العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

تسييس القضاء تشويه للعدالة

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التبرير‭ ‬‮«‬القانوني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ساقته‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بإصدارها‭ ‬مذكرة‭ ‬اعتقال‭ ‬بحق‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬ومحاولة‭ ‬ممثلي‭ ‬المحكمة‭ ‬إبعاد‭ ‬الصفة‭ ‬السياسية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬القرار،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬لم‭ ‬يقنع‭ ‬سوى‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬صراع‭  ‬سياسي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬الذين‭ ‬رحبوا‭ ‬بهذا‭ ‬القرار‭ ‬واعتبروه‭ ‬مكسبا‭ ‬‮«‬قانونيا‮»‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬اعتبرت‭ ‬القرار‭ ‬‮«‬مبررا‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بهذه‭ ‬المحكمة،‭ ‬بل‭ ‬وذهبت‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬عليها‭ ‬خلال‭ ‬ولاية‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بحجة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خرجت‭ ‬أصوات‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬تطالب‭ ‬بمحاسبة‭ ‬مسؤولين‭ ‬‮«‬إسرائيليين‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬ارتكابهم‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

تنفيذ‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬المعجزة،‭ ‬فالرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬لن‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية،‭ ‬وروسيا‭ ‬أساسا‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬باستثناء‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬حاد‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬رائحة‭ ‬التسييس‭ ‬تفوح‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬لم‭ ‬تحرك‭ ‬ساكنا‭ ‬تجاه‭ ‬قادة‭ ‬ومسؤولين‭ ‬ارتكبوا‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬بحق‭ ‬الإنسانية‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تخيلها‭ ‬وما‭ ‬نجم‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬مآس‭ ‬وفظائع،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬مثول‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬أمام‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭. ‬

نائب‭ ‬رئيس‭ ‬شرطة‭ ‬دبي‭ ‬ضاحي‭ ‬خلفان‭ ‬في‭ ‬تغريدات‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬حسابه‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تويتر‭ ‬قال‭: ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬وين‭ ‬مذكراتها‭ ‬عن‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬العراق‮»‬؟،‭ ‬مضيفا‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬تسيس‭ ‬المحاكم‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬لمذكراتها‭ ‬أي‭ ‬معنى،‭ ‬‮«‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬قتل‭ ‬ملايين‭ ‬العراقيين‭ ‬الأبرياء‭.. ‬وخرج‭ ‬بطلا‭.. ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬كانت‭ ‬تغط‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬عميق‮»‬،‭ ‬فالرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬ورئيس‭ ‬وزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬السابق‭ ‬توني‭ ‬بلير،‭ ‬نفذا‭ ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أكاذيب‭ ‬مفبركة‭ ‬نجم‭ ‬عنها‭ ‬إزهاق‭ ‬أرواح‭ ‬وإصابات‭ ‬وإعاقات‭ ‬مستدامة‭ ‬لملايين‭ ‬العراقيين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأعمار،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأطفال،‭ ‬وهي‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬منها‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬مبررا‭ ‬‮«‬قانونيا‮»‬‭ ‬لإصدار‭ ‬مذكرة‭ ‬اعتقال‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭. ‬

فالمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬بخضوعها‭ ‬للإملاءات‭ ‬السياسية،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬تضعف‭ ‬من‭ ‬هيبتها‭ ‬وسمعتها،‭ ‬ومصداقيتها‭ ‬لدى‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬دفعوا‭ ‬أثمانا‭ ‬باهظة‭ ‬جراء‭ ‬جرائم‭ ‬ارتكبها‭ ‬قادة‭ ‬ومسؤولون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتعرضوا‭ ‬لأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬المساءلة‭ ‬أو‭ ‬المحاسبة‭ ‬القانونية،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬المحكمة‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬أدلة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قرائن‭ ‬استندت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬اعتقال‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬أدلة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬ارتكب‭  ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مسوغ‭ ‬قانوني‭ ‬أو‭ ‬قرار‭ ‬أممي‭ ‬يشرع‭  ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬المحكمة‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬ضاحي‭ ‬خلفان‭ ‬‮«‬تغط‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬عميق‮»‬‭.‬

ليس‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بنقل‭ ‬أطفال‭ ‬دونباس‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬ومناطق‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬حيث‭ ‬تقول‭ ‬الأخيرة‭ ‬أنها‭ ‬نقلت‭ ‬هؤلاء‭ ‬لحمايتهم‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬مدن‭ ‬ومناطق‭ ‬تشهد‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬تهدد‭ ‬حياتهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬منه‭ ‬المحكمة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬السبب،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬صحيحا،‭ ‬وهو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬هذه‭ ‬الفئة،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬أيَّ‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الانتقائية‭ ‬القانونية‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬تشويه‭ ‬خطير‭ ‬لوجه‭ ‬العدالة‭ ‬وإساءة‭ ‬أيضا‭ ‬لأرواح‭ ‬الضحايا‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬لهم‭ ‬ولم‭ ‬تخرج‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬للدفاع‭ ‬عنهم‭ ‬وإنصافهم،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭. ‬

فتسييس‭ ‬القضاء‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬خطير‭ ‬جدا،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬تفوح‭ ‬رائحة‭ ‬هذا‭ ‬التسييس‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬قرارات‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬هيئة‭ ‬قضائية‭ ‬دولية،‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بوصلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العدالة،‭ ‬أيا‭ ‬يكون‭ ‬الجاني‭ ‬أو‭ ‬المتهم،‭ ‬هي‭ ‬البوصلة‭ ‬التي‭ ‬تسترشد‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة‭ ‬القضائية‭ ‬الدولية،‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مواقفها‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الضحايا‭ ‬ومن‭ ‬جميع‭ ‬مرتكبي‭ ‬الجرائم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬قدرات‭ ‬وقوة‭ ‬بلدانهم‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬السمات‭ ‬والصفات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مبادئ‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬وتوجهات‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة،‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬انتقائية،‭ ‬كما‭ ‬اتضح‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬الأخير‭ ‬وصمت‭ ‬المحكمة‭ ‬تجاه‭  ‬جرائم‭ ‬قادة‭ ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وتدمير‭ ‬ليبيا‭ ‬وأفغانستان‭ ‬والقائمة‭ ‬طويلة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا