هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الزواج الجماعي تجسيد لواقع معاش
لم يكن حفل الزواج الجماعي الذي نظمته جمعية الهملة الثقافية الخيرية الاجتماعية قبل أيام لأكثر من 84 زوجا وزوجة من أبناء الطائفتين الكريمتين الأول من نوعه، فقد حرصت الجمعية على إقامة مثل هذه الأعراس الوطنية سنويا، ولم يتوقف إلا خلال السنتين الماضيتين بسبب جائحة «كورونا»، وهو دون أدنى شك يمثل فكرة وطنية غاية في النبل والسمو كون مثل هذه الفعاليات والأفراد تسهم في تعضيد اللحمة الوطنية وتكريس نهج وسمة التآلف والتآخي التي تربى عليها أبناء البحرين على مدى مئات السنين حيث تجد الأحياء السكنية في أهم مدينتين بحرينيتين المنامة والمحرق، متداخلة ومختلطة من أبناء الطائفتين الكريمتين.
جميع الفعاليات التي تجمع بين أبناء الطائفتين الكريمتين تلعب دورا في تعزيز الأواصر الوطنية وتؤكد في نفس الوقت مبادئ التعايش والتسامح الذي هي جزء أصيل من النسيج الاجتماعي لشعب البحرين، هذا النسيج الذي أثبت أنه قوي وعصي على التمزيق، ففي المجتمعات ذات المكونات المتعددة دينيا وعرقيا ومذهبيا، فإن التقريب بين هذه المكونات من خلال الفعاليات المشتركة، كما هو حال الزواج الجماعي سالف الذكر، هو عمل في غاية الأهمية، وفكرة خلاقة تلعب دورا فعالا في تقوية النسيج الاجتماعي وتحصينه وتعزيز الروابط بين هذه المكونات.
التعايش والتآخي والترابط بين أبناء الطائفتين الكريمتين، ليس بالأمر الجديد على المجتمع البحريني، فهذه سمة مترسخة لدى أبناء المجتمع البحريني، تميزهم عن كثير من المجتمعات ذات التعدد العرقي أو الديني والمذهبي، والتنوع والتعدد الذي امتاز به مجتمع البحرين لم يشكل في أي فترة من الفترات، حلقة ضعف في النسيج الوطني، بل على العكس من ذلك، فإن هذا التنوع والتعدد والتآلف فيما بين هذه المكونات، أضفى صورة جميلة على هذا النسيج.
فالمجتمع البحريني عرف منذ عقود عدة التزاوج بين مكوناته المختلفة، سواء كانت عرقية أم دينية ومذهبية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن التزاوج بين أبناء الطائفتين الكريمتين، يضرب بجذوره إلى سنوات طويلة، فلم يكن الاختلاف المذهبي عائقا ولا معرقلا لحالات التزاوج، فهذا التآلف والتآخي بين مكونات المجتمع البحريني المختلفة، شكل صمام الأمان في وجه التقلبات التي حدثت في المنطقة خلال عديد من المراحل التاريخية المختلفة، وخاصة في السنوات الأخيرة حيث شهدت الساحات العربية والخليجية صعودا غير مسبوق للأفكار الدينية المتطرفة ونزعة الاستئصال ورفض الآخر المختلف دينيا ومذهبيا، وشاهدنا كيف تأثرت شعوب عربية بهذه الأفكار، في حين بقي شعبنا محصنا رغم الرشقات التي استهدفت نسيجه الوطني.
عود على بدء، فإن استمرار جمعية الهملة الثقافية الخيرية في تنظيم مثل هذه الفعاليات الجامعة لأبناء الطائفتين الكريمتين، وبالمناسبة، فإن هناك جهات أهلية أخرى تنظم أيضا فعاليات جامعة، إن استمرار ذلك، يؤكد من جانب، سلامة ومتانة نسيجنا الوطني، ومن جانب آخر فإن مثل هذه الفعاليات تسهم بقوة في تعزيز هذا النسيج وتقويته وإزالة أية شوائب يمكن أن تشوه جمالية هذا النسيج، فهي فعاليات تستحق الدعم والتشجيع والإكثار منها وتنويعها، فالوطن حضن للجميع ومن مصلحة الجميع أن يعيشوا في دفئه متآخين ومتآلفين.
تآخي أبناء المجتمع الواحد وتماسكهم يشكل صمام الأمان الحقيقي لسلامة الأوطان وضمان مستقبلها، وتأمينها ضد أي شكل من أشكال العبث المهدد لاستقرارها، سواء كان مصدر هذا العبث داخليا، لأي سبب كان، أو خارجيا، حيث جميع المجتمعات تقريبا معرضة لمثل هذه التدخلات الخارجية التي لا يمكن أن تكون لصالح أبناء الوطن الواحد، وإنما هي، أي التدخلات، تخدم أجندات خارجية، والمجتمعات المتآخية والمتآلفة، بغض النظر عن اختلاف مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية، أو غيرها من الاختلافات، هي وحدها القادرة على تأمين مسيرتها الوطنية وصيانتها وصد كل أشكال التدخلات، لهذا لا بد هنا من تأكيد أهمية تعزيز وتقوية أواصر الألفة والتآخي بين أبناء البحرين عبر عديد من الفعاليات والبرامج الثقافية وغيرها من الفعاليات ذات الأهداف النبيلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك