هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
سوريا في طريقها إلى حضنها الطبيعي
في شهر فبراير الماضي وخلال مشاركته في مؤتمر الأمن الذي احتضنته مدينة ميونيخ الألمانية قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود: «إن إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب»، قبل هذا التصريح الصادر عن وزير الخارجية السعودي، كان هناك كثير من المؤشرات والقرائن، بل والأدلة، التي تؤكد أن الجمود، بل القطيعة، التي خيمت على علاقات عدد من الدول العربية مع سوريا منذ اندلاع الأحداث في هذا البلد العربي في عام 2011 والتي تفجرت تزامنا مع ما شهدته بعض الدول العربية من أحداث فيما يعرف بــ«الربيع العربي»، هذا الجمود تسارع في الذوبان في الآونة الأخيرة وأن مياه العلاقات العربية مع دمشق أخذت تعود إلى مجاريها الطبيعية.
من يتابع مسار العلاقات السورية وتطوره مع بعض الدول العربية التي اتسمت علاقاتها مع دمشق بالجمود وأخرى بالقطيعة، يلاحظ أن عجلة تقارب علاقات هذه الدول مع سوريا أخذت في الدوران وبوتيرة أسرع مما كان متوقعا، فالعديد من هذه الدول أعادت علاقاتها كاملة مع دمشق من خلال إعادة فتح سفاراتها في العاصمة السورية دمشق، كما أن الرئيس السوري بشار الأسد قام بعدة زيارات إلى كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، آخرها تلك التي تمت للعاصمة الإماراتية أبوظبي، مباشرة بعد انتهاء زيارته الرسمية إلى روسيا الاتحادية في منتصف مارس الجاري.
وكالة «سبوتنيك» الروسية نقلت عن مصادر لم تسمها تفيد بأن المملكة العربية السعودية ستستأنف العمل في قنصليتها بالعاصمة السورية دمشق، بعد عيد الفطر القادم، يسبقها زيارة يقوم بها وزير الخارجية السعودي إلى سوريا، مشيرة إلى أن وساطة روسية إماراتية أفضت إلى تذليل العقبات أمام البلدين العربيين، وبعيدا عن مدى صحة توقيت تبادل فتح المقرات الدبلوماسية للبلدين، إلا أن تصريح وزير الخارجية السعودي سالف الذكر يؤكد أن هناك تحولا سياسيا يجري الآن وبسرعة بين الرياض ودمشق الأمر الذي لم يرق للولايات المتحدة الأمريكية التي دعت أكثر من مرة الدول العربية وغيرها إلى عدم التطبيع مع النظام في سوريا.
الولايات المتحدة الأمريكية لها حساباتها الخاصة بمصالحها الاستراتيجية، وهذه المصالح تقوم على دق الأسافين في العلاقات ما بين الدول العربية بعضها البعض، فعزل سوريا عن محيطها العربي يخدم مصالح واشنطن وحليفها الإستراتيجي، أي «إسرائيل» فالشماعة التي تعلقها عليها واشنطن حججها تجاه سوريا، أي «حرية الشعب السوري»، هذه الشماعة انهارت تماما نتيجة دعم واشنطن لمشروع تدمير سوريا على أيدي الجماعات الإرهابية، ودعمها المطلق لسياسة سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» ورفض هذه السلطات الاعتراف والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
رغم مواقف واشنطن المناهضة لعودة سوريا إلى حضنها العربي، فإن العواصم العربية لم تكترث حتى الآن لهذا الموقف، فالدول العربية أدركت أن عزل سوريا ومقاطعتها لا يخدم المصالح العربية تماما، بل على العكس من ذلك، فإنه يصب في مصلحة سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» بالدرجة الأولى ومصالح واشنطن أيضا، التي لا تنظر على الإطلاق إلى المصالح العربية، بل على العكس من ذلك، فإنها تسعى إلى تخريب هذه المصالح وتدمير دولنا واحدة تلو الأخرى، والأمثلة ساطعة أمامنا في العراق وليبيا، وكذلك في سوريا أيضا.
ليس هناك من خيار عقلاني وسليم سوى الترحيب ودعم عودة سوريا إلى حضنها العربي، فعجلة التطبيع العربية مع دمشق لم تعد هناك أسباب أو جدوى لإيقافها، فالمصالح العربية القومية تدعم هذا التوجه الصحيح من قبل الدول العربية فيما يخص علاقاتها مع سوريا، فالشعب السوري الشقيق عانى من ويلات الحرب التي فرضت عليه والتي حولت بلاده إلى واحدة من أكبر ساحات الإرهاب في العالم وعرضت السيادة السورية لخطر التمزيق الجيوسياسي والديموغرافي، وهذا إن تحقق، فإنه لن يخدم المصالح القومية العربية، بل ومن شأنه أن يعرض الأمن القومي العربي للخطر، وتجربة الغزو الأمريكي للعراق والتداعيات التي نجمت عنه تؤكد هذه الحقيقة.
المنطقة بشكل عام تشهد تحولات سياسية كبيرة، يأتي في مقدمتها الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم برعاية جمهورية الصين الشعبية والذي أفضى إلى اتفاق الرياض وطهران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في غضون شهرين، وبالتالي فإن تطبيع علاقات بعض الدول العربية مع دمشق والدفع باتجاه عودتها إلى حضنها العربي، يأتي في سياق هذه التحولات، وهي بالطبع تحولات إيجابية تخدم مصالح جميع دول المنطقة وتغلق الأبواب أمام السياسات الانتهازية لقوى دولية وإقليمية تلعب على حبل الخلافات بين دول المنطقة وتستفيد منها أيضا على حساب مصالح شعوبنا ودولنا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك