هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
لطمة سياسية إفريقية للسياسة «الإسرائيلية»
قبل عدة أسابيع مضت صوَّت برلمان جنوب أفريقيا على مشروع قرار تقدم به حزب الحرية الوطني، خفضت جمهورية جنوب أفريقيا مستوى العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل» من مستوى سفارة إلى مكتب اتصال، والقرار يأتي تنفيذا لقرار سابق اتخذه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قبل نحو عام تقريبا في هذا الخصوص، تضامنا مع نضال الشعب العربي الفلسطيني، حيث أكدت وزيرة الخارجية الأفريقية لينديوي سيسولو أن بلادها لن تعين ممثلا في «إسرائيل» على مستوى سفير وستحتفظ بمكتب اتصال، فيما قال حزب الحرية الوطني بعد التصويت على المشروع أن «هذه لحظة سيفخر بها نيلسون مانديلا الذي قال دائما إن حريتنا غير مكتملة من دون حرية الفلسطينيين».
هذه الخطوة الدبلوماسية ذات المعنى والمغزى والبعد السياسي الكبير التي صدرت عن جمهورية جنوب أفريقيا، تعكس بدقة الموقف المبدئي لهذه الجمهورية الأفريقية التي دفع شعبها ثمنا باهظا من أجل حريته ونيل استقلاله والتخلص من نظام الفصل العنصري «الأبارتهايد»، الموقف المبدئي من نضال الشعب العربي الفلسطيني الذي يعاني من نفس السياسة العنصرية التي عانى منها سكان جنوب أفريقيا السود، وهذا ما أكده حزب الحرية والعدالة صاحب المشروع حيث قال إن هذه الخطوة، أي خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية، كان من الممكن أن تحظى بدعم رمز محاربة الفصل العنصري (الأبارتهايد)، الراحل نيلسون مانديلا.
جمهورية جنوب أفريقيا سارعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع فلسطين بعد عام واحد فقط من انتهاء نظام الفصل العنصري في الدولة الأفريقية في عام 1994، وبالتالي فإن هذه الخطوة الجديدة التي صدرت عن برلمان جنوب أفريقيا إنما تأتي انسجاما ومتماشية تماما مع الموقف المبدئي والثابت لدولة المناضل نيلسون مانديلا، وللعلم فقد سبق لهذه الجمهورية الأفريقية أن خفضت تمثيلها الدبلوماسي عام 2019 وسحبت سفيرها من «إسرائيل»، بسبب «الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين»، كما جاء في البيان الذي تلا قرار التخفيض.
الشعب في جنوب أفريقيا عانى من سياسة الفصل العنصري ومن الاضطهاد والتنكيل والزج بأبنائه في غياهب سجون النظام العنصري البغيض الذي جثم على صدور أبنائه زهاء نصف قرن (نظام الفصل أنشأه الحزب الوطني الذي سيطر على الحياة السياسية في البلاد من عام 1948 حتى 1994)، وبالتالي من الطبيعي جدا أن تأتي مواقف حكومتهم داعمة ومؤيدة لنضال الشعب العربي الفلسطيني وهم يرونه يعاني من نفس السياسة العنصرية والاضطهاد السياسي الذي عانى منه شعب جنوب أفريقيا خلال سنوات نظام الفصل العنصري.
هناك عامل آخر له تأثير في سياسة حكومة جنوب أفريقيا والغالبية الساحقة من شعبها فيما يتعلق بالموقف من السياسة «الإسرائيلية» تجاه الشعب الفلسطيني والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بشكل عام، وهو أن نظام الفصل العنصري الذي جثم على صدورهم كان يتلقى الدعم من «إسرائيل» وهناك تحالف قوي بين النظامين، فليس من السهولة أن ينسى أو يتجاهل أبناء الجمهورية الأفريقية هذه المواقف العدوانية من جانب «إسرائيل» تجاههم وتجاه نضالهم ضد نظام الفصل العنصري في بلادهم.
فهناك قواسم مشتركة ومتشابهة بين الشعبين الفلسطيني وشعب جنوب أفريقيا، وكما يلتقي الشعبان في أهداف يسعون إلى تحقيقها من وراء نضالهم البطولي، فإن هناك صفات مشتركة بين سياسة نظام الفصل العنصري الذي كان قائما في جنوب أفريقيا تجاه سكان البلد الأفارقة، وسياسة «إسرائيل» تجاه أبناء الشعب الفلسطيني ونضالهم المشروع من أجل استرداد حقوقهم المشروعة، وفي المقدمة منها حقهم في الحرية والاستقلال وإقامة دولتهم المستقلة أسوة بباقي شعوب المعمورة.
الشعب العربي الفلسطيني، خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة، حيث اليمين العنصري المتطرف الحاكم في «إسرائيل» يقود حملة ممنهجة وشرسة لتصفية ما تبقى من حقوق فلسطينية من خلال إفراغ المدن والقرى والتجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة من أبنائها الشرعيين، عبر القضم التدريجي لأراضيهم من خلال التوسع الاستيطاني وإقامة المزيد من المستوطنات فوق هذه الأراضي، في مثل هذه الظروف فإن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة إلى مواقف الدعم السياسية، فعلا وليس قولا، وهو ما ذهبت إليه جمهورية جنوب أفريقيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك