين وعلى رأسهم فرنسا التي تصدت للمحاولات الأمريكية في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب دول مؤثرة أخرى مثل روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، لكن هذه المعارضة الواسعة والاحتجاجات الجماهيرية في عاصمتي الدولتين (أمريكا وبريطانيا) لم تثن واشنطن عن الذهاب في مخططها التدميري الذي بيتته وخطط له وجاء إليها على طبق من ذهب بعد جريمة غزو العراق لدولة الكويت الشقيقة، حيث ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها بريطانيا إلى تنفيذ هذه الجريمة التي مازالت آثارها المدمرة مستمرة، سواء في الداخل العراقي أو على الأوضاع الإقليمية.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتحقيق هدف استراتيجي من وراء غزو العراق، وهو هدف قد تحقق كما أرادت، ويفوق من حيث أهميته المستوى الاستراتيجي، هدف إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وإزاحة حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم عن سدة الحكم، لأن إسقاط النظام هو أولا مسؤولية الشعب العراقي وحده، وهو قادر على تحقيقه بغض النظر عن كلفة الثمن الذي سيدفعه، أمريكا تريد تحقيق هدف أهم من ذلك، يتمثل في تدمير الدولة الوطنية العراقية وتشريح المجتمع العراقي عموديا، وهو ما تحقق بالفعل، حيث لا وجود يذكر لدولة قادرة على حماية وصون السيادة الوطنية، وهي حتى اليوم وبعد مرور عقدين على تدمير الدولة العراقية، تبقى عاجزة عن تحقيق السيادة الحقيقية، فيما تحول المجتمع العراقي إلى مجتمع تمزقه الصراعات والنزاعات الطائفية والعرقية، وبات هم هذه المكونات المجتمعية هو تثبيت الهوية الضيقة وتحقيق مصالحها على حساب الهوية الجامعة ومصالح جميع المكونات من دون أي تمييز.
صحيح أن العراق كدولة وشعب هو الذي دفع الثمن الأكبر والباهظ، بشريا واقتصاديا ووطنيا بسبب هذه الجريمة وتداعياتها المدمرة على مستقبل الدولة والشعب، لكن هذه التداعيات لم تنحصر في الداخل العراقي، بل امتدت إلى محيطه الإقليمي بالدرجة الأولى، فالشعوب العربية هي الأخرى تحملت ما نجم عن تداعيات الغزو من أضرار وآثار انعكست على الأنسجة المجتمعية لدى العديد من الشعوب العربية خاصة، وأخطر هذه التداعيات تمثلت في بروز وتصاعد أدوار التنظيمات والأحزاب الطائفية الدينية وتأجيجها للخلافات المذهبية.
كان يفترض أن تكون هذه الأضرار والمخاطر التي أفرزتها جريمة الغزو للعراق، بمثابة العبرة والدرس الذي يفترض الاستفادة منه للحيلولة دون تكرار المأساة العراقية في ساحة عربية أخرى، لكن المثل العربي القائل «رب ضارة نافعة»، لم يجد له مكانا من الإعراب، فبعد ثماني سنوات من غزو العراق وتدميره، تكررت أكثر من مأساة عربية، ولكن هذه المرة لم تكن «أسلحة الدمار الشامل»، هي المحرك لآلات التدمير التي تحركت تجاه دول عربية أخرى، في المقدمة منها سوريا وليبيا، حيث كانت مهزلة «حقوق الإنسان» و«الحرية والديمقراطية» محركا لهذه الآلات، الم يقل كارل ماركس: «إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة»؟
من المؤسف حقا أن الدول العربية لم تستفد من تجربة تدمير العراق فانطلت على الكثير منها أكذوبة «حقوق الإنسان» و«الحرية والديمقراطية» التي استخدمتها الدول الغربية في حربها التدميرية ضد سوريا وليبيا، حيث تحول البلدان إلى وضع أسوأ من الوضع الذي وصل إليه العراق، فكما حولت جريمة غزو العراق هذا البلد إلى ساحة من ساحات الإرهاب والتدمير ومصدر من مصادر التأجيج المذهبي والطائفي، فإن ليبيا وسوريا ليستا بأفضل حال مما آل إليه العراق، سواء تعلق الأمر بانتشار الإرهاب أو بالاقتتال المذهبي والطائفي والعرقي أيضا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك