العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

الزواج الجماعي تجسيد لواقع معاش

لم‭ ‬يكن‭ ‬حفل‭ ‬الزواج‭ ‬الجماعي‭ ‬الذي‭ ‬نظمته‭ ‬جمعية‭ ‬الهملة‭ ‬الثقافية‭ ‬الخيرية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬84‭ ‬زوجا‭ ‬وزوجة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الطائفتين‭ ‬الكريمتين‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬الجمعية‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعراس‭ ‬الوطنية‭ ‬سنويا،‭ ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬إلا‭ ‬خلال‭ ‬السنتين‭ ‬الماضيتين‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬يمثل‭ ‬فكرة‭ ‬وطنية‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬النبل‭ ‬والسمو‭ ‬كون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬والأفراد‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تعضيد‭ ‬اللحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتكريس‭ ‬نهج‭ ‬وسمة‭ ‬التآلف‭ ‬والتآخي‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬عليها‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬الأحياء‭ ‬السكنية‭ ‬في‭ ‬أهم‭ ‬مدينتين‭ ‬بحرينيتين‭ ‬المنامة‭ ‬والمحرق،‭ ‬متداخلة‭ ‬ومختلطة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الطائفتين‭ ‬الكريمتين‭. ‬

جميع‭ ‬الفعاليات‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الطائفتين‭ ‬الكريمتين‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الأواصر‭ ‬الوطنية‭ ‬وتؤكد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬مبادئ‭ ‬التعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬الذي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬أصيل‭ ‬من‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لشعب‭ ‬البحرين،‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬أنه‭ ‬قوي‭ ‬وعصي‭ ‬على‭ ‬التمزيق،‭ ‬ففي‭ ‬المجتمعات‭ ‬ذات‭ ‬المكونات‭ ‬المتعددة‭ ‬دينيا‭ ‬وعرقيا‭ ‬ومذهبيا،‭ ‬فإن‭ ‬التقريب‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفعاليات‭ ‬المشتركة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭  ‬حال‭ ‬الزواج‭ ‬الجماعي‭ ‬سالف‭ ‬الذكر،‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬وفكرة‭ ‬خلاقة‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬فعالا‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتحصينه‭ ‬وتعزيز‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭.‬

التعايش‭ ‬والتآخي‭ ‬والترابط‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الطائفتين‭ ‬الكريمتين،‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬فهذه‭ ‬سمة‭ ‬مترسخة‭ ‬لدى‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬تميزهم‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬ذات‭ ‬التعدد‭ ‬العرقي‭ ‬أو‭ ‬الديني‭ ‬والمذهبي،‭ ‬والتنوع‭ ‬والتعدد‭ ‬الذي‭ ‬امتاز‭ ‬به‭ ‬مجتمع‭ ‬البحرين‭ ‬لم‭ ‬يشكل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفترات،‭ ‬حلقة‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬والتعدد‭ ‬والتآلف‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المكونات،‭ ‬أضفى‭ ‬صورة‭ ‬جميلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭.‬

فالمجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬عرف‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬عدة‭ ‬التزاوج‭ ‬بين‭ ‬مكوناته‭ ‬المختلفة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬عرقية‭ ‬أم‭ ‬دينية‭ ‬ومذهبية،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬فإن‭ ‬التزاوج‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الطائفتين‭ ‬الكريمتين،‭ ‬يضرب‭ ‬بجذوره‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬الاختلاف‭ ‬المذهبي‭ ‬عائقا‭ ‬ولا‭ ‬معرقلا‭ ‬لحالات‭ ‬التزاوج،‭ ‬فهذا‭ ‬التآلف‭ ‬والتآخي‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬المختلفة،‭ ‬شكل‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التقلبات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬التاريخية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬الساحات‭ ‬العربية‭ ‬والخليجية‭ ‬صعودا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬للأفكار‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬ونزعة‭ ‬الاستئصال‭ ‬ورفض‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬دينيا‭ ‬ومذهبيا،‭ ‬وشاهدنا‭ ‬كيف‭ ‬تأثرت‭ ‬شعوب‭ ‬عربية‭ ‬بهذه‭ ‬الأفكار،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬بقي‭ ‬شعبنا‭ ‬محصنا‭ ‬رغم‭ ‬الرشقات‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬نسيجه‭ ‬الوطني‭.‬

عود‭ ‬على‭ ‬بدء،‭ ‬فإن‭ ‬استمرار‭ ‬جمعية‭ ‬الهملة‭ ‬الثقافية‭ ‬الخيرية‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬الجامعة‭ ‬لأبناء‭ ‬الطائفتين‭ ‬الكريمتين،‭ ‬وبالمناسبة،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬جهات‭ ‬أهلية‭ ‬أخرى‭ ‬تنظم‭ ‬أيضا‭ ‬فعاليات‭ ‬جامعة،‭ ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬ذلك،‭ ‬يؤكد‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬سلامة‭ ‬ومتانة‭ ‬نسيجنا‭ ‬الوطني،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬تسهم‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭ ‬وتقويته‭ ‬وإزالة‭ ‬أية‭ ‬شوائب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشوه‭ ‬جمالية‭ ‬هذا‭ ‬النسيج،‭ ‬فهي‭ ‬فعاليات‭ ‬تستحق‭ ‬الدعم‭ ‬والتشجيع‭ ‬والإكثار‭ ‬منها‭ ‬وتنويعها،‭ ‬فالوطن‭ ‬حضن‭ ‬للجميع‭ ‬ومن‭ ‬مصلحة‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬في‭ ‬دفئه‭ ‬متآخين‭ ‬ومتآلفين‭.‬

تآخي‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬الواحد‭ ‬وتماسكهم‭ ‬يشكل‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬الحقيقي‭ ‬لسلامة‭ ‬الأوطان‭ ‬وضمان‭ ‬مستقبلها،‭ ‬وتأمينها‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العبث‭ ‬المهدد‭ ‬لاستقرارها،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬مصدر‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬داخليا،‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬كان،‭ ‬أو‭ ‬خارجيا،‭ ‬حيث‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬تقريبا‭ ‬معرضة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لصالح‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد،‭ ‬وإنما‭ ‬هي،‭ ‬أي‭ ‬التدخلات،‭ ‬تخدم‭ ‬أجندات‭ ‬خارجية،‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المتآخية‭ ‬والمتآلفة،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬اختلاف‭ ‬مكوناتها‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬والمذهبية،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الاختلافات،‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬مسيرتها‭ ‬الوطنية‭ ‬وصيانتها‭ ‬وصد‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التدخلات،‭ ‬لهذا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬وتقوية‭ ‬أواصر‭ ‬الألفة‭ ‬والتآخي‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬والبرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬ذات‭ ‬الأهداف‭ ‬النبيلة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا